في الـ23 من أكتوبر 2015، طرحت مجلة «نيويورك تايمز» تساؤلًا على متابعيها: إذا ما كنت قادرًا على العودة إلى الماضي، هل تقتل «هتلر الطفل»؟
هذا السؤال، الذي تبدو إجابته بديهية بـ«نعم»؛ نظرًا لما اقترفه أدولف هتلر من أخطاء بحق البشرية خلال فترة الثلاثينات والأربعينات، يظل مُعقدًا.
يطرح هذا السؤال إشكالية أعمق، وهي ما يُعرف في الأوساط الفلسفية بـ«معضلة العربة»، حيث يتوجَّب على الشخص الاختيار بين وفاة خمس أشخاص نتيجة لاصطدامهم بعربة مُسرعة، وبين تحويل مسار هذه العربة لينهي بذلك حياة شخصٍ واحد.
هذه هي الفكرة الأشمل، هل تُنهي حياة هتلر الطفل لتنقذ حياة ملايين البشر بمحض إرادتك؟ لنر.
خرافة العودة إلى الماضي

السؤال الأول هنا هو ما إذا كان السفر عبر الزمن إلى الوراء فعالا بالفعل، وهذا سؤال يختلف جذريًا عما إذا كانت العودة للماضي ممكنة من الناحية التقنية.
وفقًا لمبدأ نوفيكوف للاتساق الذاتي، السفر عبر الزمن ممكنًا، ولكن يجب أن يكون متسقًا مع الماضي كما حدث، لتجنُّب المفارقات. لكن لماذا؟
أحد أشهر الأدلة على منطقية مبدأ نوفيكوف هي مفارقة الجد: أن تفترض أنك عدت بالزمن إلى الوراء وقتلت جدك قبل أن يتقابل والدك ووالدتك.
هذا الإجراء يخلق عالمًا جديدًا تتواجد فيه ولكن وجودك مستحيل منطقيا، وهذا ما يستحيل حدوثه طبقًا لعديد الفلاسفة وعلماء الفيزياء.
ومع ذلك، تبنى بعض المؤلفين هذه النظرية الخيالية، التي تفترض عودة أحدهم للماضي ومنع هتلر الطفل إما من اعتلاء عرش ألمانيا أو منع ولادته من الأساس.
وإذا ما افترضنا إمكانية حدوث ذلك في عالم موازٍ، هل ستكون النتيجة مرضية للجميع؟
لأننا حقًا لا نعلم
طبقًا لـ«مات فورد»، كاتب موقع «ذي أتلانتيك» الأمريكي، العودة للماضي والتخلُّص من هتلر الطفل ربما يبدو حلًا ساذجًا للغاية؛ فنظريًا، إن استطاع الإنسان العودة للماضي، فربما توجد حلول أكثر إنسانية من القتل مثل: منع والدي الفوهرر من الالتقاء ببعضهما البعض، أو اختطافه وتسليمه لدار أيتام بأستراليا. هكذا، قد نضمن أنّه لا ينجح في تولّي السلطة بألمانيا.
ومع ذلك، يرى فورد أنّه على الرغم من الفظائع التي ارتكبها أدولف في حق البشرية، لم تكن هذه التوجهات الراديكالية من اختراعه؛ لم يخترع هتلر الفاشية والحكم العسكري، بل لم يكن من الأساس أول سياسي ألماني يتبنَّى فكرة ضَمّ أراضٍ أخرى لألمانيا باستخدام القوة.
باختصار، لم يكن غياب الزعيم الألماني ليمنع الواقع السياسي والاجتماعي السائد في القرن الـ20، فحتى قبل صعوده للحُكم، كانت نظريات تحسين النسل والاضطهاد العرقي سائدة في أوروبا الغربية. بمعنىً أوضح، كان أدولف هتلر أحد الشخصيات المؤثرة في التاريخ، لكنّه لم يكُن التاريخ ذاته.
تداعيات التخلُّص من هتلر الطفل
يظل السؤال حول تداعيات إزاحة إحدى الشخصيات من التاريخ سؤالًا مشوقًا. لذا، قرر البعض تخيُّل السيناريوهات المُحتملة لإبعاد هتلر من التاريخ.
«دون هتلر، لم يكن الحزب النازي ليصعد، بالتالي لا وجود للحرب العالمية الثانية ولا لما يُعرف بالهولوكوست».
طبقًا لهذه الفرضية: تاريخ لا يتضمن وجود أدولف هتلر، كانت جمهورية «فايمار»، التي خسرت الحرب العالمية الأولى لتستمر، ويستمر معها الكساد الاقتصادي في ألمانيا، أو ربما العكس تمامًا.
في روايته «صناعة التاريخ»، قدُّم الممثل الكوميدي «ستيفن فراي» رؤية مغايرة للتاريخ، لا تتضمَّن وجود هتلر الطفل، حيث يتكفَّل أحد طلّاب الدراسات العليا بالعودة للماضي وتعقيم والد الزعيم النازي.
ومع ذلك، طبقًا للرواية، تولّى الحزب النازي السلطة، تحت قيادة زعيم يدعى «رودلف جلودر»، الذي يفتقر إلى عيوب شخصية هتلر، قادر على الحصول على أسلحة نووية، وطمس موسكو وسانت بطرسبرغ، وقهر كل أوروبا تقريبا، وإبادة السكان اليهود في القارة، ومواصلة حرب باردة مع الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى.
اقترح البعض أيضًا رؤية بديلة، لا يتولى النازيون السلطة بداخلها، بالتالي لا تشتعل الحرب العالمية الثانية، وهو ما يشعل صراعًا أخرًا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، تتحول إلى حرب أكثر دموية وتدميرا مما كانت عليه الحرب العالمية الثانية الفعلية.
وربما لا تؤدي هذه الحرب إلى ثورة حقوق الإنسان بعد الحرب التي قامت بها الحرب العالمية الثانية بالفعل، مما قد يؤدي إلى إبطاء انتشار الديمقراطية أو التسبب في معاناة إضافية للملايين.
في النهاية، يخبرنا جيمس لينمان، أستاذ الفلسفة بجامعة شيفيلد البريطانية، أنّ الوازع الأخلاقي لا يمكن أن يكون دافعا لارتكاب جُرمٍ مثل قتل طفل، حتى وإن كان الهدف هو إنقاذ ملايين البشر؛ لأننا كبشر لا يمكننا سوى التحكُّم سوى في أفعالنا وعواقبها المباشرة.
المصادر:
https://www.vox.com/2015/10/24/9605406/killing-baby-hitler
https://www.theatlantic.com/international/archive/2015/10/killing-baby-hitler-ethics/412273/