عجائب

شعب تسيماني.. وكيف حاربوا الشيخوخة بالحياة البدائية؟

تُعد الشيخوخة هي الصداع الأكبر في رأس كُل إنسان، هي تلك الفترة من عمره التي يبدأ خلاله في افتقاد عنفوانه البشري الذي اعتاد عليه، والتي تجعله يُعدّل من سلوكيات حياته مُرغمًا، حيث لم يعُد قادرًا على الاستمرار على النمط الذي اتبعه بالسابق، إلا أن شعب تسيماني قد تغلب على هذه المعضلة ووجد الطريقة المثلى لتأخير الشيخوخة.

ما هي الشيخوخة؟

الشيخوخة
ظهور التجاعيد بشكل واضح.

لغويًا؛ تُعرّف الشيخوخة على أنها عملية التقدّم في السن، ويستخدم هذا المصطلح عادةً للتعبير عن تقدُّم سن البشر تحديدًا، وتمثّل تراكم التغيرات الجسدية والاجتماعية والنفسية، وقد تؤثر سلبًا على صحة الإنسان، وتسبب له بعض الأمراض التي قد تودي بحياته، حيث تُخبرنا بعض الدراسات أنه من ضمن كل 150 ألف متوفٍ كل يوم حول العالم، يموت ثُلثيهم بسبب أمراض متعلقة بالتقدم في السن.

أما بالنسبة لوجهة نظر علم الاجتماع؛ فما يحمله التقدُّم بالعمر من خبرات وذكريات مفيدة للإنسان بشكل عام، فهو مصحوب بانحدار ملحوظ على المستوى المادي، بما في ذلك انخفاض الدخل وأحيانًا تجربة التحيز والتمييز، داخل وخارج مكان العمل، ولهذا السبب، تعد مرحلة الشيخوخة أحد أبعاد التقسيم الطبقي بالمجتمعات.

ما هي المضاعفات الناتجة عن الإصابة بالشيخوخة؟

عند وصول الإنسان لعمر معين، عادة فوق الـ50، تبدأ أعراض الإصابة بالشيخوخة تظهر عليه بشكل جلي، منها ما هو خاص بالمظهر الخارجي، ومنها ما يتعلق بالقدرات العقلية للإنسان، مثل؛

  • ظهور التجاعيد بشكل واضح على سطح البشرة خاصة بالأماكن المُعرضة للشمس (الوجه).
  • بعد سن الثلاثين، تتضاءل كتلة جسم الإنسان تدريجيًا حتى وصوله لسن السبعين.
  • تقل قدرة العضلات على الاستجابة للحركة أو التمارين الرياضية أو تقل سرعة التعافي من الإصابة.
  • بحلول سن الخمسين، يتحول لون الشعر إلى اللون الرمادي، كما يتساقط شعر الرأس بنفس السن تقريبًا بنسبة تقترب من 30–50% من الذكور و25% من الإناث.
  • يصبح الخرف أكثر شيوعًا مع تقدم العمر، حيث يعاني منه حوالي 3% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و74 عامًا، و 19% ممن هم بين 75 و84 عامًا، وما يقرب من نصف الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 85 عامًا.

سر إبطاء عملية الشيخوخة عند الأمازونيين

الشيخوخة
شعب ضد الشيخوخة.

ربما يبحث معظم البشر بالوقت الحالي عن إجابة السؤال الأهم؛ وهو كيف يُمكننا تأخير فترة الشيخوخة قدر المستطاع؟

عادةً تتلخص الإجابات الشائعة في بعض النصائح البديهية، مثل التحلّي بالنشاط وممارسة الرياضة، الحفاظ على نظام غذائي صحي، لكن المشكلة أن تكرار هذه النصائح جعلها مبتذلة، لكن ربما وجد بعض السُكان الأصليين لمنطقة الأمازون طريقة مثالية لإقناع الجميع.

شعب تسيماني

هنالك ما يدنو من 16 ألف نسمة في غابات الأمازون البوليفية، يُعرفون باسم «شعب تسيماني»، يعيشون بدون كهرباء في الغابات المطيرة المنخفضة في بوليفيا، ويتجنبون بشكل كاملٍ الاحتكاك بالعالم الخارجي ولا يزالون يلتزمون إلى حد كبير بأسلوب الحياة التقليدي الذي وجدوا عليه أجدادهم، حيث يكتفون بالصيد كمصدر غذاء رئيسي.

بجانب ذلك؛ يمارسون شكلاً بدائيًا من أشكال الزراعة ويجمعون الأطعمة الأخرى من الغابات المطيرة حولهم، والأهم هو أن اقتصادهم لا يقوم على المال بالمعنى التقليدي.

طبقًا لهيلارد كابلان، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة تشابمان الأمريكية، والتي عملت لنحو 20 عامًا على دراسة شعب تسيماني، فهذا الشعب امتلك معدل أعمار منخفضا جدًا مقارنةً بمتوسط أعمار الأمريكيين خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي.

ويضيف أندريه إريمييا، اختصاصي الشيخوخة بجامعة جنوب كاليفورنيا، أن سكان هذه المنطقة ما يموتون في عمر مبكر، إلا أن بعضًا من كبار السن أظهروا مع مرور الوقت علامات قليلة تدل على الخرف، ونادرًا ما يصابون بنوبات قلبية.

دراسة شاملة

يقع شعب تسيماني في مكان يصعب الوصول إليه، حسب تعبير إريمييا، لذلك كانت محاولة تفسير هذه الظاهرة مُعقدة، لعدم قدرة الباحثين على استخدام جهاز الأشعة المقطعية لتحليلها بشكل أكثر دقة.

لكن وبعد فترة طويلة من المباحثات، استطاع الباحثون التوصُّل لاتفاق مع الحكومة البوليفية وقادة شعب تسيماني، والحكومة الفيدرالية الأمريكية من أجل إجراء فحوصات مقطعية على أدمغة شيوخ هذا الشعب، بعد نقلهم إلى المدينة لتلقي العلاج وتزويدهم ببعض السلع الناقصة بقراهم النائية.

بعد دراسة 750 من أدمغة شيوخ شعب تسيماني، باستخدام التصوير المقطعي المحوسب، والذين من المفترض أن يكونوا قد دخلوا منذ فترة بمرحلة الشيخوخة، وبعد مقارنة تضاؤل حجم أدمغتهم مقارنةً بأشخاص من المجتمعات الصناعية ممن هم في نفس السن، اتضح أن انخفاض حجم المخ كان أبطأ بنسبة 70% في تسيماني مقارنةً بسكان المناطق الصناعية.

والأهم كان توضيح فريق البحث أنه عندما يتسارع تضاؤل حجم المخ، يمكن لذلك أن يتسبب في مشاكل مرتبطة عادةً بالشيخوخة مثل الخرف والسكتات الدماغية ومرض ألزهايمر.

وعلى الرغم من أن الدراسات أظهرت بأن الأشعة المقطعية لأدمغة شيوخ شعب تسيماني تظهر معاناتهم من التهابات، إلا أن الالتهابات في هذه الحالة ليست بسبب الضغط أو قلة ممارسة الرياضة مثل سكان المجتمعات الصناعية، لكن بسبب الحمل الطفيلي المعوي الذي يحمله السكان بسبب قلة الخدمات العلاجية المتوفرة لديهم.

قلوب ضد الشيخوخة

الشيخوخة
شعب تسيماني أقل عرضة للتصابة بالسكتات الدماغية.

حسب دراسة أكاديمية أخرى، أظهر شيوخ تسيماني نقصًا في علامات الإصابة بالشيخوخة، حيث يمتلكون أقل معدل لمرض انسداد الشريان التاجي بالعالم، ويعتقد البروفيسور إريمييا أن السبب في ذلك يعود إلى أسلوب الحياة والنظام الغذائي في الذي يتبعه شعب تسيماني.

وهذا لأن نظامهم الغذائي قائم على تناول كميات من الطعام غنية بالفواكه والخضروات والأسماك واللحوم الخالية من الدهون من الحيوانات التي يصطادونها في الغابة، حيث تفتقر هذه اللحوم إلى الدهون المتحولة التي غالبًا ما ترتبط بأمراض القلب والأوعية الدموية في المجتمعات الصناعية.

وبغض النظر عن النظام الغذائي؛ فشعب تسيماني يحارب الشيخوخة بممارسة الرياضية بشكل مضاعف مقارنةً بسكان الولايات المتحدة مثلًا، فمتوسط الخطوات التي يقطعها الناس بأمريكا تتراوح بين 3000 إلى 5000 خطوة في اليوم، بينما يقوم سكان منطقة الأمازون بقطع مسافات بغرض الصيد فقط، قد تصل إلى 17 ألف خطوة في المتوسط.

أخيرًا لا يمكننا الإشارة إلى أن السبيل الوحيد لدرء آثار الشيخوخة هو العيش بمنطقة الأمازون، وتقليد الحياة اليومية لشعب تسيماني، لكن فقط يجدر توضيح حقيقة أن النصح بممارسة الرياضة وامتلاك نظام غذائي مُحكم ليس عبارات مُرسلة، بل هو طريقة شعب بأكمله لإخفاء مظاهر التقدم بالعمر.

المصدر
مصدرمصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى