في نوفمبر 2022، وقبيل ساعات من انطلاق كأس العالم في قطر، أطلقت دار الأزياء الفرنسية الشهيرة «لوي ڤيتون» حملة دعائية بعنوان: النصر هو حالة ذهنية. المثير في هذه الحملة، التي كانت عبارة عن صورة التقطتها المصوُّرة الفوتوغرافية «آن ليبوفيتز»، أنّها أول حملة دعائية تضع أهم لاعبي كرة القدم في هذه الحقبة جنبًا إلى جنب. اللاعبان هما بالطبع ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو.
بدت الحملة الدعائية مرتكزةً على سؤال واحد، سؤال عن أفضلية أيٍ من النجمين على الآخر؛ فمباراة الشطرنج، التي أُقيمت على حقيبة فاخرة يُحمل كأس العالم في واحدة مثلها، لم تكن سوى مجاز للصراع الذي امتد لعقدين بين النجمين. ذلك الصراع المُحتد، للمفارقة، لم تكن كرة القدم نفسها أهم ما تسبب في اشتعاله، لكن الحكاية.
سؤال بلا إجابة
بعد انتهاء كأس العالم، وتتويج الأرجنتين ومن ثَم ليونيل ميسي بالبطولة الغائبة منذ 1986، والوحيدة التي كانت تنقُص البرغوث كي يعلن مناصريه أنّه الأفضل في تاريخ اللعبة، خرج «سيمون كوبر»، مؤلف كتاب «سوكرنوميكس» بمقال بصحيفة فاينانشيال تايمز الأمريكية، يتساءل: ميسي ورونالدو، من كان لاعب كرة قدم أفضل؟
من جانبه، استعرض كوبر مسيرة الثنائي الرقمية، جماعيًا وفرديًا، والتي صبَّت بشكل واضح لصالح الأرجنتيني، لكن ما جعل هذا الصراع مثيرًا بالنسبة له، هو تواجد الثنائي على مقربة من بعضهم البعض على منصات التتويج في نفس الفترة لنحو 20 عامًا، أو أقل بقليل.
على كل، رحل ميسي نحو الولايات المتحدة الأمريكية، واتجه رونالدو إلى المملكة العربية السعودية، ما يعني انتهاء الصراع. لكن هذا ما اختلف معه «بول ويدوب»، مؤلف كتاب «الاقتصاد الجيوسياسي للرياضة». حسب رأيه، المسار الطبيعي، إذا افترضنا نهاية هذا الصراع، كان ينبغي أن يقودنا إلى عودة رونالدو للبرتغال وعودة ميسي للأرجنتين، لكن يبدو أن الرواية لا تزال مستمرة، بل تم تصميمها من قبل مسؤولو الدعاية العامة لكلا اللاعبين.
هذه القصة، التي يظهر كل من ميسي ورونالدو داخلها كأبطال لمشاريع جديدة، لم تبدأ الآن، لكنها بدأت قبل أن يُصبح أي منهما نجمًا كما نراه الآن. هذه هي قصة السردية التي صنعت هذا الصراع التاريخي.
قميص زائد
تبدأ القصة بمطلع الألفية الثالثة، وقتئذٍ، كان ليونيل ميسي لاعبا في أكاديمية برشلونة، ورونالدو في سبورتنغ لشبونة، وكان كل منهما تحت رعاية شركة «نايكي» للملابس الرياضية. حتى حدثت مفاجأةً، يعتقد أنّها أول شرارة لانطلاق صراع ميسي ورونالدو التاريخي.
في 2005، قررت شركة نايكي، أن تقحم الوجه الأرجنتيني الشاب ميسي في حملاتها الدعائية، التي كانت ترتكز حينها على رونالدينهو. وقبل بداية كأس العالم 2006، تلقت الشركة الأمريكية اتصالا، مفاده أن ميسي لم يعد متعاقدًا مع الشركة، وسيُمثل شركة أديداس الألمانية من هذه اللحظة. بالطبع كانت تلك مفاجأة ضخمة، لأن الشركة كانت ترسل الأحذية والملابس للاعب منذ كان في سن الـ14 عامًا، وكان يُمثِّل أحد الاستثمارات الواعدة للشركة بجانب البرتغالي رونالدو.
توجد روايتان لقصة تحوُّل ميسي من نايكي لأديداس. الأولى والرسمية هي أن الشركة الأمريكية لم ترغب وقتئذٍ في مقارعة عرض أديداس لميسي الذي بلغ نحو مليون يورو سنويًا. في حين تشير رواية أخرى، أن خورخي ميسي، والد الأرجنتيني ووكيله، كان قد سئم من تجاهل منافذ الشركة الأمريكية المختلفة لطلباته بإرسال أطقم زائدة، لذا قرر أن ينهي تعاقد نجله مع الشركة.
هذه القصة، مع مرور السنوات، أصبحت مفيدة لتأجيج الصراع الإعلامي بين النجمين؛ لأن كل نجم يُمثل شركة مختلفة، بالتالي نجاحه ينعكس على نجاح الشركة، والعكس بالعكس. وهذه هي السردية التي لم تتوقَّف منذ تلك اللحظة وحتى الآن.
قوة السرد
خارج الملعب، يتفوَّق رونالدو على ميسي بشكل واضح في صراع الدعاية والتسويق؛ فمجموع ما يتقاضاه رونالدو من تعاقداته التجارية بلغ في بعض الأحيان 150% مما يتقاضاه ميسي. لكن هذا الفرق كان ولا يزال جزء من حكاية هذا الصراع.
كريستيانو رونالدو يؤيد نظرية إقليدس: أقصر مسافة بين نقطتين هي خط مستقيم. أما ميسي يفضل أينشتاين: أقصر مسافة بين نقطتين هو طريق مُتعرِّج. رونالدو يوضِّح الشغف، وميسي يُثير الإعجاب.
الإيطالي لوكا كايولي، مؤلف كتاب «رونالدو: هاجس الكمال».
لعبت الدعاية دورًا محوريًا في الترويج لهذا الصراع، وكان محور هذه الدعاية هو التركيز على الفوارق في السمات الشخصية بين النجمين، حتى ولو لم تكن هذه الفوارق حقيقية في بعض الأحيان.

فمثلًا، في أحد الحملات الدعائية لنايكي، والتي كان بطلها رونالدو بكل تأكيد، تَم التركيز على رونالدو اللاعب كنتيجة للعَمل الجاد والتفاني في تأدية وظيفته، بالتالي، يمكن لأي إنسان أن يُصبح رونالدو. وعلى الرغم من أن هذه الفرضية ليست دقيقة، تظل مُبهرة؛ لأنها تربط الوصول للقمة بالاجتهاد فقط.
على الجانب الآخر، تبنَّت أديداس سردية مغايرة تمامًا، لرجُل موهوب بشكل جنوني، لكنَّه في نفس الوقت أكثر تواضعًا من أي نجم بموهبته، وهذه أيضًا حكاية يمكن بيعها؛ لأن العالم لا ينتج ميسي كل يوم، لكنّه ينتج موهوبين، يمكنهم طبقا السردية إذا ما تواضعوا أن يصبحوا «ميسي».
في الواقع، ربما لم يكن الترويج والدعاية وحدهم ما أشعلا ذلك الصراع، لكن بكل تأكيد كان لهما دورًا أساسيًا في تغذية هذا الصراع الكروي، بجانب تفاصيل أكثر أهمية مثل نزالات الكلاسيكو الإسباني لعقد كامل، التي ضمنت لكل منهما جيشًا يرحل خلفهما، حتى وإن كانت وجهتهما التالية: المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. دائمًا ما سيجد أحدهم فتيل يمكنه إشعال الصراع مجددًا.