أحيانا ما يؤدي الغضب الشديد والانفعال، أو الصدمات النفسية بشكلها العام، إلى إصابة الإنسان بمشكلات عضوية تتباين من حيث خطورتها، إذ يمكن أن تؤدي به إلى الإصابة بأحد الأمراض، أو إلى الوفاة في أسوأ الأحوال. ولكن هل يعني ذلك صدق تلك المعلومات المنتشرة عبر صفحات الإنترنت، عن انقطاع ما يسمى خيوط النياط بالقلب، وتسببها في الموت، على خلفية خلاف ما مع الحبيب، أو انكسار الخاطر؟!
خيوط النياط وانكسار الخاطر!

إذ انتشرت مؤخرا بعض المعلومات الطبية على ما يفترض، سواء من خلال بعض مواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع الإلكترونية على الإنترنت بوجه عام، تزعم أن القلب يحتوي على بعض الخيوط المسماة بخيوط النياط، والتي ما إن يشعر الإنسان بالحزن الشديد، أو انكسار الخاطر، فإن تلك الخيوط تتمزق في الحال، الأمر الذي يؤدي، وفقا لتلك المنشورات، إلى تجلط الدم، ومن ثم الوفاة.
لذا يأتي النصح من قبل تلك المنشورات أيضاً، بضرورة رفق كل إنسان بالآخر، حتى لا يتعرض لتلك الأزمة الطبية الحادة، كما تم التوضيح، فهل صدقت تلك المنشورات؟
الحقيقة علمياً وطبياً

في الواقع، تزخر تلك المنشورات دائما بمغالطات علمية وطبية ليس لها حدود، ما أوضحه عدد من الأطباء، الذين يؤكدون أن المقصود بخيوط النياط، هو الحبال الوترية، والتي وإن كانت تؤثر بشكل أو بآخر في عمل القلب، فإنها من المستحيل أن تتمزق نتيجة سوء الحالة النفسية أو الحزن الشديد كما أشير من قبل، لكي تؤدي إلى توقف القلب والموت.
فالدور الرئيسي لتلك الخيوط هو تثبيت بعض الأجزاء الحيوية من صمام القلب، لتحد من حدوث أي ارتخاءات مفاجئة بالعضلة القلبية، الأمر الذي يعد بعيدا كل البعد، عن التأثيرات السلبية للحزن والغضب بصورها المختلفة.
كذلك يشار إلى أن نسبة حدوث انقطاع مفاجئ بتلك الحبال الوترية القلبية، نسبة ضعيفة إلى حد بعيد، وأن هذا الانقطاع قد يحدث على خلفية الإصابة بالتهابات بكتيرية، أو جلطات مفاجئة، أو حمى روماتيزمية، ليؤدي إلى ارتجاع شديد بصمام القلب وحسب، وليس للموت الناتج عن انكسار الخاطر أبدا!
متى يموت الإنسان حزناً؟

على الرغم من كذب تلك المنشورات، إلا أنها تضمنت معلومة واحدة صادقة، ربما جاء ظهورها فقط بالصدفة البحتة، حيث أشارت لإمكانية وفاة البعض نتيجة حزنه الشديد، ما تكشف عنه الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية، ولكن بعيدا عن خيوط النباط بالتأكيد.
فقد أكدت إحدى الدراسات الأمريكية، التابعة لجامعة هارفارد للطب، أن الاحساس بالحزن الدفين، والذي غالبا ما ينتج عن وقاة شخص مقرب، يؤدي إلى زيادة سرعة نبضات القلب، وارتفاع ضغط الدم، ما يعني زيادة فرص التعرض لأزمة قلبية حادة قد تؤدي للموت، وهو الأمر الذي تم توضيحه بالأرقام، إذ تمت الإشارة إلى أنه عند وفاة شخص ما، تزداد فرص إصابة الأشخاص المقربين منه بالنوبات القلبية بنحو 21 ضعفا في اليوم الأول للوفاة، بينما تهبط النسبة لتبلغ نحو 6 أضعاف النسبة الطبيعية، على مدار اسبوع كامل، وهي نسبة مرتفعة أيضا في كل الأحوال.
يؤكد موراي ميتلمان، طبيب القلب، بمدرسة الطب بجامعة هارفارد الأمريكية، نتائج الدراسة المذكورة، فيقول: «يجب أن يدرك الأطباء والممرضين، وكذلك الأشخاص الذين فقدوا شخصا مقربا منهم مؤخرا، أن حياتهم تصبح على المحك في الأيام والاسابيع التالية لسماع خبر محزن مثل هذا، ما يتطلب توخي الحذر من تلك العناصر المذكورة، من أناس عاديين، أو أطباء مسؤولين عنهم.
دراسة أولى من نوعها

ومع الوضع في الاعتبار بأن الدراسة الأمريكية الموضحة، هي الأولى من نوعها، التي تتطرق بتركيز واضح، إلى مخاطر الإصابة بالنوبات والأزمات القلبية، لدي هؤلاء ممن فقدوا أحبابهم خلال أيام واسابيع قليلة، فقد تم التوصل إلى أسباب أخرى لم يتوقعها المتخصصون من قبل، تؤدي للنتائج الموضحة.
بدأ الأمر مع ربط العلماء بين الحزن الذي يصيب البعض عن وداع شخص مقرب للأبد، وبين الأعراض التي تصيبه لاحقا، بإرادته أو بغير إرادته، حيث يؤدي احساسه بالكآبة الممزوجة بالتأثر وقلة الحيلة، إلى قلة عدد ساعات نومه لإصابته بالأرق الناتج عن التوتر والغضب، وإلى تراجع الشهية لديه وعدم الرغبة في تناول الطعام بل والشراب أحيانا، بل وحتى نسيان أو عدم الاهتمام بتناول الأدوية والعلاجات لدي البعض، وهي أمور تعمل بصورة تلقائية على زيادة هرمونات التوتر المعروفة باسم هرمونات الكورتيزول، لتؤدي إجمالا لارتفاع مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية.
ومن جانبها، تشير إليزابيث موستوفسكي، المسؤولة الأولى عن البحث الأخير، إلى أن تجاهل تناول الطعام أو العلاجات، يجب أن يكون محط اهتمام الأسر والأصدقاء القريبين من عائلات الشخص المتوفى، قائلة: «المسئولية الأكبر يقع دائما على عاتق الأصدقاء والأسر، الذين يجب أن يولوا اهتماما خاصا بمن فقد شخصا مقربا، وخاصة في الأيام الأولى من الوفاة، فهو أمر ضروري، ينصح الأطباء كذلك بوضعه في الاعتبار، عند الكشف على من يعاني من أي أزمة قلبية».
الجدير بالذكر أن أعراض الإصابة بالنوبات والأزمات القلبية، والتي تتطلب الاهتمام من قبل المصابين بها من ناحية، والتعامل معها بعناية وحذر من جانب أسرهم من الناحية الأخرى، تتضمن عدم الشعور بالراحة في منطقة الصدر، الاحساس بالألم بالمنطقة العليا من الجسم والمعدة، المعاناة من ضيق واضح بالتنفس، الشعور بالغثيان، إضافة إلى الدوار الخفيف.
في النهاية، يؤكد المتخصصون في أمراض القلب وأطباء علم النفس على حد سواء، أن تجاوز تلك المرحلة السيئة الخاصة بفقدان شخص مقرب، تتطلب الاستعداد التام لها والتعامل معها بكل شجاعة، حيث يجب أن يتم تقبل فكرة المرور بأوقات غير جيدة، بل وشديدة الحزن، مع الوضع دائما في الاعتبار بأن الموت هو الحقيقة التي ستطول الجميع مهما طالت أعمارهم.