الأخبار المزيفة ليست وليدة عصر التكنولوجيا المتقدمة، على العكس تمامًا، لطالما كانت الإثارة التي تحتوي عليها هذه الأخبار عادةً منهجًا متبعًا من أصحاب الصُحف من أجل زيادة البيع.
تاريخ الأخبار المزيفة
بحلول أوائل القرن التاسع عشر، ظهرت الصحف الحديثة على الساحة، تروج القصص المزيفة لزيادة التوزيع، حيث يعتقد أن أول عملية نشر لخبر مزيّف كانت من صحيفة «الصن»، حين ادعت وجود حضارة غريبة على سطح القمر في عام 1835، ما جعلها صحيفة رائدة ومنتشرة كالنار في الهشيم منذ تلك اللحظة.
الصحافة الصفراء
في تسعينيات القرن التاسع عشر، تنافس ناشرا الصحف «جوزيف بوليتسر» و«ويليام هيرست» على الجمهور من خلال الإثارة ونقل الشائعات كما لو كانت حقائق، وهي ممارسة أصبحت تُعرف في ذلك الوقت باسم «الصحافة الصفراء».
لعبت أخبارهم المشكوك فيها دورًا في قيادة الولايات المتحدة إلى الحرب الإسبانية الأمريكية عام 1898، وفي النهاية، كان هناك رد فعل عنيف ضد الافتقار إلى النزاهة الصحفية، حيث طالب الجمهور بمصادر إخبارية أكثر موضوعية وموثوقية، الأمر الذي جعل فكرة الأخبار المزيفة التي تقوم عليها الصحافة الصفراء تتداعى، حتى وصول شبكة الإنترنت.
الأخبار المزيفة في العصر الحديث
بغض النظر عمن بدأ «الأخبار الكاذبة»، فإن الأخبار المزيفة بشكلها الحديث تختلف عن الأشكال التاريخية للهراء الصحفي في وسائل الإعلام التقليدية، لأن السرعة التي تنتشر بها وحجم تأثيرها يضعها في فئة مختلفة عن أبناء عمومتها التاريخية.
بشكل أكثر دقة، هناك 3 أجزاء فريدة للأخبار الكاذبة في العصر الحديث تجعلها مختلفة عن الأنواع القديمة من التقارير الزائفة أو المبالغ فيها عمدا، ويمكن اختصارها في 3 أسئلة: من وماذا وكيف.
اقرأ أيضًا: أخبار كاذبة لا يزال الناس يؤمنون بها حتى اليوم»
من؟
يتم إنشاء الأخبار المزيفة أو نشرها على الإنترنت بواسطة الأشخاص الذين يمتلكون أيديولوجيات خاصة، بحيث تخدم الأخبار أفكارهم، وتروج لها، أو ببساطة لضمان أكبر قدر ممكن من التفاعُل، بالتالي ربح أكبر عائد مادي ممكن أيضًا.
لذلك لم تَعُد مهنة الصحافة مقتصرة على ممتهنيها الكلاسيكيين، بل أصبحت وظيفة لملايين الشباب الذين يرغبون أولًا وأخيرًا في تحصيل الأموال باستخدام حواسيبهم.
ماذا تنشُر؟
عملية النشر تقوم في الأساس على تشويه المصادر الحقيقية؛ كتصوير عملية لمساعدة الأطفال الفقراء من قبل إحدى المؤسسات الخيرية، على أنها خطة ممنهجة لخطف هؤلاء الأطفال، وهذا ما يضمن تفاعُلًا أكبر، لأن القصة مثيرة للغضب، بغض النظر عن أية عواقب قد تترتب على انتشارها بشكل موّسع.
كيف تنشُر؟
هناك 3 خصائص لعرض الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الناس أكثر عرضة للوقوع في حب الأخبار الكاذبة.
تحييد المصدر
تعمل وسائل التواصل الاجتماعي كمجمّعين للأخبار «حياديي المصدر»، أي أنهم يجمعون ويقدمون القصص الإخبارية من مجموعة متنوعة من المنافذ، بغض النظر عن الجودة أو الموثوقية أو الميول السياسية للمصدر الأصلي، بالتالي تتوه الحقيقة، أو بمعنىً أوضح، لا يتحقق أي شخص منها.
الرابط العاطفي
يتم نقل العديد من القصص الإخبارية إلى الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي عبر أصدقائهم أو الأشخاص الذين يتابعونهم، جنبًا إلى جنب مع تأييدهم الضمني أو الصريح للقصة مثل مشاركة، أو الإعجاب، أو إعادة التغريد.
هذه التوصيات الضمنية تجعل الناس أكثر قبولًا للرسائل التي يتلقونها، لأن في تطبيقات الوسائط الاجتماعية، تتم مشاركة العديد من الرسائل في مجموعات، وعند إعادة توجيهها، لا يوجد مؤشر على مصدرها.
الشعبية تعني الحقيقة
تقوم منصات وسائل التواصل الاجتماعي تلقائيًا بتمييز المقالات بإشارات إلى مدى شعبيتها (عدد المشاهدات أو الإعجابات التي حصلت عليها، والتي تزداد تعقيدًا بسبب الروبوتات عبر الإنترنت التي يمكنها تضخيم مؤشرات الشعبية بشكل منهجي)، مما يجعل الأشخاص أكثر عرضة لتصديق الأخبار المزيفة.
سيكولوجية صياغة الخبر الكاذب
هل تعتقد بأن هنالك محركا ما يقوم بنشر الأكاذيب ليل نهار على مواقع التواصل الاجتماعي؟ حقيقة يمكننا أن نخبرك بأن ذلك الطرح قد يبدو في بعض الأحيان صحيحًا، فغالبًا تمتلك المؤسسات الضخمة روبوتات رقمية (BOTS) يتلخّص عملها في نشر المعلومات والأخبار دون تدخُّل بشري، بغض النظر عن كون ما يتم نشره حقيقة أم إشاعات.
ولكن حتى نتسم بالمزيد من الموضوعية يتوجب علينا إحاطتك علمًا بأن السبب الرئيسي في انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة كالنار بالهشيم هو الإنسان بعينه، ذلك الجنس الذي يحتج على نشر الشائعات نفسها، لكن كيف يحدث ذلك؟
اقرأ أيضًا: وسائل التواصل الاجتماعي واكتئاب الأولاد والبنات.. تأثير مختلف!
حقيقة إحصائية
قد سبق واتهمنا الإنسان بالفقرة السابقة بأنه السبب في نشر الأخبار الكاذبة، لكن هذه ليست الحقيقة الكاملة، فطبقًا لدراسة أعدها فريق من جامعة MIT ونشرت بمجلة Science، فدليل إدانة الإنسان يتعدى فقط مسألة النشر، فعقب دراسة سيل من التغريدات، وجد فريق البحث الذي عمل على إعداد الدراسة بأن المستخدمين يفضّلون التفاعل بشكل مضاعف مع الأخبار والمعلومات الكاذبة مقارنة بأي شيء آخر.
وفقًا للأرقام التي توصلت إليها الدراسة، فحوالي 70% مما تم نشره على تويتر لحدود 2017 ‑وقت نشر الدراسة- كان عبارة عن مزاعم وأخبار مزيّفة، إضافة إلى أن الحقائق الواضحة نادرًا ما يتم إعادة تغريدها لـ1000 مرة مثلًا، بينما يعاد تغريد 1% من الأخبار أو المعلومات الكاذبة من 1000لـ10000 مرة. ما يعني أن البشر ‑بالأرقام- يتفاعلون طواعية مع الكذب.
يخبرنا سينان آرال، بروفيسور الإدارة من جامعة MIT، بأنه بعد فحص النتائج الرقمية للبحث، وجد أنه حتى بعد استبعاد التغريدات التي تم نشرها بواسطة روبوتات رقمية، ظلت النتائج النسبية كما هي تقريبًا، الأمر الذي ينفي تمامًا أي إدانة للمؤسسات التي تستخدم هذه الطريقة، حتى وإن كانت على خطأ، لأنه من الواضح أن المدان الحقيقي بهذه الحالة هو الإنسان.
كيف يحدث ذلك؟
الطريقة التي تنتشر بها الأخبار، خاصةً الشائعات، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، دائمًا ما كانت مثار جدل، لأنه ما زال هنالك غموض يحيط بكيفية انتشار الأخبار الكاذبة، وتفاعل المستخدمين معها.
بالعودة للبحث، وجد الفريق بأن العامل الحاسم في مسألة الانتشار هو التجديد الكتابي في شكل الخبر أو المعلومة التي يتم نشرها، وليس مدى صحتها أو خطئها.
بمزيد من التحليل حول ردات فعل المستخدمين داخل التعليقات على التغريدات المزيفة، وبمساعدة نظام يمكنه تحويل الكلمات باللغة الإنجليزية إلى 8 مشاعر منفصلة، وجد الفريق بأن التغريدات الحقيقية ينتج عنها مشاعر مثل الترقُّب، الحزن والفرح. أما التغريدات المزيفة فتقابل بمشاعر كالمفاجأة أو الضجر.
وربما هذا هو آخر ما استطاع أن يتوصل إليه الفريق حول كيفية انتشار التغريدات من عدمه، وهو المشاعر التي يمتلكها الإنسان لحظة قراءته التغريدة، والتي بدورها ستدفعه بديهيا لإعادة نشرها، لماذا؟ لأن الأخبار الكاذبة، غالبًا ما تحمل بداخلها وقعا مفاجئا على المتلقي.
أخيرًا، يعتقد العلماء بأن نشر الأخبار المزيفة بشكل موسّع قد لا يؤثر سلبيا بشكل كبير على الثقافة العامة أو المعتقدات الدينية مثلًا، لأنه غالبًا ما يتم تصحيح ما نشر بعد فترة زمنية وجيزة. لكن الأهم وفقًا لنفس وجهة النظر هو الحث على زيادة ثقافة البحث عن الحقيقة داخل المجتمعات عبر المنّصات الكبيرة مثل فيسبوك، يوتيوب وتويتر.