أود أن أعتذر عن هذه التصريحات التي لا تعكس على الإطلاق آرائي حول زيدان المدرِّب أو اللاعب. أعترف أنّني قمت بإبداء بعض الملاحظات الخرقاء.
نويل لو جريت، رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم.
عقب إعلانه تجديد التعاقد مع المدير الفني ديديه ديشامب كمدرِّب للمنتخب الفرنسي حتى صيف 2026، ومن تلقاء نفسه، تطوَّع لو جريت، صاحب الـ81، بإثارة الجدل.
صرَّح رجل الأعمال الفرنسي أنّه ليس مهتمًا بالأخبار التي انتشرت حول إمكانية تولي زين الدين زيدان تدريب منتخب الديوك بشكلٍ غير لائق. عند هذه اللحظة، وجد لو جريت نفسه أمام مرمى نيران جماهير كرة القدم حول العالم، بل أنّ حالة الاستياء دفعت وزيرة الرياضة الفرنسية، ونجم المنتخب الأول «كيليان مبابي» لمساندة زيزو، لما يمثله لكرة القدم الفرنسية.
والسؤال: لماذا انتفضت فرنسا لمساندة زيدان، بينما لم تفعل حين عانى بنزيما من نفس المشكلة تقريبًا؟
فرنسا التي لا تحب الغرباء
في 2011، نشر موقع «ميديا بارت» تفاصيل مفجعة حول نيّة مسؤولي كرة القدم الفرنسية لتقليل عدد اللاعبين الأفارقة والعرب داخل المنتخبات الفرنسية بمختلف الفئات السنية.
في الواقع، تتواءم هذه النظرة مع الرؤية اليمينية المحافظة التي ارتأت قبل نشر هذه التفاصيل بنحو 5 أعوام تقريبًا أنّ المنتخب الفرنسي يفتقر للهوّية الفرنسية، حيث يسيطر اللاعبون من أصول أفريقية أو عربية على تشكيل المنتخب الفرنسي الأول.
طبقًا لتقرير «ميديا بارت»، تضمنت الخطة المزعومة الحد من الشباب غير البيض الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 أو 13 عاما من دخول عملية الاختيار من خلال مراكز التدريب والأكاديميات الفرنسية.
ويزعم التقرير، أن أحد كبار الشخصيات في اتحاد كرة القدم الفرنسي أراد وضع حد أقصى بنسبة 30 في المئة للاعبين من أصول معينة.
وفي اجتماع آخر، أيد مدرب المنتخب الفرنسي السابق لوران بلان تغيير معايير اختيار المواهب الشابة لصالح اللاعبين الذين لديهم «ثقافة فرنسية». وزعمت المصادر أن بلان استشهد بإسبانيا بطلة العالم الحالية قائلا: «الإسبان يقولون: ليس لدينا مشكلة. ليس لدينا سود».
على الرغم من ذلك، أنكر مسؤولو كرة القدم الفرنسية هذه الادعاءات جملة وتفصيلًا، لتختفي القصة مؤقتًا.
ديديه ديشامب.. فرنسي أصلي
دون أدنى شكٍ، تعاني فرنسا من أزمة العنصرية، التي يرعاها اليمين المحافظ بشكلٍ واضح، والذي امتدت ذراعه للنيل من اللاعبين أصحاب الأصول غير الفرنسية بملاعب كرة القدم الفرنسية.
حتى وإن لم تكن هناك دلائل واضحة على هذه النوايا، ربما أبرزت قضية استبعاد كريم بنزيما، نجم ريال مدريد الإسباني، من منتخب فرنسا عام 2015، على خلفية قضية ابتزازه لزميله ماتيو فالبوينا، هذه القصة بشكل صارخ.
طبقا لبنزيما، رضخ ديديه ديشامب للرأي العام اليميني، بدعم من لو جريت، وأمر باستبعاد كريم بنزيما لمدة وصلت لـ6 أعوام كاملة.
يرى الفرنسي إيريك كانتونا، أنّ ديشامب لم يكن سوى سلاحًا استخدمه اليمين الفرنسي للنيل من كريم جزائري الأصل ليس إلا، في حين رفض اعتباره عنصريًا بشكلٍ مطلق.
لكن من وجهة نظرٍ أخرى، زادت التكهنات حول حقيقة توجهات مدرب المنتخب الفرنسي، حينما استغل إصابة بنزيما أثناء تواجد منتخب فرنسا في كأس العالم قطر 2022، من أجل استبعاده نهائيًا من المنافسات، على الرغم من ضغط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لضمه لقائمة المنتخب الذي حصد اللقب في روسيا عام 2018.
قوة النجم
عقب خروج فرنسا المفاجئ من يورو 2020، تعرَّض نجم المنتخب الشاب كيليان مبابي لحملة عنصرية قويّة، التي جعلته يفكر ‑حسب وصفه- في اعتزال كرة القدم الدولية نهائيًا.
في المقابل، لم يدافع الاتحاد الفرنسي عن اللاعب أثناء هذه الحملة، واكتفى رئيس الاتحاد بالإشارة إلى أنّ الغضب الموجَّه تجاه اللاعب لا علاقة له بالعنصرية بل نتيجة منطقية للخيبة التي تعرّض لها الجمهور الفرنسي.
ربما تكمُن المشكلة الرئيسية في تمييع الخطاب الفرنسي المناهض للعنصرية، بمعنى أنّ الدفاع عن اللاعب الذي يتعرض لمثل هذه الحملات عادةً ما يكون مرتبطًا بمدى نجوميته.
فمثلًا، قبل أن يتوَّج منتخب فرنسا بكأس العالم 1998، لم يكن هنالك من يؤمن بـ«فرنسية» لاعبين مثل زيدان، ديساييه وغيرهم من أصحاب الأصول غير الفرنسية، لكن في نفس الوقت، وبعد التتويج باللقب المونديالي الأول في تاريخ البلاد، تحولت السردية تمامًا لتُصبح «فرنسا دولة تحتضن الجميع».
بالتالي، ربما يبدو منطقيًا أن تُمرر اتهامات بانعدام الوطنية والانتماء لفرنسا عند الحديث عن لاعب مثل كريم بنزيما، الذي لم ينجح في منح فرنسا لقب كأس العالم، بينما تنقلب الدنيا رأسًا على عقب، حين يُمس زيدان أو مبابي بكلمة واحدة.
في الواقع، إذا ما أردنا أن نُعرِّف هذه الحالة من ازدواج المعايير، فربما لا يوجد مصطلح مُعبِّر أكثر من العنصرية سوى مصطلح «النفاق».. النفاق الذي جعل قادة الحزب اليميني يهللون لاستبعاد جزائري من تشكيل المنتخب، قبل أن يلتزموا الصمت تمامًا حين تعرّض جزائري آخر لما هو أقل بكثير.
مصادر:
https://www.theguardian.com/world/2011/apr/29/french-football-race-row
https://www.bbc.com/sport/football/64209591