الصحة النفسية

هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية تمامًا دون رجعة أم لا؟

في أواخر خمسينات القرن الماضي، كان هناك سؤال مستمر وملح وهو هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية والعقلية؟ وكان الاعتقاد السائد هو أنه لا شفاء منها لإيمانهم بأن هذه الأمراض ذات تأثير دائم ومستمر طوال عمر الفرد، إلا أن هذا التفكير تغير تمامًا في الوقت الحاضر، فكثير من المرضى أصبح بإمكانهم الشفاء من أغلب الاضطرابات النفسية بشكلٍ نهائي بعد تلقي العلاج المناسب لكل مرض على حدة.

هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية بشكلٍ نهائي؟

هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية
يرى الكثير من الأطباء أنه لكي يستطيع الفرد التعافي تمامًا من الأعراض النفسية، فإنه بحاجة إلى اكتشاف المرض بشكل مبكر أي في خلال الستة شهور الأولى من الإصابة والخضوع للعلاج السريع والمناسب للحالة، حيث إنه بعد تلك الفترة تتحول المشكلة النفسية إلى أخرى مزمنة تحتاج إلى مدة أطول في علاجات مكثفة.

الشفاء من الأمراض النفسية

الشفاء من أي مرض سواء كان جسديا أو نفسيا هو عملية فردية، تعتمد سرعة الاستجابة فيها على طبيعة المرض وحدته، وتوقيت تشخيص المرض، ومدى اعتراف المريض بوجود مشكلة لديه وإسراعه في تلقي العلاج المناسب، هذا مع فهم طبيعة المرض فهمًا جيدًا وتقبل إمكانية أن يكون المرض على هيئة موجات كأي فترات من تحسن الحالة الصحية بالتبادل مع فترات أخرى من سوء الحالة مرة أخرى.

أمور ضرورية للتخلص من المرض النفسي

يؤكد جميع الأشخاص الذين خضعوا لإعادة التأهيل النفسي والعقلي أن هناك بعض الضروريات التي يجب أن يقوم بها كل شخص، لكي يصل إلى مستوى مستقر من الحالة النفسية، وأهم هذه الأمور يمكن تلخيصها كما يلي:

تقبل الذات

كي يستطيع أي مريض نفسي أو عقلي إحراز تحسن في حالته النفسية، عليه أن يتقبل نفسه ويقدرها ويتقبل طبيعة مرضه مهما كانت خطيرة وغير مفهومة، فكثير من الأشخاص الذين يعانون من مرض الاكتئاب يشعرون بشكل دائم بالدونية، وعدم تقبل الآخرين من حولهم، مع شعور مستمر من الخجل والذنب، لهذا واحدة من أهم خطوات الشفاء من الأمراض النفسية هي تقبل الذات بمميزاتها وعيوبها تقبلا تاما.

محاولة الاندماج مع الآخرين

أن ينعم بالمريض بأشخاص كثيرين من حوله، يستمعون له ويتفاعلون معه بطريقة صحية، يُسهل عليه الشعور والرغبة في الانخراط في المجتمع من جديد ومحاولة الخوض في دروب الحياة مهما بلغت صعوبتها، لهذا يحرص بعض الأطباء النفسيين على أن يشارك المريض في مجموعات العلاج الجماعي ودعم الأقران.

الصبر الشديد على مراحل المرض المختلفة

المرض النفسي
الفترات الجيدة والمستقرة التي ينعم بها المريض غالبًا ما تتبادل مع فترات الانتكاسة، لهذا فإن المريض بحاجة لأن يكون صبورا بشكل كبير ويؤمن بأن جميع المراحل السيئة سوف تمر وأنه لا بد من أن الوقت الجيد سوف يأتي لا محالة، كذلك التحلي بالصبر  الشديد في تناول الأدوية، لأن الاضطرابات النفسية تتطلب مدة زمنية طويلة قد تصل لأعوام حتى تختفي الأعراض ويستعيد الشخص توازنه النفسي.

التعامل بشكل ذكي مع تأثير المرض

غالبًا ما يؤثر المرض النفسي على حياة الفرد سواء على شعوره العام وعلاقاته الاجتماعية وأدائه الوظيفي، لهذا هو بحاجة إلى اتباع أساليب صحية في التعامل مع هذا الأثر جيدًا، كي لا يُصاب بإحباط أكبر كلما تعقد جانب من جوانب حياته بسبب طبيعة مرضه.

النظام الغذائي والرياضة والنوم

يجب أن تشمل الخطة العلاجية  تنظيم العادات اليومية وأهمها تنظيم الحمية الغذائية من خلال تناول طعام صحي متوازن يمد الجسم بالفيتامينات والمعادن، يساعده في تحسين أداء جسمه وكذلك الحالة المزاجية لديه وبشكل خاص أطعمة مثل الفواكه.
ممارسة الرياضة واحدة من أهم الطرق التي تساعد في تحسين الحالة المزاجية والتخلص من أية مشاعر سلبية، كذلك أنها تعمل على تنشيط الدورة الدموية مما يعني تحفيز المخ على العمل بصورة جيدة، وكذلك النوم عدد ساعات طبيعي جدًا في اليوم مهم في تحسين عمل الدماغ.

الفرص الاجتماعية

الانخراط في المجتمع يحتاج إلى مبادرة فردية من الشخص، وذلك حتى يستطيع التعامل مع عناصر المجتمع المختلفة ويتعلم كيفية الحفاظ على سلامه النفسي دون أن يتعرض لأية انتكاسات جديدة، ومن أهم هذه الفرص؛ التطوع في الأنشطة المجتمعية وبشكل خاص الأنشطة النفسية.

دور الأدوية في الشفاء من الأمراض النفسية

تلعب الأدوية النفسية دورا مهما للغاية في علاج المشاكل النفسية، إلا أنها تحتاج إلى استشارة طبية أولًا وذلك لتنظيم الجرعات بشكل يناسب حدة المرض ومدته، مع حرص الطبيب على تقديم تثقيف صحي للمريض عن طريقة عمل الأدوية على النواقل العصبية وضبطها بصورة طبيعية مثل الدوبامين والسيروتونين لمرضى الاكتئاب والهوس الاكتئابي.
مع تأكيد الطبيب أن الأدوية النفسية لا تسبب أي نوع من الإدمان، وإنما هي تحتاج إلى تنظيم شديد في تناولها وكذلك تنظيم شديد في التوقف عنها حتى يستعيد الدماغ عمله بصورة طبيعية، وجميع تلك الاحتياطات تعتبر إجابة وافية لسؤال هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية بالأدوية أم لا؟

هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية بالعلاج النفسي وحده؟

الشفاء من الامراض النفسية
معظم الأمراض النفسية يمكن علاجها بشكل فعال، خاصة إذا كان التشخيص مبكرًا فإنه يضمن حصول المريض على نتائج أفضل، فالعلاجات الفعالة تشمل العلاج بالأدوية الطبية، والدعم النفسي من خلال الجلسات العلاجية سواء كانت فردية أو جماعية، غالبًا ما يلجأ الأطباء إلى المزج بين العلاج النفسي والعلاج عن طريق الأدوية الطبية وذلك لمقاومة المرض بكافة الطرق الممكنة، واختبار أي الطريقتين أفضل مع المريض:

العلاج النفسي

يتم هذا النوع من العلاج النفسي على هيئة جلسات نقاشية بين الطبيب أو الأخصائي النفسي والمريض، يتحدث فيها المريض عن أفكاره والأعراض التي يواجهها، ومحاولة البحث عن أسباب لمشكلته، وكذلك محاولة إيجاد طريقة مناسبة لمواجهة المشكلة التي يعاني منها، كذلك يساعد العلاج النفسي في تعلم كيفية التعامل مع الضغط والشعور بالتوتر، وكيفية تجنب أسباب الانتكاسات النفسية بسهولة.
تعتبر برامج الدعم النفسي المجتمعي من أهم الطرق التي تساعد على إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للشخص خاصةً إذا كان يعاني من نوبات متكررة ولا يستجيب للأدوية بسهولة، ومن أهمها مجموعات الدعم المتبادل.

العلاج بالأدوية

تعمل الأدوية الطبية على تنظيم عمل الدماغ من خلال تحسين إفراز النواقل العصبية، مما يعيد للدماغ توازنه الكيميائي الطبيعي، ومن ثم التقليل من حدة الأعراض تمامًا.

العلاج بتحفيز الدماغ

العلاج بالصدمات الكهربائية والعلاج بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، وتحفيز العصب المبهم، والتحفيز العميق للدماغ تعتبر واحدة من الوسائل التي قد تساعد في محاربة الأعراض النفسية، إلا أنها تتطلب فهما جيدا من المريض لهذا النوع من العلاجات.

برامج التشخيص المزدوج

تقوم هذه البرامج على دعم الذين يعانون من مشكلات تعاطي المخدرات وأمراض نفسية مزمنة، حيث تتزامن أعراض الانسحاب غالبًا مع سوء الحالة النفسية للمريض، مما يجعله بحاجة إلى تشخيص وعلاج مزدوج لمواجهة كلا المشكلتين.

علامات الشفاء من المرض النفسي

علامات الشفاء من الأمراض النفسية
هل يمكن الشفاء من المرض النفسي؟ لا بد وأنه سؤال يلح على تفكيرنا جميعًا، والإجابة هي نعم، يمكن الشفاء منه بنسبة كبيرة ويمكن السيطرة على المرض واستعادة القدرة على ممارسة أنشطة الحياة اليومية، وإليك بعض العلامات التي تدل على شفاء المريض منها:

  • استعادة الحالة الطبيعية للشهية، وعودة الرغبة في تناول الأطعمة المحببة.
  • العودة لأداء الأنشطة اليومية بشكل طبيعي، دون وجود لأية مشاعر سلبية.
  • العودة للانخراط في المجتمع المحيط من جديد.
  • عودة العلاقات الاجتماعية للفرد إلى إطارها الطبيعي سواء بالأسرة أو بالأصدقاء.
  • تقبل الذات وتقديرها جيدًا حتى تتحسن رؤية الشخص لنفسه.
  • اختفاء الهلاوس إذا كان المريض من مرضى الفصام.

التشخيص السليم هو أساس التعافي والشفاء من أي مرض، وكذلك تحلي المريض بالإرادة والعزيمة لمقاومة أية حالة نفسية سيئة، ويشمل التعافي أيضًا السعي الدائم للمريض للتعلم والمعرفة عن مرضه حتى يستطيع التعامل مع مرضه بشكل صحيح على مدار فترة العلاج الفعال.

هل يمكن الشفاء من المرض النفسي بدون طبيب؟

من الممكن جدًا أن تسوء حالة المريض للغاية ويعاني من مضاعفات أعنف، وهو الأمر الذي يجعل من علاجه أمرا أصعب وجعل فترة التعافي والشفاء أطول، اللجوء لطبيب نفسي ضروري للغاية لمعرفة نوعية المرض النفسي الذي يعاني منه المريض، وإلى أي درجة تصل حدة المرض لديه، وكذلك لأنه صاحب القرار الأول والأخير في تحديد نوعية العلاج التي سيخضع لها المريض.
لا يمكن أبدًا التعافي من أي مرض نفسي بدون الاستعانة بطبيب نفسي متخصص، فالتقييم النفسي والفحص الجسدي الشامل هو مهمة الطبيب للوصول إلى التشخيص الصحيح ونفي وجود أية أمراض جسدية مسؤولة عن الأعراض النفسية، لذلك ليس هناك استغناء عن وجود الطبيب في أي حالة نفسية مرضية.
هل يمكن الشفاء من الأمراض النفسية؟ سؤال يفرض نفسه على تفكير كل شخص منا، خاصةً وأننا جميعًا معرضون للإصابة بمرض نفسي مثل الاكتئاب أو القلق العام، ولهذا فإننا بحاجة إلى فهم أسباب المرض والعوامل المؤثرة عليه، وكيفية التعامل معه والتأقلم مع وجوده، والحرص على تقديم الدعم النفسي والمعنوي لكل مريض يخوض رحلته العلاجية ضد مرضه النفسي.

المصادر:

نامي.
ساني.
بريد بيهيفيروال هيلث.
ويكيبيديا.

زر الذهاب إلى الأعلى