ثقافة ومعرفة

العز بن عبدالسلام.. سلطان العلماء الذي باع أمراء المماليك

مُني العالم الإسلامي في القرون الخامسة، والسادسة، والسابعة بسلسلة من الفتن والحروب (الصليبية والتتار)، وفي وسط هذه الفتن نشأ العالم العظيم سلطان العلماء العز بن عبدالسلام، فكان وجوده نسمة من نسمات الرجاء التي تهب على قلوب اليائسين، وومضة نور تضيء الطريق وسط الظلام.

إنه إمام عصره بلا منازع، قد أنعم الله عليه من العظمة، ما لم يؤت عالما غيره في عصره، فكان من كبار المفكرين، عالما بأمور الدين ولا يخاف في الحق لومة لائم، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أخذ على عاتقه نصرة الحق ورفع راية الدين فهو القائل: «ينبغي لكل عالم إذا أذل الحق وأخمل الصواب أن يبذل جهده في نصرهما، وأن يجعل نفسه بالذل والخمول أولى منهما، وإن عز الحق فظهر الصواب أن يستظل بظلهما وأن يكتفي باليسير من رشاش غيرهما».

من هو العز بن عبدالسلام؟

نقلا عن «الأعلام» للزركلي: هو عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقيّ، عزالدين الملقب بسلطان العلماء، ولد بدمشق عام 577 هـ — 1181 م، توفي ودفن في مصر عام 660 هـ — 1262 م.

العز بن عبدالسلام

نشأ في دمشق في أسرة فقيرة، وقد ذكر ابن السبكي في كتابه (طبقات الشافعية الكبرى) أن العز في صغره كان فقيرا جدا، ولم يطلب العلم إلا على كبر وقد تردد إلى كبار شيوخ عصره، ثم سافر إلى بغداد سنة 599 هـ لطلب العلم، وعاد إلى دمشق التي قضى فيها الشطر الأكبر من حياته وعمل في تدريس علوم الدين بالمدرسة العزيزية والزاوية الغزالية، وعمل بالإفتاء ولم يكن الإفتاء في عصر العز مهنة رسمية يتقاضى عليها المال، إنما كان عملا تطوعيا يتولاه العالم الذي يرى في نفسه الأهلية والورع والتقوى.

وكان العز مفتي الشام، كما عمل بالقضاء، والخطابة بالجامع الأموي، حتى عزله الملك الصالح إسماعيل عم الملك نجم الدين أيوب (حاكم مصر) ومنعه من الصعود على المنبر، لأن العز بن عبدالسلام أنكر على الملك الصالح تحالفه مع الصليبين ولم يدع له في الخطبة، ثم سجنه وبعد فترة أفرج عنه فقرر العز الرحيل إلى مصر، فرحب به الملك نجم الدين وولاه القضاء والخطابة بمسجد عمرو بن العاص، ولقد لاقى العديد من المصاعب في القضاء، فقرر الاعتزال والتفرغ للتدريس والإفتاء حتى اختاره الله إلى جواره سنة 660 هـ.

مواقف العز بن السلام الفقيه المجاهد

لم يجاهد العز بن عبدالسلام بالسيف، ولكن جاهد بكلمة الحق أمام الحكام وكان كل همه رفعة الحق والدين، ومن أبرز أعماله ومواقفه:

بيعه لأمراء المماليك

عندما تولى القضاء في مصر لاحظ أمرا يخالف الشريعة، وهو أنه وجد المماليك الذين اشتراهم الملك نجم الدين من أموال الدولة، بهدف خدمته هو وجيشه والاستعانة بهم في تصريف أمور الدولة، يتصرفون بالبيع والشراء بكل أريحية، وهو أمر باطل شرعا لأن المملوك لا ينفذ تصرفه، فعمل على وقف كل عقود البيع والشراء لهم، وقد ضايقهم ذلك فاجتمعوا عنده فقال لهم لا بد من إصلاح وضعكم وبيعكم ورد الأموال إلى بيت مال المسلمين ثم عتقكم حتى تتمكنوا من التصرف بحرية في البيع والشراء.

فشكوه للملك نجم الدين فغضب، فلما علم العز عزل نفسه من القضاء وقرر الرحيل من مصر لأن حاكمها رفض أن ينفذ شرع الله، وحمل أمتعته مستعدا للرحيل فتبعه العلماء وتلاميذه والعامة وكان الأمر أشبه بالمظاهرة، ووصل الأمر لنجم الدين فخرج مسرعا ملاحقا للعز وطلب منه أن يرجع وينفذ حكم الله. وبالفعل باع العز بن عبدالسلام المماليك ورد الأموال إلى بيت المال.

رفضه الإقرار بحكم شجرة الدر

عندما توفي نجم الدين أيوب تولت بعده الحكم زوجته شجرة الدر، فرفض العز أن يتولى أمر المسلمين امرأة لأن هذا مخالف لشرع الله، فنزلت على رأيه وتزوجت عزالدين أيبك ثم قتلته بسبب الغيرة عليه، فقتلتها زوجته وتولى حكم المسلمين الملك المظفر قطز.

رفضه جمع المال من الفقراء

سنة(656هـ- 1258 م) وقعت النكبة وغزى التتار العالم الإسلامي وسقطت بغداد وزحفوا إلى الشام ومصر، فجمع سيف الدين قطز العلماء وطلب الإفتاء بجمع المال من العامة للجهاد، فرفض العز وطلب أن يجمع الذهب والمال من الأمراء والأغنياء فإن لم يكف يجمع من الفقراء.

سلطان العلماء العز بن عبد السلام
سلطان العلماء العز بن عبد السلام

مؤلفات العز بن عبدالسلام

تكمن عظمة شيخنا، في أنه رغم كل المحن التي مر بها والأزمات إلا أن هذا لم يمنعه من طلب العلم والوصول إلى لُب الشريعة، وهذا يلمسه كل من قرأ كتابه (قواعد الأحكام) وقد ترك لنا العز ثروة عظيمة في الفقه والتفسير من أشهر هذه المؤلفات كتابه في تفسير القرآن الكريم اختصره الموردي في تفسير  «النكت والعيون».

وكتاب «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز» وكتاب فوائد في مشكل القران».

ظل العز يجاهد بالرأي والقول والفعل، فأنار ظلمة الجهل حتى انتقل إلى جوار الله تاركا لنا تركة عظيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى