ثقافة ومعرفة

جين آدمز.. وكيف ساعدها المشردون في الحصول على نوبل؟

مشهد مؤلم لأطفال صغار يُساقون إلى السجون بتهم واهية كسرقة الطعام، هو ما جعل جين آدمز، تتألم لأعداد هؤلاء الأطفال في السجون والتي تتناسب طرديا بالزيادة مع تزايد المهاجرين، محملين بآمال عدة كان أبرزها الأمان والدفء والحياة الإنسانية الكريمة.

إلا أنهم اصطدموا بواقع مرير، يجبرهم على التشرد والنوم في شوارع المدن الأمريكية على حداثتها، فضلا عن استغلال أصحاب المصانع لهم في ضوء ما يعرف بعمالة الأطفال، شكلت تلك الأمور مجتمعة، دور جين آدمز في الحث على التحركات القانونية من أجل حمايتهم، وأسست جمعية «هال هاوس» في أحد أحياء شيكاغو الفقيرة مع صديقتها ألين جيتس عام 1889م.

ويقف موقع قل ودل على أبرز المساعي التي تبنتها آدمز والتي قادتها لـ نوبل.

موت الأشقاء

ولدت الأمريكية جين آدمز في السادس من سبتمبر عام 1860، في بمقاطعة سيدارفيل، بولاية إلينوي الشمالية، وكانت الأخت الصغرى لـ7 من الإخوة، ولدوا في عائلة مزدهرة من أصول أمريكية إنجليزية، وكان والدها سياسيا بارزا، وتوفي 3 من أشقائها في سن الطفولة، في حين توفي الرابع في مرحلة المراهقة، وتحديدا في سن الـ16، ليصبح لديها 4 أشقاء فقط، بينما توفيت والدتها سارة آدامز، وهي بالثامنة من عمرها.

جين آدمز
جين آدمز

سل بالعمود الفقري

بين اللعب والقراءة، أمضت آدمز طفولتها، كما كانت تواظب على الحضور المدرسي يوم الأحد، إلى أن أصيبت في الرابعة من عمرها، بمرض السل في العمود الفقري، والمعروف باسم «مرض بوتس»، وتسبب مرضها بانحناء العمود الفقري، مما جعل من قيامها بالعمليات البسيطة كالجري أو المشي كباقي الأطفال في عمرها أمرا معقدا للغاية.

لتسيطر على عقل جين مجموعة من الأفكار السلبية، كونها لا تتمتع بقدر من الجمال وأصيبت بالعرج، فأضحت لا تود الخروج مع والدها أو السير معه بالشارع.

قرار واعٍ في سن المراهقة

مع المراهقة، بلغت أحلام جين آدمز مكانة كبيرة، ورغبت بفعل شيء مفيد للعالم والبشرية، وزادت رغبتها مع اهتمامها بالفقراء منذ قراءتها للقصص الإنجليزية التي تتناول أحوال الأطفال الفقراء، والتي كان أشهرها حينها قصة لـ Dick­ens-وهو كاتب روائي إنجليزي شهير- لتقرر بعدها أن تدرس الطب، لتصبح طبيبة، تتمكن بحكم مهنتها من العيش مع الفقراء، والعمل على شفائهم.

دعم أسري لم يكتمل

لم يعارض والد جين رغبتها، بل وشجعها على مواصلة التعليم العالي، شريطة اختيار كلية بالقرب من المنزل، فتحمست آدمز للالتحاق بكلية سميث الجديدة للنساء، في ولاية ماساتشوستس، ولكن والدها كان يطلب منها الحضور إلى مدرسة روكفورد للإناث بولاية روكفورد، إلينوي، أي مجاورة للمنزل، لتتخرج منها عام 1881، مع شهادة جامعية وعضوية في فاي بيتا كابا.

إلى أن توفي والدها بصيف هذا العام، وبشكل غير متوقع، نتيجة حالة مفاجئة من التهاب الزائدة الدودية.

جين آدمز.. وكيف ساعدها المشردون في الحصول على نوبل؟

إرث جين ودراسة الطب

بعد أن توفي والدها ترك لها إرثا، قُدر نصيب كل فرد فيه 50،000 دولار، لتنتقل في فصل الخريف مع أختها أليس، وزوج أختها هاري، وزوجة أبيها، آنا هالدمان آدامز، إلى فيلادلفيا، لكي يتمكن الشباب الثلاثة من متابعة تعليمهم الطبي هناك.

عائق المشاكل الصحية

وكان هاري قد درس بالفعل في مجال الطب، وقام بعدد من الدراسات في جامعة بنسلفانيا، في الوقت الذي أكملت فيه جين وأليس سنتهما الأولى في كلية الطب التابعة لفيلادلفيا، واستمروا في النجاح، إلا أن مشاكل جين الصحية، والعملية التي أجرتها بعمودها الفقري، ودخولها لحالة من الانهيار العصبي، منعتها من إكمال الدراسة، كما أن زوجة أبيها آنا كانت مريضة أيضا، فألغت الأسرة بأكملها خططها للبقاء عامين وعادت إلى سيدارفيل، وأصاب الحزن جين.

مؤسسو الحزب الجمهوري

وعلى النهج ذاته، سارت جين أدامز على خطى والدها السياسي، وكانت أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الجمهوري في ولاية إلينوي، فضلا عن كونها عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي بين عامي 1855–1870، كما دعمت صديقها أبراهام لينكولن في ترشيحه، لعضو مجلس الشيوخ عام 1854، ومن ثم دعمت ترشحه للرئاسة عام 1860، كما أبقت رسالة من لينكولن كتبها لها في مكتبها للذكرى.

«هال هاوس» منزل المشردين

توجهت جين أدامز إلى شيكاغو عام 1889 مع صديقتها ألين جيتس، واستأجرت أحد المنازل الكبيرة في أحد الأحياء الفقيرة، التي كان أغلبية سكانها من المهاجرين الأوروبيين، وتولى هال هاوس رعاية أطفال الأمهات العاملات، وعلاج المرضى، وإيجاد الوظائف للعاطلين، وتقديم الملابس والغذاء للفقراء والمحتاجين، وتضمن المنزل معرضا للفن ومدرسة للموسيقى وقاعة اجتماعات ومكتبة وصالة رياضية، وكان مقصدا لنحو 2000 شخص أسبوعيا.

نوبل لأول أمريكية

كانت جين من أوائل الرافضين دخول أمريكا خضم الحرب العالمية الأولى، وكانت من دعاة الأمن والسلام الدولي، ونادت بوقف الحرب حيث رأت فيها استنزافا للموارد البشرية والطبيعية، كما دعت إلى مساعدة فقراء أوروبا المتضررين من الحرب عبر زيادة الإنتاج الغذائي في الولايات المتحدة، إلا أن دعواتها الرامية لإحلال السلام لم تلق آذانا مصغية.

أثارت مواقفها الرافضة للحرب حفيظة بعض الصحف الأمريكية، إلا أن صوتها غدا مسموعا ونالت احترام الجميع، وفي عام 1931 أصبحت جين أول امرأة أمريكية، تحصل على جائزة نوبل للسلام، لدورها الفعال في إنهاء الحرب، حيث حضرت العديد من المؤتمرات والندوات كان أهمها مؤتمر المرأة العالمي في لاهاي، والذي اختيرت فيه لرئاسة لجنة مهمتها إيجاد حلول للتوصل إلى نهاية للحرب.

كما كانت جين زعيمة في حركة نضال من أجل حماية حقوق المرأة في التصويت والسلام العالمي، بالإضافة لتسليطها الضوء على عدد من القضايا والإصلاحات الهامة، المتعلقة بقضايا الأمهات، مثل احتياجات الأطفال، والصحة العامة، والسلام العالمي، وأصبحت منارة للسلام ومثالا يحتذى للكثير من المدافعين عن القيم الإنسانية، وتوفيت في عام 1935.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى