ثقافة ومعرفة

السلطان تيبو.. «نمر ميسور» الذي أرعب الإنجليز وخطب نابليون وده

السلطان تيبو، أو المُلقب بـ«نمر ميسور»، الذي صدم الإنجليز واستطاع أن يلقي في قلوبهم الرعب، وكانت الدولة الهندية في عهده تتمتع بالأمان والعدل، وتغنى به شعراء بلاطه ومدحوه وعظموه، وحتى يومنا هذا يظل تيبو من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الهندي.

ويقف موقع قل ودل على حياة السلطان تيبو الذي تحدى الإنجليز وقتل في ساحة المعركة…

معلومات حول شخصية تيبو

هو السلطان والبطل تيبو، وكان الابن الأكبر للأمير الكبير حيدر علي خان، ولد السلطان تيبو في ديفانهالي في منطقة بنغالور الهندية الحالية عام 1750م، ولقب بسلطان ميسور وآخر رجال الهند الأقوياء والذي دوخ الإنجليز وقهرهم لسنوات طويلة حتى لقبوه بنمر ميسور من شدة فتكه بالجيوش الإنجليزية خلال حكمه لجنوب شرق الهند، وأصبح الحاكم الفعلي لميسور في عام 1761م.

القائد العسكري حيدر على خان

السلطان تيبو
السلطان تيبو

وكان أبوه الأمير حيدر علي خان، قائدًا عسكريًا في جيش ميسور، فلما ضعفت السلطة المركزية لدولة سلاطين المغول فكر الهندوس — وكانوا أغلبية في ميسور- في الاستقلال بميسور، ولكن قبل أن يضربوا ضربتهم.

وأسرع حيدر علي قائد المسلمين حينها باستلام السلطة بالقوة وقضى على معظم زعماء الهندوس، وأحكم بعدها قبضته على «ميسور»، وأخذ في توسيع بلاده حتى ضم معظم جنوب الهند، ووصلت حدود دولته إلى بلاد مدراس على ساحل خليج البنغال.

حيدر يحقق أمانيه في ابنه تيبو

السلطان تيبو
السلطان تيبو

كان السلطان حيدر أميا، ولذلك حرص على أن يحصل ابنه تيبو على أفضل تعليم يليق به كأمير، كما حرص على تعليمه الشؤون العسكرية والسياسية في سن مبكرة، وكان حيدر علي ضابطًا عسكريًا في خدمة مملكة ميسور الهندية ثم أصبح الحاكم الفعلي لميسور في عام 1761م، لأن زوجته ووالدة تيبو السيدة فاطمة فخر أونسة كانت ابنة معين الدين حاكم ميسور من حصن كادابا، وبعد ذلك قام حيدر بتعيين مدرسين جيدين لتعليم تيبو اللغات الأوردو والفارسية والعربية والكانادا وأيضًا القرآن الكريم والفقه الإسلامي وركوب الخيل والمبارزة وإطلاق النار.

حرب ميسور الأولى ضد البريطانيين

السلطان تيبو
السلطان تيبو

بمجرد أن بلغ تيبو سن الـ15، حرص والده على اصطحابه في حرب ميسور الأولى ضد البريطانيين عام 1766، والتي تحالف فيها السلطان حيدر علي مع الفرنسيين، وقد كان تيبو يحضر معهم أثناء وضع التكتيكات العسكرية للقتال.

كما قاد سلاحا من الفرسان في غزو الكارناتيك عام 1767 وهو مازال في الـ16 من عمره، وتمكن تيبو من هزيمة البريطانيين هزيمة منكرة في عدة حروب واستطاع أن يكتسب خبرة عسكرية كبيرة حتى توفي والده في ديسمبر 1781م، ومن ثم عين نفسه حاكمًا لميسور في يوم الأحد 22 ديسمبر 1782م في احتفال بسيط، واستطاع أن يحقق تقدمًا على البريطانيين والهندوس من خلال تحالفه مع المغول والمراثا وانتهت حرب ميسور الثانية بمعاهدة مانجالور عام 1784م.

ويذكر أن تيبو قد دخل عدة معارك فاز في معظمها وانتهى هذا الصراع بمعاهدة «جاجندراجد» في مارس عام 1787م.

مواهب متعددة غير كونه قائدا عسكريا

السلطان تيبو
السلطان تيبو

كان السلطان «تيبو» بجانب شجاعته وقدرته العسكرية في القيادة ومواجهة الخصوم، ذا مواهب متعددة، فكان أديبًا يحب الشعر، ويجيد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية، كما كان مولعًا بالهندسة والاختراعات الحديثة خاصة في السلاح وفنون القتال، حتى إن «تيبو» يعد أول من اخترع واستخدم الصواريخ القتالية، كما كتب «تيبو» كتابًا إرشاديًا عسكريًا يسمى «فتح المجاهدين».

في المجالات الاقتصادية والزراعية

السلطان تيبو
السلطان تيبو

وفي المجالات الأخرى، سعى «تيبو» لتأسيس مملكة على الطراز الحديث فأدخل إصلاحات إدارية وتنظيمية واسعة في المجال الاقتصادي والزراعي والاجتماعية أيضًا، وذلك بعدما قضى على الخرافات والبدع والعادات الموروثة من الديانة الهندوسية في منطقة ملبار وجنوب شرق الهند.

كما حارب «تيبو» الاستغلال الاقتصادي الذي انتشر في ربوع الهند كلها بسبب السياسات الاستعمارية للإنجليز وذراعها الاقتصادي الشهير، وقسّم «تيبو» إمارة ميسور لسبعة أقاليم إدارية ووضع نظامًا ماليًا مستقلًا، ونظّم الضرائب على الأراضي والتجارة بصورة قضت على احتكار كبار الملاك.

بجانب إنشائه لشركة تجارية كبيرة تنافس شركة الهند الشرقية الإنجليزية، وجعل هذه الشركة ملكًا وطنيًا لعموم سكان ميسور بعد أن قسّم رأس مالها إلى أسهم وطرحها للاكتتاب كما يحدث في بورصات اليوم.

مصانع النسيج والأخشاب

السلطان تيبو
السلطان تيبو

توسع «تيبو» في بناء مصانع خاصة، مثل النسيج والأخشاب للاستفادة من الثروة الطبيعة للخامات في بلاده، كما شجع المواطنين على العمل بهذه المصانع، وكان يهدف من وراء ذلك لتأسيس قاعدة شعبية منتجة وقادرة على التصنيع والابتكار، وسك العملة، حتى عمّ الرخاء في أيامه على الرغم من الحروب المستمرة بينه وبين الإنجليز والهندوس، وقد ترك ميسور وهي قوة اقتصادية كبيرة، مع أعلى معدلات للأجور في العالم في أواخر القرن الـ18.

جهاد «تيبو» ضد الإنجليز

كانت ميسور تمثل في أواخر القرن الـ18 العقبة أمام الاحتلال الإنجليزي لبلاد الهند، فقد كانت معقل الثورة وموئل المسلمين المجاهدين، وحصن الإسلام الأخير في بلاد طالما حكمها المسلمون وأقاموا على أرضها حضارة عظيمة، لذلك اختص الإنجليز ميسور بحروب متتالية عرفت تاريخيًا باسم «حروب ميسور»، وكانت 3 حروب استمرت أكثر من 20 سنة متصلة من أيام الأمير حيدر خان والده.

العلاقة بين نابليون بونابرت والسلطان «تيبو»

السلطان تيبو
السلطان تيبو

انتصارات «تيبو» الساحقة ضد الإنجليز وابتكاراته القتالية وصواريخه المرعبة دفعت نابليون بونابرت للتفكير في التحالف معه لطرد الإنجليز من الهند، فقد كان أحد دوافع نابليون لغزو مصر إنشاء ارتباط مع الهند ضد البريطانيين.

وذلك لطموح نابليون في تأسيس وجود فرنسي في الشرق الأوسط، وكان حلمه الأقصى هو الارتباط مع السلطان «تيبو»، فقد جاء في مذكرات نابليون قوله: «إنه بمجرد فتحه مصر، فسوف يقيم العلاقات مع الأمراء الهنود، ومعهم سوف يهاجم الإنجليز في ممتلكاتهم»، إلا أن طموحات نابليون ذهبت أدراج الرياح بعد هزيمته في مصر والشام.

استشهاد السلطان «تيبو»

لم تكتمل الانتصارات الكبيرة التي حققها السلطان تيبو، فتحالف الإنجليز مع خونة المسلمين وكفار الهندوس ضده، وفقد «تيبو» الكثير من أراضيه، فقرر الإنجليز القضاء نهائيًا على السلطان وتصفية مركز المقاومة في ميسور ولكنهم فوجئوا بكثافة جيوش «تيبو»، واستعداده الدائم لمواجهتهم إضافة لتطويره صواريخ جديدة أوقعت خسائر كبيرة بالهندوس عند تمردهم ضده آخر مرة.

فهاجم الإنجليز سور القلعة حتى هدموه بنيران المدفعية، ولما أخبر السلطان بأن الإنجليز دخلوا إلى القلعة نفسها، أمر السلطان عساكره بالمقاومة والجهاد، وأراد أن يخرج من بعض أبواب القلعة، ولكن مير صادق ذهب وأغلق الباب بنفسه؛ كي لا تنجح حيلة السلطان في الهرب، فلو هرب السلطان لكان له نجاح باهر؛ لأن كثيرًا من عساكره كانت في مدن أخرى، وكانت رقعة مملكته واسعة تحتوي على كثير من المدن والقرى.

ورأى تيبو معسكر الإنجليز زاحفا نحوه، فهجم عليهم وقتل اثنين أو 3 منهم وظل يقاتلهم وهم لا يعرفون أنه السلطان من ضراوة قتاله حتى سقط شهيدًا رحمه الله، بعد أن أبت عليه كرامته وعقيدته أن يقع أسيرًا بيد الإنجليز، واستشهد رحمه الله، والتمس الإنجليز جثته وجمعوا أسرته فتبينوا أن هذا هو جثمان السلطان ودفنوه بكل كرامة إلى جانب قبر أبيه حيدر علي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى