الصحة النفسية

اضطراب الشخصية الوسواسية.. كيفية التعامل معه وعلاجه

كان اضطراب الشخصية الوسواسية أحد أهم النقاشات الدائرة منذ نشأة ما يعرف بالتحليل النفسي، حيث وضع النمساوي عالم النفس «سيجموند فرويد» الخصال الرئيسية لهذه الشخصية عام 1908 والتي تتمحور حول الانشغال بالنظام، التدبير والعناد، والتي تماشت بشكل كلي مع مفهوم الشخصية الخاص به.

ما هو اضطراب الشخصية الوسواسية؟

اضطراب الشخصية الوسواسية
السعي للكمال

علميًا؛ يعتبر اضطراب الشخصية الوسواسية (Obses­sive- Com­pul­sive Per­son­al­i­ty Dis­or­der) أحد الاضطرابات الشخصية التي يمتلك المصاب بها نمطًا عامًا من القلق، الاهتمام البالغ بالتفاصيل، والرغبة الدائمة في السيطرة، وأحيانًا ينظر للمصاب بهذا الاضطراب كمدمن للعمل أو كبخيل.

ويعاني المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية من صعوبة الاسترخاء، لشعوره الدائم بأن الوقت يمر بسرعة، لذلك لا بد أن يبذل جهدًا مضاعفًا لتحقيق أهدافه، ويظهر ذلك على هيئة رغبة واضحة في التحكُّم الكامل ببيئته، أو كراهيته لأي شيء لا يمكنه التنبؤ به.

أعراض الشخصية الوسواسية

اضطراب الشخصية الوسواسية
فقدان الرغبة في المرح.

وضع علماء النفس قاعدة من الأعراض التي وقت أن تظهر على أي شخص، يمكن تشخيصه آنذاك كمصاب باضطراب الشخصية الوسواسية، وتتماشى هذه الأعراض في مُجملها بشكل كبير مع التعريف العلمي لهذا الاضطراب، حيث يُظهر صاحب الشخصية الوسواسية الآتي:

السعي للكمال

يتسم المصابون باضطراب الشخصية الوسواسية بالمثالية المُفرطة، حيث يفرضون قواعد على أنفسهم خلال أي نشاط يقومون به، ولا يحيدون عنها، حتى وإن كانت هذه القواعد الصارمة قد تقودهم إلى نتائج سلبية، لكن الأهم في وجهة نظرهم هو الشعور بالتحكّم.

فمثلًا؛ قد يبذل الشخص الوسواسي قصارى جهده بالعمل، رغبة في أن يظهر كموظف مثالي، لكن بافتقاده للمسة الارتجالية، قد يفشل في إكمال مهمته، مما يضر مصلحة العمل بشكل عام.

زوال الرغبة في المرح

بنفس السياق، وبما أن المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية يسعى دائمًا وأبدًا للتمسّك بضوابطه وقواعده الخاصة، فحين يُنجز عملًا، وأثناء تخطيطه لمكافأة نفسه بقضاء وقت قصير من المرح، يفشل في ذلك.

يحدث هذا لأنه يبدأ في التفكير في كيفية الحفاظ على صورة الذهنية التي يرسمها المحيطون به عنه بدلًا من التركيز على كيفية الاحتفال، ومع التكرار تزول رغبة الشخص في المرح من الأساس.

الاعتماد الكُلّي على النفس

لا يثق صاحب الشخصية الوسواسية في قُدرات الآخرين، بالتالي يصعُب عليه تفويضهم لإنجاز أي مهمة، مهما كانت عاديةً من وجهة نظر عامة، لذلك قد يتعرض هؤلاء لمشكلات ضخمة في حياتهم العملية.

تتفاقم الأزمات العملية للمصابين باضطراب الشخصية الوسواسية بسبب رغبتهُم الدائمة في إنجاز الأشياء بأنفسهم، وهذا ما قد يتعارض بشكل نسبي مع بعض الأعمال التي يتوجب على فريق العمل المشاركة لإنجازها.

عدم الاكتراث برأي الآخر

لأن المصاب بـ اضطراب الشخصية الوسواسية يتسم عادةً بالعناد والمكابرة بجانب ثقة العالية بنفسه وقدراته، فمن البديهي أن يظهر صارمًا تجاه وجهات نظره، حتى وإن كانت خاطئة، وبالتالي لا يعطي انتباها للرأي الآخر، الذي قد يختلف معه.

اضطراب تناول الطعام

كما اتفقنا، يمكن للمصاب باضطراب الوسواسية أن يتحكم بشكل شبه كامل في قراراته، وفقًا للقواعد التي وضعها مسبقًا لنفسه، بالتالي فهو عرضة للإصابة باضطرابات الطعام.

في محاولة لتفسير هذه الظاهرة، تعود الإصابة لاضطرابات الطعام بسبب التحكم الذاتي لصاحب الشخصية الوسواسية وقدرته المذهلة على تأخير مواعيد تناول الطعام، أو تقديمها، وهذا ما يجعل نظامه الغذائي مضطربًا، لأنه لا يمتلك مواعيد ثابتة لتناول الطعام.

أسباب اضطراب الشخصية الوسواسية

حقيقةً لم يتوصل علم النفس لأسباب الإصابة بهذا الاضطراب، لكن بشكل عام، يمكن إرجاع هذه الإصابة إلى سببين رئيسيين مثل معظم الاضطرابات، وهي الأسباب الوراثية والأسباب البيئية.

ويعتقد البعض الآخر أن حدوث الإصابة نتاج لمزيج من العاملين السالف ذكرهما، بحيث تظل الأسباب الوراثية كامنة داخل الفرد حتى يتم تفعيلها بفعل الأسباب البيئية، عند تعرُّض الفرد لأي موقف يستثيرها، مثل التعرُّض لاعتداء جسدي أو عاطفي، يجعله أكثر تشككًا ورغبةً في الاعتماد على نفسه.

طريقة التعامل مع اضطراب الشخصية الوسواسية

دون شكٍ، الجميع مُعرض للاحتكاك بمن هو مصاب بذلك الاضطراب، وبالتأكيد لا يُمكن أن يكون الحل الأول الذي يتم اللجوء إليه هو الإقصاء، لذلك وضع علماء النفس عددًا من الخطوات التي يمكن من خلالها احتواء صاحب الشخصية الوسواسية وهي:

التفهم

لعل أهم سُبل التعامل مع المصاب بالشخصية الوسواسية هي محاولة تفهُّم أسباب قلقه، بل والسعي لتهدئة وطأة المشاعر التي يسببها هذا القلق.

وضع حدود في التعامل

بعد مسألة التفهُم يأتي دور وضع إطار واضح للتعامُل معه، بحيث يتم توعية المصاب بأنه حتى وإن كان يرغب في التمسُّك بقواعده المثالية، فلا ينبغي أن تُقيّد حرية الآخرين بهذه القواعد، بالتالي لا يمكن له أن يستخدم رغباته كمبرر لسلوكه القمعي أو المسيء، وبنفس الوقت لا يجب أن يتم وصفه كذلك بالشخص السيئ في المطلق، لكن خير الأمور الوسط.

التقدير والحب

يفتقد المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية للقدرة على إظهار مشاعر مثل التقدير والحب، بالتالي لا بُد وأن يبدأ من يتعامل معه في مشاركته هذه المشاعر التي يفتقر إليها.

هل يمكن علاج اضطراب الشخصية الوسواسية؟

اضطراب الشخصية الوسواسية
العلاج السلوكي.

علاج اضطراب الشخصية الوسواسية أمر معقد للغاية، لأن المصاب به عادة ما يكون في حالة إنكار مستمرة، ويرفض بشكل قاطع خضوعه للعلاج، لذلك تكون المهمة الأصعب بالنسبة له وللمحيطين به هي مواجهته بحقيقة مرضه النفسي، بعد ذلك تبدأ مرحلة العلاج التي تنطوي على مزيج من العلاج السلوكي والدوائي.

العلاج السلوكي

تكون مهمة الطبيب النفسي في هذه الحالة تجنُّب التركيز على أفكار المصاب باضطراب الشخصية النرجسية، والتركيز بشكل أكبر على المشاعر الإيجابية التي يمكن أن يسترجعها فور تخلصه من مرضه.

العلاج الدوائي

إذا لم تنجح خطوة العلاج السلوكي، يتطرق الطبيب النفسي للحل الآخر وهو صرف مجموعة من العقاقير التي تقوم بدورها بمنحه القدرة على التركيز في التفاصيل وتفادي الجمود.

الفارق بين اضطراب الشخصية الوسواسية والوسواس القهري

اضطراب الشخصية الوسواسية
الشخصية الوسواسية والوسواس القهري

بالتأكيد قد سمعت من قبل عما يعرف باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية، وهو أحد مضاعفات الإصابة باضطراب الشخصية الوسواسية، بمعنى أن ليس كل من هو مصاب باضطراب الشخصية الوسواسية يعاني من الوسواس القهري.

لذلك؛ كشف علماء عن عدة عوامل توضح الفارق بين المصاب بالوسواس القهري واضطراب الشخصية الوسواسية في العموم، والتي تدور حول مفهوم ارتكاب المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية القهرية لأي تصرف عن غير عمد.

الإصابة بالهلاوس

المصاب بالوسواس القهري يعاني من الهلاوس غير المنطقية، لكن صاحب الشخصية الوسواسية لا يعاني من أي هلاوس، لكنه يعتقد فقط أن وجهة نظره هي الأصح على الدوام.

الدافع

ما يشغل بال المصاب بالوسواس القهري على الدوام هو أفكاره، على عكس المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية الذي ينشغل فقط بقائمة أعماله اليومية وما يمكنه إنجازه طبقًا لقواعده الخاصة.

التأثير على المحيطين

يؤثر مصاب الوسواس القهري على حياته فقط، بل أحيانًا قد يفسدها بسبب أفكاره اللامنطقية، بينما يتخطى تأثير صاحب اضطراب الشخصية الوسواسية ذاته ويصل للآخرين، بسبب رغبته الدائمة في التحكم بهم.

الاعتراف

يُدرك المصاب بالوسواس القهري بأنه مريض، وقد يطلب المساعدة حتى يتماثل للشفاء، بينما لا يعتقد المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية أنه مريض من الأساس.

أخيرًا؛ يتبقى فقط أن نخبرك بأن اضطراب الشخصية الوسواسية مرض مُدرج في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية منذ سنة 1952، ما يعني أنه لا يتوجب التعامل مع المصاب به كشخص سليم، وينصح بالمسارعة في مواجهته ونصحه بزيارة الطبيب النفسي لخوض رحلة العلاج.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى