ثقافة ومعرفة

شريعة حمورابي.. أول «دستور» عرفه التاريخ

هو سادس ملوك بابل وأكثرهم شهرة، حيث وحد منطقة بلاد الرافضين استفادة من قدراته العسكرية القيادية، ليؤسس الإمبراطورية البابلية العظيمة، ويقودها لأكثر من 30 سنة كاملة من الازدهار والتقدم، إنه حمورابي الذي غير تاريخ العالم في سنوات ما قبل الميلاد.

بداية حمورابي

تولى حمورابي القادم من نسل العموريين الذين جاءوا من غرب سوريا، دفة قيادة بابل في الفترة من 1792 وحتى 1750 ق م، إذ كان والده سين موباليت هو الملك الخامس لبابل قبل أن يخلفه ابنه الشاب اليافع فيما بعد.

يحمل اسم ملك بابل الشهير مزيج من الثقافات القديمة، حيث تعني كلمة حمو العائلة لدى العموريين، فيما يشير معنى كلمة رابي إلى العظيم لدى أبناء الإمبراطورية الأكدية.

أعمال حمورابي

اهتم حمورابي بتلك الأعمال الضرورية في عصره، والتي خلدت اسمه في التاريخ باعتباره حاكم بابل الأشهر، حيث عمد إلى بناء وإعادة ترميم المعابد وشق القنوات وتشييد المباني وكذلك حفظ الأمن والاستقرار، علاوة على خوض الحروب التي نتج عنها توسع مملكته.

نجح أيضا في السيطرة على عدد من الدول القريبة من بلاد الشام، كما تمكن من القضاء على أشرس منافسيه مثل آخر ملوك سلالة لارسا المعروف باسم ريم سن الأول، ليزيد من توسع مملكة بابل التي امتدت من العراق والدول المجاورة لبلاد الشام، وحتى سواحل البحر الأبيض المتوسط.

تمتع الملك البابلي بقدرات قيادية وعسكرية واضحة، ساهمت في تطور مملكة بابل على يديه عبر سنوات حكمه الطويلة، فيما كان هدفه الأبرز هو السيطرة على مياه الفرات، التي تعد السبيل من أجل الزراعة، وهو الأمر الذي أوقعه في خصومة مع عدد من الملوك لكنه كان الفائز من بينهم في النهاية.

كذلك بدا حمورابي شديد الذكاء والحكمة في طريقة حكمه التي لم يعتمد خلالها على رجل واحد أو اثنين، بل كان دائم الإشارة إلى أن الملك لن يصبح قويا وحده، بل بمشاركة عشرات من الملوك الآخرين، والمقصود بهم معاونيه، كما أن دهاءه بدا واضحا مع إقرار ما عرف باسم قوانين حمورابي أو شريعة حمورابي، التي صارت هي المنهج المتبع في سنوات حكمه.

شريعة حمورابي

كشف حمورابي عن الشريعة الشهيرة بعد أن استقرت الأمور في مملكة بابل، ذلك عقب السيطرة عليها لأكثر من 3 عقود متتالية، حيث اهتم ملك الإمبراطورية البابلية حينها بتحديد القواعد والحقوق الخاصة بكل فرد، وسواء كان من عامة الشعب أو من المسؤولين.

تكونت شريعة حمورابي من 282 قانون، حيث تم تدوينها على المسلة المكتشفة في عام 1901، والتي وضعت منذ ذلك الحين في متحف اللوفر الشهير بفرنسا، لتكشف عن العقوبات والقواعد التي اتبعها الجميع في زمن بابل العظيم.

شملت شريعة حمورابي العقوبات التي تطبق على الجناة في هذا العصر، مثلا إن قام شخص بسرقة ثور، فعليه أن يدفع 30 ضعف قيمة هذا الثور، كما أن القوانين حينها أوضحت كيفية التعامل مع ارتكاب الأخطاء أو التقصير في العمل، بالإشارة إلى أن الطبيب الذي يتسبب في موت مريض عليه أن يدفع قيمة مالية كبيرة إن كان الضحية من العبيد، أما إن كان المريض الراحل من الطبقة الثرية فحينئذ تقطع يد الطبيب المخطئ، علما بأن أجرة الطبيب عند الكشف ترتفع كلما علا شأن المريض.

تشير الكتابات التي عثر عليها منذ عصر بابل، إلى اهتمام حمورابي بمنع القوي من السيطرة على الضعيف، كما أنها كشفت عن عمله على حماية حقوق كل من اليتامى والأرامل، ما طبق على إثره مجموعة من القوانين أيضا، حيث لم تتجاهل الشريعة حينها تحديد كل ما يخص أمور الزواج والطلاق وكذلك الميراث، علاوة على أمور أخرى تتعلق بالزراعة والقروض وغيرها من المجالات.

شهد عام 1750 ق م، نهاية عصر حمورابي العظيم بوفاته، حيث اعتلى الملوك سدة الحكم من بعده على أمل الحفاظ على إنجازات الملك الراحل، إلا أن ذلك بدا معقدا للغاية في ظل طمع الممالك الأخرى في بابل، لتضعف البلاد حتى سقطت.

في كل الأحوال، يبقى اسم حمورابي خالدا في التاريخ بعد أن صار المؤسس الحقيقي لإمبراطورية بابل، والتي شهدت في عصره قوة عسكرية واقتصادية شهد لها الجميع، علاوة على توسع جعل منها مركز الحكم في المدن القريبة من بلاد الشام وسواحل البحر الأبيض المتوسط، ليرحل حاكم بابل ولكن بعد أن أعاد كتابة التاريخ بيديه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى