يعد اضطراب الشخصية الحدية من ضمن أخطر الأزمات النفسية، والتي يمكن الإصابة بها عادة في مرحلة المراهقة أو بداية العشرينيات من العمر، ليؤثر بالسلب على حياة المريض غير القادر على التحكم في مشاعره، فما هي تفاصيل هذا الاضطراب؟
اضطراب الشخصية الحدية

يندرج اضطراب الشخصية الحدية أسفل قائمة الاضطرابات الشخصية من النوع الثاني، والتي تتميز بالاندفاع الشديد وصعوبة السيطرة على المشاعر الأحاسيس، وربما التعبير عنها بشكل خاطئ، فيما يعتبر الاضطراب أكثر شيوعًا بين النساء.
تؤدي المعاناة من ملامح وصفات الشخصية الحدية في العادة إلى اتخاذ المريض لقرارات تحمل الكثير من المخاطرة، لتهدد سلامته وسلامة المحيطين به، علمًا بأن تقلب المزاج والمرور بحالات من القلق والاكتئاب تبدو شائعة بين مرضى هذا الاضطراب.
يعتقد خبراء علم النفس أن اضطرابات الشخصية الحدية تصيب البعض جراء المعاناة من مزيج يجمع بين أمرين، الأول هو العامل الوراثي الذي يزيد من فرص الإصابة، والثاني هو خوض تجارب سيئة في مراحل مبكرة، تتمثل في التعرض للهجر أو الإهمال أو الإيذاء، لتتحفز أعراض اضطراب الشخصية الحدية فورًا.
أعراض اضطراب الشخصية الحدية

يعد اضطراب الشخصية الحدية من بين الاضطرابات النفسية المؤثرة بالسلب على شتى مجالات حياة المريض، والدليل على ذلك يبقى واضحًا عبر ملاحظة أعراضه المزعجة التالية:
الاندفاع والمخاطرة
يعاني مصاب اضطراب الشخصية الحدية من اندفاع زائد عن الحد، وميل إلى المخاطرة بدرجة غير محسوبة العواقب، حيث يظهر ذلك جليًا في صورة حصوله على المواد الممنوعة بشكل مفرط، أو القيام بحرق بعض الأغراض الخاصة دون حذر، أو في أبسط الأحوال في الوقوع ضحية الشراء الاندفاعي وخسارة الكثير من الأموال.
التقلبات المزاجية الحادة
يبدو مزاج الشخصية الحدية متقلبًا بصورة جنونية، حيث يمكنه في لحظة ما أن يعبر عن راحته، قبل أن تكشف ملامحه عن حزن شديد بعد مرور وقت قصير للغاية، وهي التقلبات المزاجية التي تطول مدتها لأيام في بعض الأحيان، فيما تصطحب بمشاعر قلق وإحساس بالفراغ.
الخوف من الهجر
يمكن القول إن الخوف من التعرض للهجر العاطفي أو الاجتماعي، يشكل هاجسًا خطيرًا يسيطر على ذهن الشخص الذي يعاني من اضطراب الشخصية الحدية، ما ينتج في العادة عن خوض تجارب نتيجتها مماثلة لهذا الهاجس في سنوات الطفولة أو المراهقة، لتصبح النتيجة المتوقعة هي سوء علاقات الشخصية الحدية التي تضع الضغوط دومًا على المقربين منها.
فقدان الثقة
بينما تعاني الشخصية الحدية في الأساس من الخوف الدائم من التعرض للهجر، فإن أحد أعراض اضطراب الشخصية الحدية يتمثل في التشكك في الأشخاص المقربين، وفي احتمالية قيامهم بالابتعاد بصورة مفاجئة ودون سابق إنذار، الأمر الذي يشكل حالة من فقدان الثقة لدى تلك الشخصية في الجميع.
ارتباك النظرة للنفس
إن كان المعتاد أن يشعر الشخص السوي بالرضا عن نفسه رغم الانزعاج من بعض صفاته وسلوكياته السلبية، فإن المعاناة من الشخصية الحدية تدفع المريض إلى الشعور بنقيضين معًا ولكن في أوقات متفرقة، حيث يبدو من الوارد أن يشعر ضحية هذا الاضطراب بأنه يبلي بلاء حسنًا في حياته، قبل أن تتغير نظرته لنفسه فجأة، ويشعر بأنه سيئ على جميع الأصعدة.
صعوبة السيطرة على المشاعر
هي واحدة من أشهر أعراض الشخصية الحدية، حيث تتمثل في عدم القدرة على السيطرة على المشاعر، وخاصة السلبية منها، ليبدو التحكم في الغضب مستحيلًا أحيانًا على ضحية هذا الاضطراب، ليندفع كعادته حينها متسببًا في الأزمات لنفسه وللآخرين.
الأفكار الانتحارية
بينما تعد ممارسة الأفعال الخطيرة من أعراض اضطراب الشخصية الحدية، فإن القيام بنشاطات من شأنها إيذاء النفس تعد كذلك من علامات الإصابة بهذا الاضطراب، بل وتزيد الأمور سوءا حينما يصل الأمر إلى حد الوقوع تحت أسر الأفكار الانتحارية وتنفيذها إن سنحت الفرصة.
مضاعفات اضطراب الشخصية الحدية

إن كانت أعراض اضطراب الشخصية الحدية خطيرة على النفس من الأساس، فإن مضاعفات هذا الاضطراب لا تقل إزعاجًا، حيث تتمثل في:
المعاناة من الاكتئاب
تزداد فرص الإصابة بمرض الاكتئاب عند المعاناة من سمات الشخصية الحدية السلبية، وهو الأمر الطبيعي في ظل المرور بتقلبات مزاجية حادة وأفكار متشككة في الآخرين طوال الوقت، علاوةً على عدم الرضا عن النفس في كثير من الأحيان.
الإصابة باضطرابات نفسية أخرى
لا يشكل الاكتئاب المرض النفسي الوحيد الذي يمكنه إصابة مريض الشخصية الحدية، نظرًا لاحتمالية معاناته من اضطرابات أخرى جراء المرور بأعراض الاندفاع والتشكك المرهقة، حيث تزيد فرص الإصابة باضطرابات القلق واضطرابات الأكل، بالإضافة إلى احتمالية المعاناة من اضطراب ثنائي القطب.
الإدمان
في وقت يبدو فيه الإدمان من الأمور الخطيرة التي تهدد الأشخاص الشغوفين بخوض التجارب الخطيرة، فإن اضطراب الشخصية الحدية دائمًا ما يجعل المصاب به مندفعا باتجاه المخاطرات، ومن بينها خوض تجربة الحصول على المواد المخدرة أو الإفراط في شرب الكحوليات، لتصبح النتيجة الواردة هنا هي الوقوع تحت سيطرة الإدمان المدمر.
التعرض للعنف
من الوارد أن تدفع أعراض اضطراب الشخصية الحدية والمتمثلة في الشك والسلوك العدائي باتجاه الآخرين، إلى الانجراف في اشتباكات ونزاعات حادة، لتظهر إحدى مضاعفات اضطراب الشخصية الحدية في صورة إصابات إما جراء التعرض للعنف الجسدي أو نتيجة قيادة السيارة بتهور، علمًا بأن حتى العلاقات العاطفية لتلك الشخصية، تشهد في أغلب الأحيان إما التعرض للإيذاء بأنواعه أو إيذاء الطرف الآخر.
انهيار العلاقات العاطفية
تبدو نسب الانفصال لدى الشخصية الحدية شديدة الارتفاع، حيث تتحول حياة الطرف الآخر من العلاقة العاطفية أو الزوجية إلى ما يشبه الكابوس، في ظل تشكك مصاب اضطراب الشخصية الحدية في من حوله طوال الوقت، علاوة على تقلبه مزاجيًا وانفعاله الزائد في بعض الأحيان، لتبدو فرص انهيار تلك العلاقات العاطفية أو الاجتماعية حتى كبيرة للغاية.
المعاناة في العمل
لا يبدو الوضع مختلفًا بالنسبة إلى الشخصية الحدية في العمل، حيث تسهل المعاناة من الأزمات مع زملاء العمل باختلاف طرق تفكيرهم وسلوكياتهم، فيما يبقى الذهن منشغلًا حينها بصراعات جانبية ربما تكون وهمية من الأصل، ليؤدي ذلك إلى صعوبة تحقيق مصاب اضطراب الشخصية الحدية للنجاحات على صعيد الحياة العملية.
الانتحار
هو أخطر مضاعفات مرض الشخصية الحدية، فبينما تشمل أعراض هذا الاضطراب سيطرة هاجس إيذاء النفس وكذلك الأفكار الانتحارية على الذهن، فإن عدم التعامل مع هذا المرض النفسي بوعي واهتمام، قد يؤدي إلى اتخاذ المريض للخطوة الأسوأ والمتمثلة في التخلص من الحياة.
علاج اضطراب الشخصية الحدية

يعتبر تحفيز مريض اضطراب الشخصية الحدية على زيارة الطبيب النفسي هو أفضل ما يمكن القيام به من جانب الأشخاص المقربين منه، حينها تبدأ رحلة العلاج المعقدة ولكن غير المستحيلة عبر تلك الخطوات:
جلسات العلاج النفسي
ما بين جلسات العلاج المعرفي السلوكي أو العلاج السلوكي الجدلي أو العلاج التخطيطي، يختار الطبيب النفسي وسيلة العلاج الأنسب لمريض الشخصية الحدية، حيث تهدف الأولى إلى استكشاف وتغيير الاعتقادات والسلوكيات الخاصة، وكذلك التأقلم مع مشاعر الغضب والانفعال، وتعمل الجلسات الثانية على زيادة الوعي والتقبل للسلوك الخاص والتحكم فيه في الوقت المناسب، فيما تساهم الثالثة في زيادة قدرة المريض على رؤية نفسه والعالم المحيط بصورة إيجابية.
الأدوية العلاجية
لا توجد حتى وقتنا هذا أدوية علاجية مخصصة لشفاء مرضى اضطراب الشخصية الحدية، إلا أن بعض الأدوية تنجح على أقل تقدير في السيطرة على أعراض هذا الاضطراب المزعج، ومن بينها أدوية الاكتئاب التي تسيطر على الأفكار السلبية والمشاعر الحزينة، ومضادات القلق التي تقلل من توتر المريض بدرجة أو بأخرى، إضافة إلى الأدوية المهدئة القادرة على التحكم في السلوكيات العدوانية.
الإقامة بالمستشفيات
في بعض الأحيان، يبقى قرار الطبيب النفسي الأصلح هو إلزام المريض بالإقامة لفترة من الوقت، تتحدد وفقًا لدرجة خطورة الحالة، داخل أحد المستشفيات، حيث يحدث ذلك أحيانًا مع مرضى اضطراب الشخصية الحدية، إن بدت الأفكار أو المحاولات بالانتحار مسيطرة على العقل، أو حتى إن شعر المريض بالرغبة أو قام بالفعل بإيذاء نفسه بشكل متعمد، ليصبح البقاء داخل المستشفى وسيلة لحمايته من نفسه، وكذلك لعلاجه وسط مناخ صحي وإيجابي يمكن التحكم فيه.
في كل الأحوال، يبقى اضطراب الشخصية الحدية بما يحمل من أعراض خطيرة ومضاعفات لا تقل خطورة، من الأمراض النفسية التي تستحق زيارة الطبيب فورًا والمتابعة معه، ليس فقط من أجل تحسين جودة حياة المريض، بل لإنقاذها من الأساس قبل فوات الأوان.