تحوي بحيرة ميدوسا الغامضة والواقعة في شمال تنزانيا في إفريقيا الكثير من القصص والأساطير، أشهرها تحول الطيور والحيوانات إلى أحجار بمجرد تواجدها في هذه البحيرة العجيبة، والآن مرحبًا بكم في بحيرة النطرون، ذات الماء اللاذع لدرجة حرق عيون وجلد الكائنات التي يأتي بها حظها العسِر إلى البحيرة.
ما طبيعة بحيرة ميدوسا؟
يبلغ عمق هذه البحيرة الضحلة والواسعة 3 أمتار فقط ولكن عرضها 22 كم، حيث تتغذى من نهر إيواسو نجيرو الجنوبي في كينيا، وخلال فترة العصر البليستوسيني، كان هناك نوع نادر من الحمم البركانية الغنية بكربونات الصوديوم والبوتاسيوم ينزل أسفل منحدرات بركان Ol Doinyo Lengai وإلى البحيرة.
بحيرة النطرون أو ميدوسا هي بحيرة مالحة، وقد تحملت آلاف السنين من التبخر الشديد بفعل الحرارة، حيث لا يوجد منفذ للمياه للخروج من البحيرة سوى هذا التبخر، كما أن لديها قلوية عالية للغاية، وتأتي طبيعة البحيرة تلك نتيجة مادة كيميائية تسمى النطرون، وهي مزيج من كربونات الصوديوم وصودا الخبز، والتي تدخل إلى البحيرة من خلال تآكل المواد من التلال المحيطة بها.
وكنتيجة لذلك يبلغ مستوى pH حوالي 10.5، ودرجة حموضتها تتجاوز 12، ودرجة حرارة الماء فيها تتراوح من 40 درجة مئوية إلى 60 درجة، وتلك القلوية هي التي تعطي المسطح المائي خصائصه غير العادية، حيث يمكنه بسهولة حرق الحيوانات التي لا تتكيف مع الظروف الغنية بكربونات الصوديوم كيميائيًا.
وعلى الرغم من تلك الخصائص غير الطبيعية، هناك نوع واحد على الأقل من الأسماك والطحالب، بجانب طيور النحام، التي من المعتقد أنها تأتي من نسل تطوري للحيوانات التي عاشت في البحيرة قبل نشوء بيئتها الكيميائية الحالية، وقد تمثل الحالة الوحيدة التي تمكنت من التكيف بنجاح مع خصائص البحيرة.
اقرأ أيضًا: كيف تمكنت بعض الكائنات الحية من العيش دون ماء لسنوات؟
اللون الأحمر يأتي من البكتيريا
رحبت ملوحة البحيرة بالكائنات الحية الدقيقة التي تستهلك الملح والمحبة للملوحة وتسمى البكتيريا الزرقاء، والتي تحتاج إلى عملية التمثيل الضوئي للبقاء على قيد الحياة، مع العلم أن البكتيريا الزرقاء تحمل أصباغًا مختلفة، وكنتيجة لتواجد البكتيريا الزرقاء بأصباغها المتعددة، نجد أن ماء البحيرة يصطبغ باللون الأحمر اللافت للنظر.
قبر الطيور
المصور نيك براندت ذهب لاكتشاف البحيرة في عام 2011، وقام بتصوير شواطئ هذه البحيرة المغطاة بآلاف من جثث الطيور المتحجرة السليمة التي جرفتها المياه إلى الشاطئ، وظهرت بشكل شبه كامل، وبدأ في وضع الطيور في أوضاع تشبه الحياة والتقط صورًا كثيرة لها.
ما سبب تحجر الحيوانات والطيور على شاطئ بحيرة ميدوسا؟
ليس من الواضح تمامًا كيف تموت الطيور، ولكن إحدى النظريات التي اقترحها براندت هي أنه عندما تطير الطيور فوق سطح يشبه المرآة للبحيرة المشبعة كيميائيًا، فإنها تصبح مرتبكة وتعتقد أنها تطير فوق مساحة فارغة، ويؤدي ذلك إلى اصطدامها بالبحيرة عن طريق الخطأ، وهذا مشابه لسبب ميل الطيور إلى التصادم مع الأبواب الزجاجية ونوافذ السيارة.
كما أن الطيور لا تتحجر فورًا عند ملامستها للماء، ويتضح هذا من خلال عدد طيور النحام المتواجد، حيث يتكاثر هنا أكثر من 2.5 مليون من طيور النحام الصغرى المهددة بالانقراض والتي تتغذى على الطحالب والبكتيريا الزرقاء، ناهيك عن الأسماك، التي تعيش على اتصال بالبحيرة دون أن تتحجر، لكن يبدو أن التحجر يحدث بسرعة كبيرة.
اقرأ أيضًا: حيوانات مخترعة.. أغرب ما ابتكرته الكائنات الحية
هل البحيرة صالحة لوجود آدميين؟
بالنسبة لمعظم البشر، تعد صفات البحيرة أكثر ملاءمة للموتى من الأحياء، ونعلم أن قدماء المصريين استخدموا كربونات الصوديوم والبيكربونات في عملية التحنيط، ولو تواجدت تلك البحيرة في عصورٍ غابرة لكانت ستوفر على المحنطين الفرعونيين الكثير من العمل.
في عام 2007 تحطمت طائرة هليكوبتر تحمل مجموعة من مصوري فيديو الحياة البرية الراغبين في الحصول على صور لطيور النحام المتواجدة حول البحيرة، وانتهى بهم الأمر بالسقوط في الماء، ولكن نجا الجميع من الحادث رغم تواجدهم في الماء دون حماية، حيث أحرقت عيونهم وجلدهم، لكنهم تمكنوا من الخروج إلى الشاطئ بمساعدة بعض السكان المحليين، ولو أمضوا وقتًا أطول في البحيرة، لفقدوا حياتهم حتمًا.
اهتمامات بيئية وعلمية بالبحيرة
بحيرة النطرون مثيرة للاهتمام بشكل ملحوظ للعلماء، بسبب تحجر الطيور والحيوانات التي لا يمكنها التكيف مع طبيعتها، لأن الكائنات الحية تزدهر في هذه البيئة المعادية للغاية، ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن الحفاظ على البحيرة، حيث لا يوجد حاليًا أي تشريع لحماية البحيرة وبيئتها الفريدة، وهناك أيضًا مقترحات لبناء محطة للطاقة الكهرومائية على النهر المصدر الرئيسي للبحيرة، كمحاولة للإبقاء على تواجد السكان المحليين «فلامنغو».