ثقافة ومعرفةفوائد

القطط والمصريون القدماء.. علاقة من الهوس والقداسة

إحدى السمات التي اتفق عليها علماء التاريخ المتخصصون في الحضارة المصرية القديمة، هي أن المصريين القدماء كانوا مفتونين بالقطط، لدرجة استخدامها كتفسير لبعض الظواهر غير المفهومة، أو ربطها بمعبوداتهم.

بالتأكيد، يبدو الأمر ساذجًا، بيد أننا لا نعرف حقيقة شكل الحياة بهذه الفترة، وطريقة ومنهجية تفكير القدماء في جميع مناحي الحياة، لكن على أي حال، فيبدو أن المصريين القدماء هم أول من اتخذوا القطط كحيوانات أليفة، قريبة لهم، لما لها من معان دينية وروحية لهذه المجموعة من البشر.

ويعتبر سبب تطور حب المصريين القدماء للقطط هو أحد الأسرار التي لم تكشف إلى الآن، لكن ما نحن موقنون منه، هو أن قدماء المصريين كانوا أول من اعتبر القطط جزءا من أفراد الأسرة الواحدة، حتى وإن كان في بادئ الأمر يحتفظ بها داخل المنزل لمجرد حمايته.

لكن كان هنالك اعتقاد بأن هذه المخلوقات مرتبطة بشكل بما يعبدون ويقدسون، لذلك وجب تبجيلها ومعاملتها بشكل أميز عن سائر الحيوانات، ووصلت إلينا عديد القصص عن حقيقة حياة القطط في مصر القديمة، منها ما هو قابل للتصديق، ومنها ما يصعب تصديقه، لكن يجب التنويه بأن هذه الأفكار والمعتقدات كانت لأناس عاشوا قبل آلاف السنين. وهذه قائمة بأغرب أشياء عن القطط المصرية القديمة وعلاقتها بالإنسان.

باستيت

القطط والمصريون القدماء
باستيت (الأسرة الثانية)

كانت إلهة الفراعنة باستيت تحظى بشعبية وشهرة واسعة خلال حقبة الأسرة الثانية، والتي امتدت فترتها ما بين 2890 و2670 قبل الميلاد، وكان مركز عبادتها في مدينة «بوباستيس»، ويعتقد أنه تم بناء معبد لأجلها بنفس المدينة، وتم وضع قطة محنطة بداخله قربانا لها.

كانت باستيت ‑في اعتقاد المصريين القدماء- إلهة الحب، المتعة والسعادة، كما كانت بمثابة حامية للبشر، وتم تجسيدها على الرسومات بجدران المعابد كسيدة لها رأس قطة، ترتدي أقراطا من الذهب، وكان الاعتقاد السائد آنذاك، أنه بمجرد إيذاء أي أحد لقططها، تغضب بشدة، وتتحول إلى أسد متعطش للدماء.

كيف كانت تُنعت القطط؟

القطط والمصريون القدماء

طبقا للخبراء، كانت كلمة «قطة» عند المصريين القدماء تلفظ «ميو» أو «مواء» نسبة إلى الصوت الصادر من القطط عمومًا عندما تموء، يبدو ذلك غريبا بالفعل، لأنه على الرغم من التقدير البالغ للقطط، إلا أن جميعها تم تمثيلها في كلمة واحة «عامة» تجمع ما بين كل أصناف وأنواع القطط، وهذا ربما يرجع إلى عدم توفر آلية واضحة بذلك العصر للتفرقة ما بين أنواع القطط المختلفة لديهم، في حين أن أحد مظاهر الاهتمام بهذا الحيوان، كان عبر وجود حرف بالأبجدية المصرية القديمة يرمز للقطط بشكل حصري، وهو عبارة عن صورة ظلية لقط.

الإعدام لمن يقتلها

كان قتل القطط بمثابة الجريمة البشعة عند المصريين القدماء، والتي كانت تستوجب عقابا من نفس درجة الجريمة، أي الموت، فقد كانت العقوبة تنفذ استنادًا على الظروف المحيطة بقتل أي من القطط، فإن كانت الحادثة مصادفة عن غير عمد، كان من الممكن أن يتم تقليص العقوبة لتكون غرامة وأحيانا لا، أما إن كانت بقصد واضح فكان الإعدام هو العقوبة النافذة عندئذ.

«كان المصريون الذين تم القبض عليهم في مبنى محترق يحاولون إنقاذ القطط أولا، قبل إنقاذ أنفسهم، أو حتى محاولة إطفاء الحريق» 

-هيرودوت، المؤرخ اليوناني

نقل بعض الخبراء أنه حتى الفرعون لم يكن يستطيع إيقاف حكم الإعدام على من يقتل قطا، وهنالك قصة ذائعة الصيت تحكي عن فشل «بطليموس الثاني عشر» ‑والد كليوباترا- في إيقاف تنفيذ حكم الإعدام على أحد جنوده الرومان الذي قتل قطا عن غير عمد، حتى وإن كان الجندي لم يكن يدرك حتى لحظة إعدامه خطورة ما قام به في حق هذا الكائن المقدس عند المصريين.

تراجيديا

اتفقنا مسبقًا على أن القدماء المصريين كانوا يعاملون القطط كأفراد من الأسرة، لذلك فقد كانوا يتلقون نفس المعاملة حتى عند وفاتهم، ولأن المصريين القدماء كانوا يعتقدون بوجود حياة ثانية بعد الموت، فقد كانت العائلات الثرية تقوم بتحنيط القطط مثل البشر، ودفنهم مع مجوهراتهم كذلك، حتى إن بعض ملاك القطط، قد أصروا على أن يدفنوا جنبا إلى جنب مع قططهم الميتة.

كانت القطط لا تتلقى العالج كما هو الحال الآن، لأنه كان حكرًا على تلك المملوكة للأثرياء وحسب، لذلك كانت حياة معظم قطط العوام مهددة دائمًا بخطر الموت، وهو ما كان يتحول ليوم حزين ‑يوم موت القط- فتقوم الأسرة بإعلان مراسم الحزن وإظهار الألم والأسى عن طريق طقس يحلق الجميع خلاله شعر الحاجبين.

المعركة التي حسمتها القطط

كان الملك الفارسي قمبيز الثاني يخطط لخداع المصريين قبيل صدامهما الوشيك في معركة «بيلوسيوم» عام 525 قبل الميلاد، كان الملك الفارسي على دراية كاملة بتقدير المصريين القدماء للحيوانات وللقطط خاصة، ومن هنا كانت فكرته للفوز بالمعركة، فقد أمر برسم «باستيت» على دروع جنوده، وطالبهم بربط الحيوانات التي يحبها المصريون مثل الكلاب والأغنام وخاصةً القطط في دروعهم.

بشكل درامي، رفض الجنود المصريون بكل تأكيد مهاجمة إلهتهم باستيت، ولا حيواناتهم التي يقدسونها، ليبقى جميع الجنود بلا حراك، ويستسلموا ليتم ذبح معظمهم، بينما فر البقية إلى العاصمة ممفيس التي سقطت بعد ذلك بفترة وجيزة، ما أن تم القبض على الملك بساميتيك الثاني ثم إعدامه، لتنتهي بذلك سيادة مصر، ويتم ضم الإقليم إلى بلاد فارس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى