يمكنني القول بصراحة أنه خلال 14 عامًا كلاعب كرة قدم محترف، لم أقم مطلقًا بمناقشة خطر الإصابة بالخرف مع أي لاعب آخر.
الإنجليزي تروي ديني، مهاجم واتفورد الإنجليزي السابق.
في يوليو 2021، أعلن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم حظر ضربات الرأس في مباريات فرق الناشئين تحت 12 عامًا. وكان هذا القرار متأثرًا بعدة دراسات ربطت ما بين اصطدامات الرأس في كرة القدم وبين إصابة اللاعبين بأمراض مثل الخرف أو الزهايمر عند تقاعدهم.
في الواقع، لم يتوقَّف الأمر عند هذا الحد، في نفس الشهر أوصى الاتحاد الإنجليزي بضرورة تقليل عدد ضربات الرأس التي يقوم بها اللاعب — في كل دوريات إنجلترا- في التدريبات إلى ١٠ ضربات رأس فقط أسبوعيا لتقليل المخاطر المتعلقة بإصابات الدماغ.
يضعنا هذا التوجُّه أمام نية واضحة؛ ربما أضحى حظر ضربات الرأس في كرة القدم مسألة وقت. والسؤال: هل تتغيَّر كرة القدم التي نعرفها للأبد؟
حذَر

أمام ٣٩٠ متفرج، أقامت مؤسسة «Head For Change» الخيرية مباراة خيرية فريدة من نوعها، جمعت ما بين مجموعة من لاعبي فريق ميدلزبروه وفريق الدوري الوطني الشمالي، على أن تتم تجربة لعب ٩٠ دقيقة كاملة بقواعد خاصة؛ تحظر لعب ضربات الرأس.
في النصف الأول من المباراة، لم يلحظ أي من المشاهدين فرقًا واضحًا في أسلوب اللعب، حيث سُمح للّاعبين لعب الكرة بالرأس داخل منطقتي الجزاء. بالتالي، كان إرسال الكرات الطولية مباشرة نحو منطقة جزاء الخصم.
في الشوط الثاني، لم يسمح للاّعبين لمس الكرة برؤوسهم مطلقًا، بالتالي اتسم اللعب بالتمريرات القصيرة، وأصبحت مهمة الدفاع أكثر سهولة مع انعدام التهديدات الهوائية، كان الأمر أشبه بكرة القدم الخماسية.
زعمت الدكتورة جوديث جيتس، المشاركة في تأسيس جمعية «Head For Change» الخيرية أن إقامة هذه المباراة الودية لم تحدث بغرض توجيه الرأي العام صوب ضرورة حظر ضربات الرأس في كرة القدم، بل لفتح مناقشة جادة حول البحث عن آليات لتقليل مخاطر اصطدامات الرأس باللعبة، والتي سبق وأن أثرت سلبًا على زوجها، بيل جوديث، الذي يعاني من اضطراب تنكسي عصبي.
هل نحتاج ضربات الرأس حقًا؟
لم يطالب الدكتور «ويلي ستيوارت» من جامعة جلاسكو، والذي قاد دراسة تؤكد الأثر السلبي للرأسيات على صحة اللاعبين، بفرض حظر على استخدام ضربات الرأس، لكنه بدلاً من ذلك، طلب منا التفكير في سؤال محدد للغاية: هل ضربات الرأس ضرورية للغاية في لعبة مثل كرة القدم؟
طبقا لمايكل كوكس، محرر ذي أثليتيك، إذا ما قرر المسؤولون حظر ضربات الرأس خارج منطقة الجزاء، غالبًا لن تفقد اللعبة الكثير من متعتها، إضافة لذلك، قد تعني هذه الخطوة تقليل نسبة ضربات الرأس عمومًا بنسبة ٧٤٪.
وعلى الرغم من أنّ طرح كوكس تجاهل أهمية ضربات الرأس خارج منطقة الجزاء لبعض الفرق، يظل طرحه منطقيًا، من منطلق الحفاظ على كلاسيكية اللعبة دون إلحاق الضرر باللاعبين.
بنفس الصدد، يتشارك روري سميث، محرر نيويورك تايمز، الرأي مع كوكس، فمن وجهة نظر إحصائية، تراجعت نسبة الأهداف من ضربات الرأس عمومًا، ويرجع الفضل في ذلك لتطور كرة القدم، حيث يعد إرسال العرضيات والطوليات عالية الارتفاع حل يائس.
ما بعد الحداثة

أحترم كل الآراء حول هذه القضية المعقدة، أريد أن أكون صادقًا تمامًا. إذا ما أُصبت بالخرف في سن الشيخوخة، وأكدت البحوث أن ذلك بسبب مسيرتي الكروية، فلن أشعر بأي ندم. لن أغير حياتي أو اللحظات التي استمتعت بها على أرض الملعب لأي شيء مهما كان الثمن على المدى الطويل.
جيمي كاراجير مدافع ليفربول السابق
إذا ما افترضنا أنّ حظر ضربات الرأس أضحى واقعًا، وهو ما يتوقعه الخبراء في غضون ١٠ سنواتٍ قادمة، ربما يتغيّر شكل اللعبة تمامًا، وهو ما يثير حفيظة لاعبي الكرة أنفسهم، حيث من الممكن جدًا أن تنهار حظوظ بعضهم في التألق من الأساس. فمثلًا؛ سجّل كريستيانو رونالدو، نجم مانشستر يونايتد نحو ١٦% من أهدافه بالرأس.
مثل كل الأنظمة الديناميكية، ستتطور طريقة اللعب في كرة القدم استجابةً للمحفزات الخارجية، حيث تنهار كل أفكار اللعب المبنية على تسجيل الأهداف عبر الضربات الثابتة مثل الركنيات. وربما لن تكون هنالك حاجة للاعبين طوال القامة، باستثناء حراس المرمى.
قد يتغير شكل جسم لاعب كرة القدم العادي، سيكون هناك المزيد من نجولو كانتي.
جيمي فاهي، مؤلف كتاب كرة القدم داخل الصالات: قصة ثورة كرة القدم في الأماكن المغلقة
السؤال الأهم الآن: هل يستحق الأمر هذا العناء؟ طبقا للاسكتلندي آلان سيمبسون، الصحفي بموقع «هيرالد»، حظر ضربات الرأس ليس حلًا للمشكلة، فعلى الرغم من أن نحو ٦٠٠ لاعبا سابقا تم تشخيصهم بالخرف، هناك آلاف ممن يتم تشخيصهم بنفس المرض دون أن يلمسوا كرة بحياتهم. بالتالي، تحوُّل كهذا قد يقتل مضمون لعبة كرة القدم كلعبة مبنية على الاحتكاك البدني بالأساس.
في الحقيقة، ربما يمكننا أن نصف هذا التوجّه بكرة القدم ما بعد الحداثة، كغيره من التوجهات التي سبقته مثل: إقحام تقنية الفيديو، عين الصقر إلخ. حيث يتم نقد الوضع المعاصر بشدة، حتى وإن كان لا يوجد أي داعٍ لذلك.
المصادر:
١- الاتحاد الإنجليزي يحظر استخدام ضربات الرأس للناشئين أقل من ١٢ عاما
٢- أول مباراة دون رأسيات في تاريخ كرة القدم
٣- كرة القدم دون رأسيات ستكون أكثر مهارة
٤- مستقبل كرة القدم بلا رأسيات
٥- مايكل كوكس: هل ضربات الرأس ضرورية لكرة القدم؟
٦- حظر ضربات الرأس سيقتل كرة القدم كرياضة