شخصيات مؤثرةثقافة ومعرفة

«الحاج شمس الدين».. المسلم الذي تحيي ذكراه الإمبراطورية الصينية كل عام

تحتفل الصين في الـ11 من يوليو من كل عام باعتباره اليوم البحري الوطني الصيني، إحياءً لذكرى الحاج شمس الدين الذي خاض أول رحلة صينية معروفة في التاريخ، والتي يعود تاريخ انطلاقها إلى أوائل القرن الـ15 الميلادي، حيث قاد موكبا بحريا ملكيا كبيرا بدأ رحلته من ميناء لويجياجان بمدينة تايسانغ التابعة لمقاطعة جيانغ سو الصينية، متوجها ناحية الغرب، في رحلة استغرقت قرابة العامين، زار خلالها ما تعرف حاليا بـفيتنام وعديد البلدان وصولا إلى الهند، قبل أن يعود مجددًا إلى الصين.

تحت الأسر

ولد جونغ ها أو الحاج شمس الدين — حجي شمس الدين كما ينطقه الغربيون — في العام 1371 لعائلة نبيلة تسكن مقاطعة يونان بالصين، وكان والده يدعى حجي ما ووالدته تحمل الاسم وين، وكان لجونغ أخ أكبر و4 أخوات، وبما أن عائلته كانت مسلمةً، فقد كان اسمه الحقيقي «ما ها» ويعتبر اسم ما المكافئ لاسم محمد في اللغة الصينية، أما اسم جونغ ها الذي عرف به فسيأتي سبب تسميته بذلك الاسم لاحقًا.

كان والد وجد ما يحظيان بسمعة طيبة بالمجتمع، وقد قررا أن ينقلا بعضًا مما تعلماه لهذا الولد، فجعلاه يقرأ الكتب لعظماء مثل كونفشيوس ومينسيوس، ويتعلم جيدًا، ما جعل مداركه أكثر اتساعًا، فبدأ يتساءل عن فريضة الحج، التي أخبراه بأنهم قاموا بأدائها، بأراضي الحجاز، فكان يسألهما عن طبيعة هذه الرحلة البعيدة عن محل إقامتهم، كأي طفل يصيبه الفضول.

كانت الصين قد استعادت حكم أراضيها من المغول قبل ولادة «ما ها» بثلاث سنوات فقط، بعدما أمضت حوالي 100 عام تحت قبضتهم (1250–1350)، إلا أن إمبراطورية المغول التي سيطرت على طريق الحرير تفتتت بسبب تقسيم الحكم على عدد من الخانات ما جعل الفوضى تسود الإمبراطورية، ليستعيد الصينيون أراضيهم مجددًا بفضل سلالة مينغ الجديدة.

حجي شمس.. رجل السلام الصيني الذي جاب المحيطات

حين بلغ «ما ها» سن الـ11 كان جيش المينغ بقيادة الإمبراطور هونغ وو قد بدأ في مهاجمة يونان، فقام جنود المينغ بقتل والد وجد «ما»، كما تم أسره، وكما جرت العادة مع الأسرى؛ تم إخصاؤه باستخدام السيف، وبعدما اجتاز هذه الصدمة البشعة نفسيا وصحيا تم تسليمه ليكون خادما للأمير زهو دي، وعاملا بمحكمة المينغ.

تلقى «ما» خلال هذه الفترة تدريبات عسكرية نظرًا لما أظهر من جد واجتهاد وإخلاص للإمبراطور والأمير، وفي العام 1402 وبعد وفاة إمبراطور المينغ الأول، انتزع الأمير زهو دي العرش بالقوة، ونصب نفسه إمبراطورًا جديدًا للمينغ باسم جديد وهو يونغل الذي يعني بالصينية السعادة الدائمة، وبما أن ما كان خادمه المخلص، فقد تمت ترقيته ليصبح مديرًا لخدم القصر وهو أعلى منصب يمكن لأسير سابق أن يحظى به داخل الإمبراطورية الصينية، ثم منحه اسما جديدًا وهو يونغ نسبة للحصان المحارب المفضل للإمبراطور.

رحلات بحرية

بعد ترقيته، أصبحت المهام المسندة للحاج شمس الدين أكثر وأكثر، فقد كان مسؤولا عن القصر وأعمال الإصلاحات بداخله، ولأنه كان قد تعلم العديد من الأمور بمجالات الأسلحة وبناء السفن البحرية، أمره الإمبراطور زهو دي بأن يبدأ في بناء أسطول الكنز وهو أسطول من السفن التجارية والحربية وسفن الدعم، واختار الإمبراطور الحاج شمس الدين ليكون على رأس ذلك الأسطول الذي يعتبر بمثابة السفير الرسمي للبلاط الإمبراطوري بالدول الأجنبية.

حجي شمس.. رجل السلام الصيني الذي جاب المحيطات
خريطة رحلات حجي شمس البحرية.

كانت رحلات حجي شمس السبع التي قام بها بإيعاز من الإمبراطور تهدف إلى إثبات الوجود الصيني، وفرض سيطرة الإمبراطورية على التجارة، ويعتقد أيضًا أن الإمبراطور كان يود بمثل تلك البعثات أن يوسع نظام الجزية، التي كانت ‑آنذاك- هي الطريقة المتبعة من الإمبراطورية الصينية للتعرف على الشعوب الأجنبية.

كان أسطول شمس الدين وفقا للتقديرات مكونا من 62 مركبا عملاقا، وحوالي 40 ألف جندي، ومئات من المسؤولين، وحوالي 180 طبيبا، كما ضم الأسطول 5 منجمين وعشرات المهنيين مثل النجارين والخياطين والطهاة، وصولا إلى المترجمين الذين يمكنهم التحدث بمعظم لغات العالم عندئذ.

لم يكن الهدف الرئيسي من الرحلات الثلاث استخدام العنف إطلاقا، بل كانت لتحقيق الأهداف بطريقة ديبلوماسية، إلا في أحيان نادرة، فمثلًا؛ أثناء انتهاء أولى الرحلات السبع، التي كانت عبارة عن زيارات للبلدان التي تطل على المحيط الهندي والتي انتهت بشكل مسالم وتبادل الهدايا والعطايا بين الطرفين، واجهت سفن حجي قراصنة بميناء سومطرة، لذلك كان لا بد من استخدام العنف، ليضطر شمس الدين لإصدار أمر بالقتل المباشر لهم وهو ما كان بإنهاء حياة 5000 شخص منهم، إضافة إلى أسر زعيمهم والعودة به إلى الصين حيث قطعت رقبته.

قام شمس الدين بخمس رحلات أخرى قبل أن يتوفى الإمبراطور، اتسمت جميعها بالمخاطرة أكثر، عن طريق النزوح لأراض جديدة مثل ميناء هرمز عند مصب الخليج الفارسي، وساحل شرق إفريقيا حيث وصل إلى الصومال وكينيا، وعاد منها بالزرافات الإفريقية التي لم تكن قد وجدت من قبل بالصين.

في العام 1422 مات الإمبراطور يونغل، ورأى الإمبراطور الجديد أنه يجب أن تتوقف كل هذه الرحلات الاستكشافية، كان شمس الدين وقتها قام بـ6 رحلات استكشافية أثرت بشكل كبير على نظرة العالم للسياسة الصينية التي أظهر بأنها مرنة للغاية في التعامل مع الأجانب بشرط أن تكون المعاملة دون عدوان.

وفي رحلته الأخيرة (السابعة)، انفصل شمس الدين عن أسطوله الذي كان في طريقه إلى الهند، ليذهب حتى يحقق حلم عمره بالحج لبيت الله في مكة، ليصيبه المرض بعد ذلك حتى توفي عام 1433، ولم يصل أحد لحقيقة إذا ما كان قد دفن بالحجاز أم تمت إعادته للصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى