عاد الجندي من ساحة المعركة إلى وطنه، متحدثا عن جمال وسحر دولة جديدة اكتشفها، داعيا الجميع إلى زيارتها بل والاستثمار فيها، قبل أن يتبين أنه الرجل الذي سيحكي التاريخ عنه باعتباره النصاب الأشهر، جريجور ماكجريجور.
حلم دولة جديدة
في عام 1820، كانت كل الأوضاع الاقتصادية مهيئة إلى إقناع البريطانيين بالاستثمار، حيث تعرض نابليون لهزائم قاسية وانتعش الاقتصاد البريطاني وارتفعت الأجور بوضوح، ما لفت أنظار الجندي الأسكتلندي الشاب، جريجور ماكجريجور، فقرر استغلال الأمر ولكن على طريقته الخاصة.
بعد أن عاد من حرب شرسة بأمريكا الجنوبية، لم يتحدث جريجور إلا في أمور محددة، أولها شجاعته وبسالته على أرض الميدان، وآخرها اكتشافه المذهل، المتمثل في دولة لم يسمع عنها أحد من قبل تدعى بويايز، حيث أكد أنها تحتوي على كل ما تشتهيه الأنفس، من تنوع في المحاصيل الزراعية وصفاء في المياه وسطوع لشمس لا تغيب، بعكس ما يعانيه البريطانيون على أرضهم.
ولم يكتف مجريجور بتلك الأحاديث الشيقة عن مملكته الخاصة، والتي قال أنه وحده من اكتشفها حتى الآن، بل زاد من دهشة المستمعين، عندما بدأ في توزيع مطبوعات تشير لشجاعة الأشخاص القادرين على الترحال لجنة بويايز، ليس فقط من أجل التمتع بجمالها الخيالي، بل كذلك للاستثمار فيها، ومن ثم تحقيق المكاسب المذهلة سريعا، ناهيك عن قيامه بطباعة عملات خاصة لتلك الدولة، من أجل المزيد من الإقناع.
رحلة إلى السراب
ما بين قدرات جريجور غير العادية في الإقناع، وبين طموح البريطانيين، والأسكتلنديين تحديدا، ورغبتهم في تغيير واقعهم التقليدي إلى آخر أكثر فخرا وزهوا، تحركت أكثر من 7 سفن، تحمل معها آمال البسطاء إلى جنة بويايز الخيالية، ولكن بعد أن جمع جريجور من خلالهم أكثر من 200,000 جنيه إسترليني، عبر بيع سندات ملكية لأراضي بويايز الممتلئة بالكنوز على حد وصفه.
مع وصول أولى رحلات السفر لأرض بويايز، اكتشف 250 شخص من الحالمين الخدعة التي انطلت عليهم، حين لم يعثروا في النهاية إلا على أرض قاحلة، لا تحمل معها من وعود جريجور شيئا واحدا، لذا كان من البديهي أن تنتهي حياة أغلب المسافرين هناك، في غضون أسابيع، قبل أن تنقذ حياة البقية الباقية منهم.
في هذا الوقت، سافر المخادع المحنك ماجريجور إلى فرنسا، ليس فقط من أجل الاستمتاع بغنيمته الضخمة، بل لحصد المزيد من المكاسب، حيث أراد تنفيذ نفس عملية النصب على الفرنسيين، إلا أنهم كانوا أكثر دهاء مما توقع، فأجريت التحقيقات التي توصلت إلى عملية نصب كادت تتحقق على أرض باريس، لولا يقظة الشرطة التي أودعت ماجريجور في السجن، ولكن هل انتهت القصة عند هذا الحد؟!
يبدو أن قدرات ماجريجور في الإقناع قد بلغت إلى حد قيام ضحاياه أنفسهم بالدفاع عنه، حيث سانده بعض منهم أمام محاكميه، لذا تمت تبرئة المخادع الأشهر، وسجن فقط أحد شركائه بدلا عنه، ليعيش الجندي السابق حياته حرا طليقا، فقط بعد أن حصل على لقب المخادع الأشهر في التاريخ.