يسود الاعتقاد أن الإنسان البدائي هو كائن همجي ذو لحية طويلة، جسده مغطى بالشعر، يرتدي قطعة من الجلد، يحمل هراوة أو قطعة من عظام أحد الحيوانات يدافع بها عن نفسه، يقاتل الديناصورات نهارا ويأوي إلى كهفه ليلا، ويتمتع بالوحشية والغباء.
ولكن يبدو أن تلك الصورة العالقة في أذهاننا، في طريقها إلى الزوال، عقب الكشف الجديد والمثير عن لوحات فنية رمزية رسمها الـ«نياندرتال»، تعود إلى ما قبل 64,000 سنة.
الإنسان البدائي أو الـ«نياندرتال»
«نياندرتال» أو الإنسان البدائي، هو أحد الأجناس التي استوطنت أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى، وتعود آثاره البيئية التي وجدت في أوروبا إلى ما قبل 350,000 سنة، قبل أن ينقرض منذ حوالي 24,000 سنة.
عاش الـ «نياندرتال» في فترة تزامنت مع العصر الجليدي، ويعتقد العلماء بأن أجسامهم القصيرة الممتلئة والقوية هي من أهم أسباب بقائهم في هذا العصر القاسي والموحش.
الكشف
في حدث فريد من نوعه، تم الكشف مؤخرا عن لوحات فنية جدارية باللون الأحمر والأسود في ثلاثة كهوف إسبانية، هي «لا باسيغا» و«مالترافيسو» و«أرداليس»، وتصور هذه الرسومات بعض الحيوانات والنقاط وبعض العلامات الهندسية، إضافة إلى بعض الرسومات المطبوعة يدويا والنقوش الغريبة.
وتشير الدراسة التي أجراها الباحثون على تلك اللوحات، إلى أن الإنسان البدائي قد رسمها في الفترة ما قبل 64,000 سنة إلى 20,000 سنة، أي قبل وصول الإنسان الحديث إلى أوروبا واستيطانها؛ وهو ما يثبت أن الـ «نياندرتال» كانوا فنانين مهرة واعتمدوا طريقة الرسم الرمزي للتعبير عن أنفسهم كما هو الحال الآن بعد آلاف السنين.
وقال الدكتور كريس ستانديش، المؤلف المشارك في الدراسة: «هذا اكتشاف مثير بشكل لا يصدق، ويثبت أن إنسان نياندرتال أكثر تطورا بكثير من الصورة التي يعتقدها الناس، وسادت في الموروث الشعبي».
واستخدم الباحثون في الدراسة تقنية تعتمد على اليورانيوم والثوريوم، لتقييم عمر اللوحات والوصول لتاريخها، ويضيف الدكتور كريس: «تظهر نتائجنا أن اللوحات التي يعود تاريخها إلى 20,000 سنة على الأقل، هي الأقدم من بين جميع الرسومات الكهفية في العالم، مما يثبت أن إنسان نياندرتال هو من قام برسمها».
ويرى الخبراء أنه يتعين معرفة بعض العلوم حول اختيار الموقع، وتحديد مصدر الضوء وانعكاسه، وطريقة خلط الأصباغ، لرسم مثل تلك اللوحات؛ مما يعني ظهور سلوك متقدم لدى الإنسان البدائي، وامتلاكه الأدوات والمعارف اللازمة.
وقال الدكتور ديرك هوفمان من معهد ماكس بلانك الألماني للأنثروبولوجيا التطورية، والمشرف الرئيسي على هذه الأبحاث، إنه حتى الآن لم تنسب الثقافة المادية الرمزية إلا إلى جنسنا البشري الحديث، مضيفا أن القدرة المعرفية على فهم التمثيل الرمزي للإنسان البدائي، تمثل دعامة أساسية في تطور الثقافة البشرية.