الصحة النفسية

كيفية التعامل مع الشخصية الشكاكة

دائمًا ما يكون التعامل مع الشخصية الشكاكة صعبًا ومؤرقًا للجميع؛ وذلك لأن هذا الاضطراب الشخصي يجعل الإنسان أقل قُدرة على تصديق البشر، وأكثر ارتيابًا وشكًا في الجميع، حتى وإن كانوا ضمن دائرته الاجتماعية المقربة مثل أسرته أو أصدقائه.

ما هو اضطراب الشخصية الشكاكة؟

التعامل مع الشخصية الشكاكة
انعدام الثقة بالآخرين.

اضطراب الشخصية الشكاكة هو أحد أخطر أنواع الاضطرابات الشخصية، التي يتسم أصحابه بتبنيهم لنمط تفكير لا منطقي؛ حيث يُقدمون على تفسير تصرفات الآخرين من وجهة نظرٍ بعيدة عن الواقع، تجعلهم مرتابين طوال الوقت، وهو ما يحوّلهم بعد ذلك لبشر أعنف، أكثر إيذاءً، والأهم لا يمتلكون القدرة على إحسان الظن بالآخرين.

الشك في حد ذاته يعد اضطرابًا نفسيًا، يصيب من 0.5% إلى 2.5% من البشر وفقًا لبعض الإحصائيات، وتميل الشخصية الشكاكة في الأغلب إلى سوء الظن في نوايا الآخرين، وتوّقع الأسوأ منهُم، لأن الأوهام المسيطرة عليها تقنعها بأن الآخرين يكيدون لها المكائد، لذلك فهي دائمًا تحافظ على البقاء في وضعية الاستعداد لمهاجمة الآخر بأسلوب عدائي.

طرق التعامل مع الشخصية الشكاكة

التعامل مع الشخصية الشكاكة
التحلي بالصراحة والوضوح.

بما أننا اتفقنا على أن مشكلة صاحب الشخصية الشكاكة تتمحور في العموم حول ثقته بالآخرين، وارتيابه المستمر من نواياهُم التي يكنّونها له، بالتالي يكمُن حُسن التعامل مع الشخصية الشكاكة في تجنُّب الأشياء التي تؤرقه، حفاظًا على سلامته النفسية، وسلامة من حوله بالتبعية.

وضع علماء النفس خطوات توضح كيفية التعامل مع الشخصية الشكاكة إن اضطر أحد للتعامل معهم بصفة دوريًا حيث لا يمكن أن يكون التجاهل حلًا في هذه الحالة، وجاءت القائمة كالتالي؛

الوضوح

يعاني الشخص الشكاك من عدم الراحة تجاه نوايا الآخرين تجاهه، لذلك فهو لا يثق بأحد، ولا يُعطي نفسه فرصة حتى لذلك، خوفًا من أن يضع ثقته في غير محلها، وفقًا لوجهة نظره الشكاكة.

بالتالي يجب على من يتعامل مع صاحب الشخصية الشكاكة أن يتحلى بالوضوح والصراحة معه قدر المستطاع، حتى ينتزع ثقته، ويجعله يخلق صورة ذهنية جيدة عنه، وبهذا يخرُج من دائرة شكوكه، لأنه لا يكذب، لا يخون، وصريح بكل أقواله وأفعاله.

 لا تُجادل

لا ينصح بأن تُجادل الشخص الشكّاك، لأن النقاش هو منطقة الراحة التي تُحفز الشك لديه، حيث يبدأ في تفسير كلماتك حسب تخيلاته الوهمية ويبدأ في تحميل عباراتك ما لا تحتمله من تأويل، لذلك من الأفضل أن تبتعد تمامًا عن الجدال مع صاحب الشخصية الشكاكة، واتباع أسلوب حوار قصير المدى، واضح المعاني، ويفضّل أن تتسم العملية بأسرها بالهدوء، وقتئذٍ يمكن أن يقتنع الشخص الشكاك بأنه على خطأ، ويتفهّم موقفك.

الاحترام

قد يرجع السبب في تبني الشخص الشكاك لأسلوبه إلى عقدة متأصلة لديه من فترة الطفولة، لذلك لا يفضّل أن تعامل صاحب الشخصية الشكاكة بقلة احترام أو احتقار، لأن هذا قد يذكره بفترة يكرهها، لكن الأفضل هو معاملته باحترام وتقدير، بالإضافة إلى محاولة إثبات ولائك له بالشكل المناسب، كي يستطيع التخلّص من الشك الذي يلازمه.

الحذر

من آليات الدفاع الخاصة بالشخصية الشكاكة أيضًا هي محاولة أصحابها إسقاط أخطائهم على الآخرين، من أجل إيجاد مبرر منطقي لتبرير شكهم في من حولهم، بالتالي يكون التصرُّف المثالي آنذاك هو الحذر الشديد أثناء التعامل مع الشخصية الشكاكة، وتوضيح الأمور وتفسيرها لهم باستخدام الحجج والأدلة والبراهين، التي تثبت حسن نيتك، وسوء ظنهم.

أسباب تكوّن الشخصية الشكاكة

انقسمت الآراء حول الأسباب الحقيقية للإصابة باضطراب الشخصية الشكاكة، خاصةً وأنه لا يصنف كاضطراب مرضي، لذا تأرجحت التفسيرات حول العوامل الحقيقية التي تؤثر مباشرة في تكوين الشخصية الشكاكة بين كونها عضوية أو اجتماعية.

الأسباب العضوية

تعد مادة الدوبامين مسؤولة عن صعود أو هبوط بعض المشاعر مثل السعادة والحزن، التحدي وحتى الشك، وبمزيد من التدقيق لاحظ العلماء المختصون بدراسة الأدمغة والأعصاب بعد دراسات مطولة أنه من الممكن أن يكون للشك أسباب عضوية، حيث إن زيادة مادة الدوبامين بالفص الأمامي من الدماغ، تجعل الشخص أكثر ميلًا للشعور بالشك، التحدي، والحذر المبالغ به.

الأسباب الاجتماعية

تعتقد شريحة واسعة من علماء النفس أن الشك في الأغلب يكون نابعًا من أسباب اجتماعية تتلخّص في تعرّض صاحب الشخصية الشكاكة للمعاملة بقسوة وقلة احترام بفترة الطفولة أو المراهقة، نتج عنها شعور بالخوف والألم الاجتماعي، بالتالي يكون الحل لهذا الشخص الذي لم يكتمل نضجه العقلي وقتئذ هو الحذر من الجميع تجنبًا لاختبار أية مشاعر سلبية أخرى.

 سمات الشخصية الشكاكة

وضع علماء النفس قائمة من السمات الأبرز للشخص الشكاك، والتي يمكن لها أن تشرح كيفية التعامل مع الشخصية الشكّاكة بالطريقة المثلى، وجاءت القائمة كالتالي؛

  •  الاعتقاد الراسخ بأن الجميع يحاول إيذاءه.
  •   إعادة النظر في ولاء وموثوقية الأهل والأقارب.
  • رفض البوح بأية تفاصيل شخصية خوفًا من أن يعاد استخدامها ضده.
  • تفسير المواقف بطريقة متطرفة تجعله يشعُر بأن الآخر يحاول إلحاق الضرر به.
  • التمسُّك بقدر ضخم من الحقد، الكراهية والضغينة لمعظم البشر.
  • الحساسية الشديدة من الانتقادات.
  • التمسُّك بالرأي وإن كان خاطئًا.
  • الفشل في تكوين علاقات اجتماعية عميقة.

علاج الشخصية الشكاكة

التعامل مع الشخصية الشكاكة
تعديل السلوك.

حين يفشل المُحيط الاجتماعي في التعامل مع الشخصية الشكاكة، ربما يكون ذلك وقتًا مناسبًا لكي يبدأ الطب النفسي في التدخُّل لحل المشكلة، لكن تظل المشكلة القائمة هي كيفية انتزاع الطبيب النفسي لثقة المصاب، الذي دون شكٍ ستنتابه حالة من القلق حيال الطبيب، وقد يعتقد بأنه أيضًا يريد أن يلحق الضرر به.

بمجرّد انتزاع الطبيب لهذه الثقة، يكون علاج أو تحسين سلوكيات الشخصية الشكاكة مسألة وقت، وتنقسم رحلة العلاج إلى قسمين رئيسيين، الأول هو العلاج النفسي، أما القسم الثاني فهو العلاج الدوائي باستخدام العقاقير.

العلاج النفسي

يكفُل العلاج النفسي تدريب الشخصية الشكاكة على التعامل مع الآخرين بشكل طبيعي، ويتلخّص دور الطبيب النفسي المعالج في انتهاج أسلوب الديناميكية النفسية، وهو أسلوب علاجي، يقوم خلاله الطبيب بدراسة الأسباب الكامنة خلف السلوكيات التي يقوم بها المصاب ومساعدته على تخطيها بالتدريب على سلوكيات جديدة.

من ضمن أساسيات العلاج النفسي هو استهداف بعض من ضحايا المصاب، مثل أسرته أو أحد أصدقائه المقربين، والعمل على تدريبهم على كيفية التعامل مع الشخصية الشكّاكة، لأن تعاملهم معه على نحو جيد، يضمن عدم مضاعفة أعراض الشك لدى المصابين.

العلاج بالدواء

في معظم الحالات لا يلجأ الطبيب لوصف عقاقير للمصاب باضطراب الشخصية الشكاكة، خوفًا من أن يتشكك المصاب في نوايا الطبيب المعالج ويقوم بالانسحاب من جلسات العلاج، لكن أحيانًا قد يلجأ الأطباء إلى استخدام مضادات القلق والذهان للحد من الهلاوس التي تضرب عقل المصاب بشكل دوري.

بذلك نكون قد أوضحنا طريقة التعامل مع الشخصية الشكاكة وفقًا لسماتها الشخصية، والأسباب المتوقعة خلف انتهاجها لذلك السلوك الغريب، وفقط يتبقى إقناع المصاب بأنه مصاب، ويحتاج لزيارة طبيب نفسي، أو على أقل تقدير عدم تحفيز مشاعر الشك بداخله بشكل متعمد.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى