الصحة النفسية

متلازمة أسبرجر.. والفرق بينها وبين التوحد

زاد اهتمام الكثيرين في الآونة الأخيرة بالأمراض النفسية؛ إما بدافع التعلم، أو للتحقق من كونهم ليسوا بحاجة لزيارة الطبيب، ويمكن القول إن متلازمة أسبرجر واحدة من الاضطرابات النفسية التي يجب على الجميع معرفة المعلومات الأساسية عنها، كونها تؤثر بشكل مباشر على حياة المصاب والمحيطين به.

 متلازمة أسبرجر

عرفت متلازمة أسبرجر والتي تعرف أيضًا باضطراب أسبرجر للمرة الأولى على يد طبيب فلبيني يدعى “هانز”، وكان ذلك في حقبة الأربعينيات؛ فلاحظ أن بعض الأطفال على الرغم من تمتعهم بدرجة عالية من الذكاء ومهاراتهم اللغوية تتطور بشكل طبيعي فإنه تظهر عليهم سلوكيات شبيهة باضطراب التوحد؛ مثل مواجهة صعوبة في التفاعل مع الآخرين، و المعاناة من خلل في المهارات الاجتماعية.
ظل العديد من الأخصائيين يشخصون متلازمة الأسبرجر يكونها شكل أقل حدة من التوحد؛ لذلك أطلق مصطلح “التوحد عالي الأداء” على من يعانون منها، حتى أضيف اضطراب أسبرجر بشكل رسمي عام 1994م إلى دليل تشخيص وإحصاء الاضطرابات العقلية الذي تصدره الجمعية الأمريكية للطب النفسي بكونه اضطراب نفسي منفصل عن التوحد.
ببساطة يمكن القول بأن هذه المتلازمة هي واحدة من الاضطرابات العصبية التابعة لتصنيف اضطرابات التوحد؛ تبدأ أعراضها في الظهور على المصاب بها خلال مرحلة عمرية مبكرة تكون بين مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة؛ لكن لا يتم اكتشافها إلا في مراحل عمرية أكثر تقدمًا تصل لمرحلة البلوغ.

أعراض متلازمة أسبرجر

اعراض متلازمة اسبرجر
تختلف الأعراض التي يمكن ملاحظتها على المصابين بمتلازمة أسبرجر من شخصٍ لآخر لذا نسلط الضوء فيما يلي على مجموعة من أكثر الأعراض شيوعاً بين المصابين، ومن الجدير بالذكر أن هذه الأعراض تظهر بعضها أو جميعها مبكراً على الطفل؛ لذا يمكن للأبوين ملاحظتها بوضوح والإسراع لتقديم المساعدة اللازمة له؛ أما عن الأعراض؛ فهي:

صعوبة ممارسة المهارات الحركية الأساسية

يلاحظ معاناة بعض الأطفال من صعوبة في ممارسة بعض المهارات الحركية الرئيسة؛ مثل: الجري، أو المشي بشكل سليم، كما أنهم قد يعانون من صعوبات في تعلم بعض المهارات؛ مثل: ركوب الدراجة.

صعوبة التفاعل مع الآخرين

يعاني المصابون بهذه المتلازمة من صعوبة بالغة في تكوين روابط اجتماعية؛ كونهم لا يتمتعون بالمهارات الاجتماعية الأساسية اللازمة للتعامل مع الآخرين أو المشاركة في الأعمال الجماعية، وذلك على الرغم من وجود رغبة عميقة لديهم في تكوين صداقات والانخراط في المجتمع.
أيضًا يمكن ملاحظة أن الطفل يعاني من صعوبة في إجراء تواصل بصري مع الآخرين؛ كما أنه يشعر بالحرج والخجل الشديد في مختلف المواقف الاجتماعية؛ فلا يعرف ماذا يجب عليه قوله، أو كيف يجب عليه الرد حينما يتحدث مع الآخرين.

صعوبة فهم الإشارات الاجتماعية

من الأعراض الشائعة أيضًا هي افتقارهم القدرة على قراءة وفهم الإشارات الاجتماعية مثل لغة الجسد وتعبيرات الوجه وردود الأفعال، لذا يعانون من صعوبة في فهم مشاعر الآخرين؛ فعلى سبيل المثال: لا يمكنهم معرفة متى يكون الشخص غاضب، أم سعيد؟، ويترتب على هذه المسألة معاناتهم من صعوبة في انتقاء الكلمات المناسبة لطبيعة الموقف؛ لينتهي الأمر بهم بالانطواء والبقاء على الحياد.

صعوبة التعبير عن المشاعر

واحدة من العلامات الأخرى التي يمكن ملاحظتها على الطفل هي؛ عدم تمكنه من التعبير عن مشاعره فلا يمكن ملاحظة الكثير من التعبيرات تعلو وجهه فقد لا يبكي حينما يشعر بالحزن أو لا يبتسم حينما يشعر بالسعادة، كما أنه قد يتحدث بشكل خالي من العواطف يميل لطريقة تحدث الروبوتات إن صح القول؛ بالإضافة لمواجهته صعوبة في معرفة متى يجب عليه خفض صوته أو طريقة تحدثه لتناسب طبيعة الموقف.

الميل إلى التكرار

في حال كان الطفل يعاني من هذه المتلازمة فقد يلاحظ أنه يميل إلى تكرار الحديث عن بعض الأشياء؛ مثل: التحدث عن نفسه، أو عن موضوع بعينه يستهويه، كما أنه قد يميل لتكرار بعض الحركات بعينها كثيرًا.

اتباع رويتن صارم

يميل المصابون بمتلازمة أسبرجر لاتباع روتين صارم في حياتهم يساعدهم على الشعور بالراحة والاطمئنان؛ على سبيل المثال قد يعتادون تناول وجبة بعينها على العشاء يوميًا؛ لذا قد يواجهوا صعوبة شديدة في تغيير أي جزء من روتينهم المعتاد مهما كان بسيطًا، كونها مسألة تسبب لهم فزع وتضعهم تحت ضغط شديد للتكيف مع الوضع الجديد.

طرق علاج اضطراب أسبرجر

علاج متلازمة اسبرجر
من الجدير بالذكر أن هذه المتلازمة لا يمكن علاجها بشكل نهائي؛ وإنما يساعد تشخيصها وبدء العلاج في مراحل مبكرة على مساعدة المصاب على عيش حياة أكثر إنتاجية، وتمكينه من تكوين علاقات اجتماعية ناجحة.
يوجد فروق فردية بين المصابين بـ متلازمة أسبرجر؛ لذا لا يوجد نمط علاجي واحد مناسب للجميع، الأمر الذي يدفع الطبيب لتجربة أكثر من نمط مع الطفل لحين اكتشاف الأنسب له؛ وتشمل الأنماط العلاجية ما يلي:

جلسات تدريب على المهارات الاجتماعية

يخضع الطفل لتدريب يتعلم من خلاله المهارات الاجتماعية الأساسية والذي قد يكون جلسة فردية أو مع مجموعة، يحاول المعالج خلال هذه الجلسات تعليم الطفل كيف يتفاعل مع الآخرين وكيف يعبر عن نفسه على الوجه المناسب.

جلسات تحسين مهارات الاتصال

تهدف جلسات تحسين مهارات اتصال الطفل إلى معالجة اللغة وطريقة التحدث، فيعمل المعالج على تعليم الطفل أن يغير نغمة صوته خلال حديثه مع الآخرين تبعًا للموقف بدلًا من اتباع نغمة ثابتة في كل المواقف، أيضًا سيتعلم الطفل المشاركة في حوار مع شخص آخر، وتفسير الإشارات الاجتماعية.

علاج سلوكي معرفي

يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى تمكين الطفل من تغيير كيفية تفكيره حتى يكون قادر على السيطرة على مشاعره والسلوكيات التي يكررها، كما أنه سيتمكن من التعامل مع تعرضه للانهيار ومع هواجسه بشكل أفضل.

تدريب الوالدين

سيكون على الوالدين أيضًا في بعض الحالات الخضوع للتدريب لاكتساب وتعلم الأساليب التي يتدرب عليها الطفل؛ وذلك حتى يكونوا قادرين على التدرب عليها معه في المنزل.

التحليل السلوكي التطبيقي

يعتمد هذا النمط من العلاج على اتباع أسلوب التعزيز الإيجابي لمساعدة الطفل؛ فيعمل المعالج على تشجيع السلوكيات الاجتماعية والتفاعلية الإيجابية التي تمتع بها الطفل ودحض السلوكيات السلبية.

الأدوية

في الواقع لا يوجد دواء يمكنه معالجة اضطراب أسبرجر لكن يوجد بعض الأدوية التي قد يصفها الطبيب لمعالجة الأعراض التي تصاحبه مثل القلق أو الاكتئاب.

أسباب الإصابة بمتلازمة أسبرجر

اسباب متلازمة اسبرجر
حدد الأطباء أن حدوث تغييرات في الدماغ هي السبب الرئيس وراء الكثير من أعراض متلازمة أسبرجر إلا أنهم ومع ذلك لم يتمكنوا من تحديد الأسباب الدقيقة لهذه التغيرات، لكن تم تحديد مجموعة من العوامل التي تساهم في التعرض لاضطراب أسبرجر وتطور أعراضه؛ وهي:

  • عوامل وراثية.
  • التعرض لبعض السموم مثل المواد كيميائية.
  • فرص تطور الأعراض لدى الأولاد أكبر من الفتيات.

 تشخيص الإصابة بمتلازمة أسبرجر

لا يمكن القول بوجود اختبار معين يجب أن يخضع له الطفل للتأكد من إصابته بمتلازمة أسبرجر؛ لكن في العديد من الحالات يعاني المصاب من مشاكل في السلوك أو النمو والتي تلاحظ عادةً من قبل الأهل أو المعلمين؛ ولتشخيص الطفل بشكل دقيق يتم تقييمه في المجالات التالية:

  • التطور اللغوي.
  • مهارات التفاعل الاجتماعي.
  • تعبيرات الوجه عند التحدث.
  • رد الفعل عند حدوث تغيير.
  • إبداء الرغبة في التفاعل مع الآخرين.
  • اتساق المهارات الحركية.
  • السلوكيات المتكررة.
  • حتى يشخص الطفل بشكل صحيح يجب  أن يعرض على طبيب يتمتع بخبرة في اضطرابات النمو النفسية واضطراب التوحد، فنتيجة لعدم وجود اختبار بعينه لتشخيص الإصابة بمتلازمة أسبرجر فقد يشخص الطفل بشكل خاطئ؛ لذلك اختيار طبيب متخصص مسألة لا يمكن التهاون بها.

    نصائح للتعايش مع متلازمة أسبرجر

    متلازمة أسبرجر من الأمراض النفسية التي لا يمكن الشفاء منها؛ فهي كالظل تصاحب المريض طوال حياته، لكن مع اتباع أنماط العلاج المناسبة يمكن للمريض أن يحظى بحياة مستقرة وعلاقات اجتماعية ناجحة في النهاية؛ وإلى جانب العلاج هناك مجموعة من التمارين التي يمكن ممارستها بشكل يومي لتخفيف حدة الأعراض؛ وتشمل:

    التحدث أمام المرآة

    يمكنك الاعتماد على التحدث لنفسك أمام المرآة لتحسين مهاراتك الاجتماعية؛ هذا التمرين سيمكنك من التفاعل بشكل أفضل مع الآخرين في المرات المقبلة.

    ممارسة تمارين التنفس

    تساعد تمارين التنفس العميق على تعزيز الشعور بالاسترخاء وتخفف من حدة الشعور بالتوتر والقلق، عليك فقط أن تجلس في مكان هادئ وتغمض عينيك لعدة دقائق مع التنفس بعمق.
    يمكنك ممارسة هذا التمرين قبل المناسبات الاجتماعية؛ لتكون أكثر قدرة على التكيف معها، كما يمكنك ممارستها متى شعرت بالتوتر خلال لقاء أو اجتماع عليك فقط أن تخرج لبضع دقائق وتبحث عن مكان هادئ لتمارسه.

    ممارسة التمارين الرياضية

    تساعد التمارين الرياضية على إفراز الهرمونات المسؤولة عن تعزيز الشعور بالاسترخاء وتقليل الشعور بالتوتر؛ الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على المريض ويجعله يشعر بالشجاعة والثقة للتعامل مع المسئوليات الاجتماعية.

    ممارسة نشاط حسي إدراكي

    الأنشطة الحسية الإدراكية تشمل الرسم وتركيب المكعبات والتلوين وحتى حل المعادلات الرياضية؛ وهي واحدة من الأساليب العلاجية التابعة للعلاج السلوكي الإدراكي التي تعزز الشعور بالاسترخاء وتساعد المريض على التعامل بشكل أفضل مع القلق.

    الفرق بين متلازمة أسبرجر والتوحد

    الفرق بين متلازمة اسبرجر والتوحد
    كما سبق وأشرنا لا يمكن تصنيف مريض متلازمة الأسبرجر بكونه مريض توحد فهناك الكثير من الفروق بين كلا المرضين؛ وفيما يلي نوضح أهم الفروق بين التوحد ومتلازمة أسبرجر:

  • يعاني المصابين باضطراب أسبرجر من أعراض أقل حدة مقارنةً بما يعانيه مرضى التوحد من حدة الأعراض.
  • يحاول المصابين باضطراب أسبرجر الانخراط والتفاعل مع الآخرين غير أنهم يفتقرون للمهارات الاجتماعية؛ فيما ينعزل مصابي التوحد عن الآخرين ولا يبدون اهتمام في التفاعل معه.
  • لا يوجد تعارض بين متلازمة أسبرجر والذكاء فمعظم المرضى يتمتعون بدرجة ذكاء متوسطة أو فوق المتوسط.
  • لا يعاني مرضى اضطراب أسبرجر من صعوبات لغوية أو تأخر الكلام؛ هم فقط يواجهون مشكلة في كيفية استخدام اللغة بشكل ملائم.
  • يعاني بعض مصابي التوحد من إعاقة ذهنية، في حين أن مصابي أسبرجر لا يصابون بهذا النوع من الأعراض.
  • يواجه مصابي أسبرجر في الغالب صعوبة في تأدية المهارات الحركية بشكل سليم على عكس مرضى التوحد.
  • يهتم مرضى أسبرجر ببعض الأشياء لدرجة تصل إلى حد الهوس.
  • متلازمة أسبرجر هو اضطراب عرفته البشرية منذ زمن طويل وكرس العلماء جهودهم ووقتهم للعثور على العلاج المناسب له؛ ليتمكن المصابين به من الحصول على حياة كريمة؛ لذا عليكم الإسراع لزيارة الطبيب المختص في حال ملاحظة أي من الأعراض التي سبق وتطرقنا لها على الطفل.

    المصادر:

    ويكيبيديا.
    ويب ميد.
    أوتيزم.

    زر الذهاب إلى الأعلى