رياضة

جماهير سيلتيك الاسكتلندي والقضية الفلسطينية.. أكثر من مجرد دعم

في السادس عشر من أكتوبر 2022، نشر إريك كانتونا، نجم مانشستر يونايتد الأسبق، صورة على حسابه الرسمي بموقع التواصل “إنستجرام”، ظهر فيها مرتديًا قميصًا لفريق كرة قدمٍ مزينًا بعلم فلسطين. 

دعا كانتونا جميع متابعيه لشراء القميص الذي تم إنتاجه بالتنسيق بين نادي “عايدة سيلتيك” وعدد من المنظمات الخيرية الداعمة للاجئين.

وأشار أسطورة مانشستر يونايتد السابق إلى أن جميع عائدات بيع القمصان ستذهب لشراء معدات وملابس رياضية لفريق كرة القدم الذي يمثل مخيم عايدة للاجئين.

والسؤال: ما هي قصة ذلك النادي؟ وما سر العلاقة القوية بين جماهير سيلتيك الاسكتلندي والقضية الفلسطينية؟ 

فلسطين
إريك كانتونا، أسطورة مانشيتر يونايتد.

خلال إحدى مباريات الملحق المؤهل لمجموعات دوري أبطال أوروبا عام 2016، قامت مجموعة من جماهير سيلتيك الإسكتلندي برفع أعلام فلسطين خلال مباراة جمعت فريقهم بأحد أندية الكيان الصهيوني، على الرغم من تحذيرات المسؤولين حول ضرورة إبعاد السياسة عن الرياضة. 

على إثر تلك الحادثة التي استفزّت الطرف الآخر، غُرِّم نادي سيلتيك الاسكتلندي بنحو 10 آلاف جنيها استرلينيا. ومع ذلك، لم تتوان مجموعة “جرين بريجاد” عن التأكيد على مساندة مشجعي النادي الاسكتلندي للقضية الفلسطينية، عبر بيان شديد اللهجة، أشير في نهايته لموقف المجموعة بعبارة غاية في الوضوح، وهي: ”لن تكتمل حريتنا، إلا إذا أصبحت فلسطين حرة“. 

التعلُّق بالجذور 

يبدو الأمر غريبًا، لماذا يساند مشجعو نادٍ أوروبي القضية الفلسطينية بمثل ذلك الوضوح؟ لنرَ..

تحكي أغنية “The Fields of Athenry” الخاصة بجماهير سيلتيك الأسكتلندي والتي كتبت بالسبعينيات، قصة عائلة جُردت من أراضيها وتركت تتضور جوعاً بسبب المجاعة الأيرلندية الكبرى في منتصف القرن التاسع عشر. بسبب الجوع، ضُبط رب هذه العائلة وهو يسرق الطعام من الشخص الذي سلبه أرضه، لذا تم سجنه ومن ثم نُفي إلى أستراليا. 

هذه القصة، وعلى قِصرها، تحكي الكثير عن سر العلاقة بين هذه الجماهير “أيرلندية الأصل” وفلسطين، حيث تذكرهم معاناة الفلسطينيين بمعاناة أجدادهم. 

فلسطين
جماهير سيلتيك الأسكتلندي.

أجبر السلب والجوع خلال مجاعة البطاطس الشهيرة بأيرلندا، والتي خلفت أكثر من مليون قتيل، كثير من سكان أيرلندا الفقراء على الاستقرار بغلاسكو في اسكتلندا، هربًا من المجاعة. 

تأسس نادي سيلتيك لكرة القدم في عام 1887، بواسطة رجل دين كاثوليكي يدعى ولفريد برازر، من أجل جني إيرادات لإطعام المهاجرين الأيرلنديين المقيمين في جلاسكو والتخفيف من معاناتهم. ومن هنا أصبحت ثقافة النادي تتمحور حول مساندة المحرومين والأقليات حول العالم؛ لأن التضامن مع المحرومين والمضطهدين سهلًا على مشجع سيلتيك بسبب قدرته على تفهُّم معاناته واختبار محنته ولو بشكل نظري. 

ليست فلسطين فحسب

فلسطين
نادي سيلتيك يدعم اللاجئين السوريين.

 حقيقةً، لا تظهر جماهير سيلتيك تعاطفها مع فلسطين وحسب، لكنها لطالما أبدت مساندة مع كل الشعوب المضطهدة، بدءًا من مساندة الشعب الجنوب إفريقي الذي عانى خلال فترة الفصل العنصري، وصولا لدعم إقليم الباسك الساعي للانفصال عن إسبانيا، مرورًا بمناهضة الممارسات القمعية ضد القوميين بشمال أيرلندا بكل تأكيد. 

نستنتج من ذلك، أنّ الجماهير الأسكتلندية لا تمتلك أجندة سياسية، لكنّها تقوم بهذه التصرفات بعفوية؛ لأنها تساند الشعوب لا الحكومات، وفقًا للإرث الذي توارثه مشجعو هذا الفريق. 

رفع العلم الفلسطيني من قبل جماهير سيلتيك الأسكتلندي ليس بالأمر السلبي. ليس هناك من يلوح في وجه المعارضة كمحاولة لإغضاب الآخرين ومضايقتهم. لكن فقط من أجل  التذكير بشعب فلسطين، أينما كانوا في العالم، بأنهم ليسوا وحدهم وأنهم لم ينسوا.

-مارك باتريك كوناجان،  مستشار سياسي  يعمل مع الأحزاب السياسية والمرشحين السياسيين على مختلف المستويات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

أكثر من مجرّد تعاطف 

مع شعار بنك فلسطين مطبوعا على الصدر، ألوان تذكرك على الفور بالشعب المضطهد، يبتعد نادي “ديبورتيفو بالستينو” عن فلسطين فعليًا بنحو 13 ألف كيلومترا، تحديدًا في تشيلي، حيث قصّة أخرى من التعاطف في الشعب الفلسطيني. 

في العاصمة التشيلية سانتياغو، قبل أكثر من 100، قامت مجموعة من المهاجرين الفلسطينيين بتأسيس نادٍ لكرة القدم، الذي سرعان ما نما وحصل على دعم الجالية الفلسطينية الكبيرة في تشيلي.

كمجتمع منفصل بالقوة عن موطن أجداده، أصبح  نادي بالستينو نقطة محورية للفلسطينيين المقيمين في تشليي للتعبير عن فخرهم  والاحتفاء بثقافتهم الفلسطينية.

في الواقع، على الرغم من عدم امتلاك النادي لتاريخ مرصع بالبطولات، يظل الهدف الأهم لهذا الفريق ليس متعلقًا بالتنافس بكرة القدم في المستويات العالية، بقدر الاهتمام بنشر الوعي حول القضية الفلسطينية. 

من هذا المنطلق، وبالعودة لمنشور إريك كانتونا، ربما ينبغي الإشارة إلى التعاون الأخير ما بين جماهير نادي سيلتيك والشعب الفلسطيني، الذي نتج عنه إنشاء أكاديمية لكرة القدم بفلسطين. 

بعد تغريم جماهير سيلتيك إثر رفعها لعلم فلسطين بالمباراة التي ذكرناها سلفا، أطلقت مجموعة “جرين بريجاد” التابعة للنادي الاسكتلندي وسمًا على وسائل التواصل الاجتماعي، تتطلب من خلاله من المهتمين التبرُّع لسداد الغرامة التي تم توقيعها على النادي بسبب مساندته للقضية الفلسطينية. 

فلسطين
أكاديمية عايدة سيلتيك.

كانت المفاجأة هي جمع تبرعات هائلة، غطّت ما يفوق مبلغ الغرامة، حيث يقدر المبلغ الذي تم التبرُّع به نحو 176 ألف جنيه استرليني. لذا تم استخدام المبلغ الزائد عن الحاجة في التكفُّل بمساعدات طبية لفلسطين، ودعم مركز “لاجئ”، في مخيم عايدة ببيت لحم. 

عزز هذا الموقف العلاقة ما بين رابطة مشجعي سيلتيك ومركز لاجئ، وفي عام 2019، كان الإطلاق الرسمي لأكاديمية عايدة سلتيك لكرة القدم، التي تتم إدارتها محليًا من قبل مركز لاجئ وبدعم دولي من قبل مجموعة “جرين بريجاد”، وتعد مهمة أكاديمية عايدة سيلتيك بسيطة؛ وهي تزويد لاعبي كرة القدم الفلسطينيين الشباب بتجهيزات كرة قدم كاملة. 

في النهاية، ربما يمكننا اختصار علاقة سيلتيك بفلسطين بعبارة جاءت على لسان أحد من اقترحوا فكرة التعاون ما بين النادي الاسكتلندي والمخيم، حيث قال: 

“إنه اعتقاد عالمي بأن كرة القدم يمكن أن تكسر الحواجز وتجلب الأمل، ربما تكون أكاديمية عايدة سيلتيك، التي تعيش في ظل جدار فاصل غير قانوني، هي المثال التالي على ذلك”. 

 

المصادر: 

 

1- أسطورة فرنسا يرتدي قميص أكاديمية عايدة سيلتيك. 

2-ماذا يمكن أن نتعلم من مساندة سيلتيك لفلسطين؟ 

3- نادي كرة القدم الفلسطيني في تشيلي. 

4-لماذا تدعم جماهير سيلتيك القضية الفلسطينية؟ 

5- جماهير سيلتيك لم تنس جذورها 

6- أكاديمية عايدة سيلتيك- مركز لاجئ. 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى