أصبح إدمان الإنترنت مشكلة اجتماعية متنامية في العالم أجمع، خاصة أن الجميع صغارًا وكبارًا، وبالأخص فئة الشباب يمتلكون الأجهزة الذكية التي تساعد في تفاقم المشكلة، كما أن الأطفال والمراهقين يكونون غير ناضجين عقليًا بشكل كافٍ، ويصعب عليهم التمييز بين العالم على الإنترنت والعالم الحقيقي، الأمر الذي لا يقلل فقط من التحصيل الدراسي، ولكن أيضًا يسبب مشاكل نفسية وعضوية واجتماعية مختلفة.
ما هو إدمان الإنترنت؟
عندما يؤثر الانهماك في نشاط معين بشكل سلبي على حياة الفرد اليومية ورفاهيته، ويستولي على الأولوية لمجالات الحياة الهامة، مثل العمل والدراسة، والعلاقات بالآخرين، هنا يمكن تصنيفه على أنه إدمان، وهو مثله كباقي أنواع الإدمان الأخرى، لا يوجد له سبب واضح حتى الآن، ولكن هناك عوامل نفسية وعصبية وبيولوجية وثقافية تتسبب فيه.
حيث يتميز إدمان الإنترنت بوجود دوافع أو سلوكيات مفرطة أو عدم القدرة على التحكم في الرغبة في استخدام الإنترنت، وفي بعض الأحيان يطلق عليه استخدام الإنترنت القهري، أو استخدام الإنترنت المرضي، وحتى الآن لم يدرج في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM).
ولم يتم تحديد معايير محددة لاضطراب الإدمان على الإنترنت حتى الآن، وذلك بسبب الفروقات المتغيرة بشكل كبير في معدلات الانتشار، وما زالت هذه النقطة تحديدًا محل دراسة وبحث بين العلماء والمتخصصين في مجال الصحة العقلية، ويتم بحثها بشكل متنوع حسب الثقافات لكل مجتمع.
ويعد نوعًا من أنواع إدمان التكنولوجيا مثل الراديو والتلفزيون، ولكنه الأكثر شيوعًا في وقتنا الحاضر، لأنه أصبح جزءًا من حياة الفرد اليومية، وينقسم اضطراب إدمان الإنترنت إلى عدة فئات مختلفة، أبرزها إدمان الألعاب والشبكات الاجتماعية والبريد الإلكتروني والمدونات والتسوق عبر الإنترنت والاستخدام غير المناسب للإباحيات على الإنترنت.
في حين يرى باحثون آخرون أن خطورة الإدمان على الإنترنت لا تكون بالوقت الذي يقضيه الأشخاص على الإنترنت، ولكن بكيفية استخدام الإنترنت، وهو أحد الجوانب متعددة الأبعاد لاضطراب إدمان الإنترنت، والتي تتمثل في حدوث إعاقات جسدية ومشاكل اجتماعية ووظيفية واضطرابات نفسية، وكذلك الاستخدام الاندفاعي للإنترنت، وأخيرًا الاعتماد عليه.
أنواع إدمان الإنترنت
تختلف أهداف استخدام الإنترنت بحسب كل فرد، حيث يكون وسيلة ترفيهية لدى البعض أو لقضاء بعض الأنشطة الإلكترونية كالتسوق والشراء الإلكتروني، أو لأداء المهام كالبحث العلمي والدراسة، وبعض المتطلبات الوظيفية، أو قد يكون للبحث عن الإباحيات والاستخدام الخاطئ.
إدمان ألعاب الكمبيوتر
هذا النوع يتضمن إدمان الكمبيوتر والأنشطة التي يمكن إجراؤها عليه، سواء كان الحاسوب متصًلا أو غير متصل بالإنترنت، وهو أقدم أنواع إدمان الإنترنت، بالإضافة إلى أنه لا يزال شائعًا إن لم يكن الأكثر شيوعًا اليوم حيث يقضي الطلاب والموظفون وقتًا طويلًا في لعب هذه الألعاب، وبالتالي ضعفت القدرة على التحصيل الدراسي للطلاب، وانخفضت الإنتاجية والرغبة في العمل.
إدمان Cybersex
ويشمل المواد الإباحية عبر الإنترنت، وغرف الدردشة ومواقع ويب للبالغين وخدمات كاميرا الويب، وغالبًا ما يسعى مدمن الإباحيات، أو كل ما يتعلق بما له طبيعة جنسية، في تكوين علاقات حميمة، أو رومانسية أو جنسية في الحياة الحقيقية، وهذا يسبب ضررا شديدا في حياة المرء النفسية والجسدية والعقلية، بسبب سهولة الوصول والهوس بهذا النوع من المحتوى.
اقرأ أيضًا: كيفية حجب المواقع الاباحية
إدمان العلاقات عبر الإنترنت
يسعى مدمن علاقات الإنترنت إلى إيجاد والحفاظ على هذه العلاقات، مما يؤدي غالبًا إلى إهمال العلاقات الشخصية، مثل العلاقات الأسرية ومع الأصدقاء، ويتم خلق هذه العلاقات عبر الإنترنت في غرف الدردشة أو وسائل التواصل الاجتماعي، وضرر هذا النوع من إدمان الإنترنت يفوق الأضرار العقلية والعاطفية للفرد، لأنهم يبنون هذه العلاقات تحت اسم وشخصية مزيفة.
ممارسة الأنشطة عبر الإنترنت
مثل التسوق وممارسة تداول الأسهم، حيث تؤثر ممارسة هذه الأنشطة بشكل منتظم أو معتاد على الصحة العقلية والعاطفية والمالية تأثيرًا سلبيًا، مما يسبب ضغوطًا كبيرة للفرد، ويصبح من السهل الوقوع في فخ إدمان الإنترنت.
البحث عن المعلومات
بعض الأشخاص مهووسون بالبحث عن المعلومات على الإنترنت لدرجة لا يمكن مقاومتها، كالبحث عن معلومات طبية أو حقائق عن المشاهير أو إصلاح أعطال وما إلى ذلك، وهذا النوع من إدمان الإنترنت، يمكن أن يؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي للطالب، وأداء الفرد في العمل، بل ويصيب الشخص بالقلق والتوتر الشديد.
أسباب إدمان الإنترنت
لا يمكن تحديد السبب الفعلي لاضطراب إدمان الإنترنت مثل معظم الاضطرابات، ولكنه يدل على وجود عدة عوامل ساهمت في حدوثه، فإذا كنت تعاني من هذا الاضطراب فهذا يعني أن تركيب الدماغ يشبه تلك التي تعاني من إدمان المواد الكيميائية، مثل المخدرات أو الكحول، وبعض الأدوية، أي تغيير جسدي في بنية الدماغ يؤثر بشكل خاص على مناطق الدماغ من الجبهة الأمامية، وهي منطقة مسؤولة عن التذكر والانتباه والتخطيط وتحديد أولويات المهام، وهذه التغييرات تؤثر سلبًا على قدرة تحديد أولويات الأعمال لدى الأفراد، بحيث يكون الإنترنت له الأولوية في الحياة.
حيث يؤدي الإدمان إلى إطلاق الدماغ للدوبامين من أجل الاستمتاع بتجربة استخدام الإنترنت الممتعة، والتي تفرز كلما استخدمه ومع الإفراط في الاستخدام تكون هناك حاجة إلى زيادة هذا الاستخدام، للحصول نفس الشعور الممتع.
عوامل بيولوجية (وراثية)
زيادة استخدام الإنترنت بسبب عوامل بيولوجية، تعد عاملًا مساهمًا في حدوث هذا اضطراب إدمان الإنترنت، حيث تكون مستويات الدوبامين والسيروتونين في دماغ المدمن أقل من غيره، مما يؤدي إلى زيادة السلوكيات على الإنترنت أكثر من غيره، من أجل الحصول على تجربة ممتعة مما يزيد من فرص إدمانه.
القلق والاكتئاب
القلق والاكتئاب من أهم عوامل حدوث الإدمان، حيث يلجأ هؤلاء الأشخاص إلى الإنترنت للتخفيف من معاناتهم، أو من الخجل الاجتماعي، لأنها لا تتطلب تفاعلًا بين الأشخاص وهي مجزية عاطفيًا، وهؤلاء هم أكثر عرضة للإصابة بإدمان الإنترنت من غيرهم، وسنتحدث عن هذا العامل بشكل أكثر تفصيًلًا خلال السطور القادمة.
إدمان الإنترنت وعلاقته بالاكتئاب
مستخدمو الإنترنت الذين يجبرون على الدخول على الإنترنت، للعمل أو الدراسة مثلًا، ولديهم تفاعلات اجتماعية عبر الإنترنت أكثر من العالم الحقيقي قد يصابون بالاكتئاب، لأن بعض المستخدمين ينسحبون من التفاعل في الواقع ويفضلون غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والعقلية، حيث يعد الإنترنت ملاذًا لأنواع معينة من الأشخاص.
هل الإنترنت يسبب الاكتئاب؟
يرى أغلب الناس أن الإنترنت وسيلة تساعد في إنجاز الأعمال في الحياة اليومية، وللبعض الآخرين تعد مدمرة، ولكن الأمر غير الواضح هو ما الذي يسبب ماذا، بمعنى هل الإنترنت هو الذي يسبب الاكتئاب، أم أن الأشخاص المكتئبين ينجذبون إلى الإنترنت؟
يدفع كثير من مستخدمي الإنترنت الفواتير ويقومون بالتسوق والتواصل عبر البريد الإلكتروني، في حين يواجه آخرون صعوبة في التحكم في مقدار الوقت الذي يقضونه على الإنترنت، لدرجة التأثير السلبي على أنشطتهم اليومية، وهؤلاء يعانون من إدمان الإنترنت، بسبب قضاء أوقات كثيرة في تصفح مواقع الويب الإباحية للحصول على المتعة بشكل غير صحيح، أو في مواقع الألعاب والمجتمعات عبر الإنترنت، وهؤلاء لديهم معدل أعلى للإصابة بالاكتئاب درجته تكون من معتدل إلى شديد مقارنة بالمستخدمين غير المدمنين.
لأن استبدال الوظيفة الاجتماعية الطبيعية، بالانهماك في الواقع الافتراضي، غالبًا ما يكون له علاقة وثيقة بالاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والإدمان، وكذلك بالسلوكيات التي يصعب التحكم فيها، مثل الإثارة الفسيولوجية والانسحاب النفسي، وبالتالي يوجد علاقة وثيقة بينهما، حيث يكون الاكتئاب أحد العوامل القوية لحدوث هذا الإدمان، مما يزيد من تطور الحالة، أو يكون أحد نتائج الاستخدام المفرط للإنترنت، مما يقلل من القدرة على التحصيل الدراسي، وإنجاز مهام العمل، وإبداعهم ومهاراتهم في حل المشكلات.
الآثار السلبية للاستخدام المفرط للإنترنت
هذه النتيجة السابق ذكرها، بالإضافة إلى ما أظهرته دراسات أخرى حول الآثار السلبية لسوء استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل إدمان الإنترنت، ومشاكل العلاقات الاجتماعية، والمشاكل الصحية، والسلوك العدواني، والأعراض النفسية الأخرى على الإنترنت، لمن يعانون من أمراض نفسية أو مشاكل عقلية سيكون الضرر عليهم أكبر، وللأسف إن خطر الإصابة بالاكتئاب بين المراهقين الذين يعتمدون على استخدام الإنترنت، قد تضاعف مرتين ونصف المرة مقارنة بمن يستخدمونه باعتدال.
كذلك التعرض للإنترنت، سواء كان بغرض التصفح أو الدردشة، وقراءة الأخبار، ومتابعة الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، والبحث عن برامج وتنزيلها، يقلل من كمية المادة البيضاء داخل الدماغ، المسؤولة عن نقل إشارات بعض المهارات الحسية والذاكرة، مما يكون له تأثير كبير على الناقلات العصبية، وهو أحد أسباب حدوث الاكتئاب.
يمكن في النهاية التوصية باستخدام التكنولوجيا عامة باعتدال، لتجنب أسباب حدوث الإدمان، الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب، وحتى الآن لم يتم حصر جميع آثاره السلبية، وهي آثار خطيرة تحتاج إلى تغيير ثقافة استخدام الإنترنت لدى الأشخاص والغرض من وجوده وكيفية التعامل معه.