الصحة النفسية

اضطراب الشخصية الاضطهادية.. علامات الإصابة وكيفية المقاومة

يقع الإنسان أحيانًا تحت سيطرة الشكوك، وربما يشعر بأنه ضحية مشاعر كراهية واضطهاد من البعض، إلا أن الأزمة تصبح أكثر خطورة حينما تصل لحد المعاناة من اضطراب الشخصية الاضطهادية، والذي يبقي المريض في حالة دائمة من الشك والعيش في المؤامرات الخيالية.

اضطراب الشخصية الاضطهادية

اضطراب الشخصية الاضطهادية
اضطراب الشخصية الاضطهادية

تتعدد الأسماء التي تصف اضطراب الشخصية الاضطهادية، ومن بينها الاسم الشائع اضطراب الشخصية البارانوي، حيث يفصح المرض عن تحكم هاجس التعرض للاضطهاد من الآخرين على عقلية المريض، بسبب أو بدون سبب.

يبدو اضطراب الشخصية الاضطهادية مؤثرًا بالسلب على حياة المريض، سواء الاجتماعية أو العملية أو العاطفية، بل ويؤدي أسلوب التفكير المعقد الخاص بهذا الشخص إلى إصابة المحيطين به بالارتباك، خوفًا من تفسير كلماتهم أو حتى نظراتهم بسوء.

يؤكد خبراء علم النفس أن ملامح اضطراب الشخصية الاضطهادية غالبًا ما تظهر في المراحل الأولى من البلوغ، حيث يمكنه إصابة الرجال والنساء، مع العلم بأنه أكثر انتشارًا بين الذكور، فما هي أعراض هذا الاضطراب المزعج؟

أعراض اضطراب الشخصية الاضطهادية

تكشف أعراض هذا الاضطراب عن مدى المعاناة التي يشعر بها ضحيته، وكذلك المأساة التي يعيشها الأشخاص المقربون منه، حيث تتمثل في:

تبني عقلية الضحية

يقع المصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية تحت أسر أفكار عقلية الضحية، حيث يجد نفسه دائمًا في حالة من التشكك في أفعال الآخرين، ليصبح معتقدًا بشكل كامل بأن الكل يسعى لإيذائه أو لتهديد سلامته.

اللوم الدائم

لا تتردد الشخصية الاضطهادية كثيرًا قبل أن تصب جام غضبها الناتج عن التشكك طوال الوقت، على المحيطين بها وبلا هوادة، في صورة توجيه لوم متواصل ومزعج، حيث تعرف تلك الشخصية بأنها الأكثر لومًا على كل ما يحدث لها.

الشكوك غير المنطقية

بالرغم من أن الشخص المصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية يبدو مقتنعًا تمامًا بأفكاره الغريبة، والمتمثلة في أن المؤامرات تُحاك في الظلام من أجل الفتك به، فإن شكوكه في الغالب تبدو مبنية على أوهام أو أحداث غير منطقية، مثل نظرة خاطفة لشخص ما أو عبارة قيلت ببراءة من آخر.

الحساسية المفرطة

تزداد الأزمات التي يعاني منها ضحية اضطراب الشخصية الاضطهادية، بالنظر إلى طبيعته شديدة الحساسية، حيث تدفعه إلى ترجمة أبسط السلوكيات الخاصة بمن حوله بصورة خاطئة تمامًا، ما يحفز لديه هواجس الشك التي تملأ ذهنه في الأساس.

استحالة تقبل النقد

تؤدي حساسية الشخصية الاضطهادية، والتي توصف بأنها مفرطة وزائدة عن الحد الطبيعي كما ذكرنا، إلى استحالة تقبل عبارات النقد، وحتى إن كانت تهدف إلى التطوير وليس الهدم، حيث يميل صاحب تلك الشخصية حينها إلى الغضب والانفعال، أو ربما إلى تفسير النقد باعتباره محاولة لقتله معنويًا.

الاعتقاد بعدم ارتكاب الأخطاء

لا يمكن للشخص المصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية، أن يعتذر ولو لمرة على قيامه بارتكاب خطأ ما، نظرًا لأنه لا يجد نفسه مطلقًا في موقف المخطئ، إذ يشعر هذا الشخص المضطرب بأنه يتعرض في الأساس من مؤامرات متعددة، لذا فالخطأ يقع دائمًا على أي شخص آخر بخلافه.

عدم التسامح

هي واحدة من أخطر عيوب الشخصية الاضطهادية، حيث تتسم بدرجة فائقة من عدم التسامح، ما يأتي في ظل سهولة حمل تلك الشخصية لمشاعر الكره والعداء للآخرين حتى ولو بصورة سرية، الأمر الذي يكشف عن اتساع دائرة الأحقاد الموجهة منها لصالح بشر ربما لا يدركون بشاعة أفكارها من الأصل.

الجدال وعدم الراحة

يمكن التأكد من حقيقة معاناة شخص ما من اضطراب الشخصية الاضطهادية، حينما تلاحظ سيطرة المشاعر السلبية على ذهنه طوال الوقت، حيث تحرمه من الشعور بالراحة والاسترخاء بصورة مزعجة، علمًا بأن هذا الشخص يبدو جداليًا إلى أبعد الحدود، كما أنه يعاني من العناد الشديد.

الشخصية الاضطهادية بين الزواج والعمل والصداقات

اضطراب الشخصية الاضطهادية
اضطراب الشخصية الاضطهادية والعمل

ربما يكفي سرد الأعراض السابقة والخاصة بأزمة اضطراب الشخصية الاضطهادية، من أجل الإجابة عن سؤال غير محير، وهو كيف تبدو علاقات الزواج والصداقة والحياة العملية لتلك الشخصية، حيث تؤدي الهواجس والشكوك إلى إفساد علاقات الشخصية الشكاكة بأسوأ الطرق، مهما بدت متانة العلاقة.

الشك في المقربين

يعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية من الشك الدائم في أقرب المقربين، حيث لا يجد أزمة في توجيه أسوأ الاتهامات للطرف الآخر في علاقته العاطفية أو الزوجية، متهمًا إياه بعدم حبه والكذب عليه وربما الخيانة في بعض الأوقات، فيما يبدو مراقبًا له ساعيًا لاكتشاف أمر هو وهمي في النهاية.

لا يبدو زملاء العمل كذلك بعيدًا عن تعقيد ذهن الشخصية الاضطهادية، والتي يمكنها التشكك في سلوكياتهم العادية، مثل الهمس أو الضحك بصوت منخفض أو حتى عند ارتكاب أحدهم خطأ غير مقصود بحقه، ليترجمها صاحب تلك الشخصية بطريقته المرتابة، فيحمل المزيد من الكره لهم، ويتأثر مستقبله الوظيفي بالسلب بالتبعية.

أما على صعيد علاقات الصداقة، فإنها على الأغلب تبدو متقطعة الأوصال، ليس فقط بسبب حجم المعاناة التي يشعر بها كل من يتعامل مع الشخصية الاضطهادية، بل لأن صاحب تلك الشخصية المعقدة نفسه يتعامل ببرود ملحوظ مع العلاقات الاجتماعية كافة.

عوامل الإصابة باضطراب الشخصية الاضطهادية

يتوقع خبراء علم النفس أن تكون الإصابة باضطراب الشخصية الاضطهادية ناتجة عن خوض تجارب سيئة أو ربما عن عوامل وراثية أو عن أمور أخرى، كما نوضح.

  • المرور بطفولة قاسية، شهدت التعرض لصدمات نفسية أو اعتداءات جسدية، يعتبر من عوامل تكوين تلك الشخصية الاضطهادية.
  • إصابة أحد أفراد العائلة من قبل بمشكلات التوهم والفصام، تزيد من إمكانية إصابة الأجيال اللاحقة بالاضطراب الغامض.
  • المعاناة من مرض نفسي كالاكتئاب أحيانًا ما تزيد من فرص المعاناة من اضطراب الشخصية الاضطهادية.
  • خوض تجارب فاشلة على صعيد العلاقات العاطفية أو الاجتماعية يحفز العقلية الاضطهادية أيضًا.
  • التنشئة في مجتمع شكاك أو يعاني من الفقر الشديد، له دور في تحفيز اضطراب الشخصية الاضطهادية.

طرق التعامل مع المصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية

اضطراب الشخصية الاضطهادية
التعامل مع الشخصية الاضطهادية

يعتبر التعامل مع شخص يعاني من اضطراب الشخصية الاضطهادية أشبه بالكابوس الذي لا ينتهي، حيث يملأ وقته بالتفكير في مؤامرات وهمية وربما بشكوك قاتلة، تتطلب التعامل معه بالطرق التالية:

  • لا يبدو الجدال مع الشخصية الاضطهادية مفيدًا، فقط ينصح بالتحدث معه لإخماد شكوكه.
  • التحدث ببساطة دون تعقيدات هو الخيار الأفضل، حتى لا تفهم أي كلمة أو نظرة بشكل خاطئ.
  • تجنب الأمور التي تزيد شكوكه، مثل التحدث بصوت منخفض أو محاولة إخفاء الضحك.
  • شرح القرارات المتخذة قبل التنفيذ، حتى لا يشعر الشخص المضطرب بأن هناك أسرارا تحيط به.
  • استخدام كلمات المدح لتعزيز ثقة الشخصية الاضطهادية، لتقلل قلقها وبالتالي تحجب شكوكها.
  • التحفيز على زيارة الطبيب النفسي، القادر على تحديد العلاجات التي تسيطر على الحالة.

علاج اضطراب الشخصية الاضطهادية

يعتبر علاج اضطراب الشخصية الاضطهادية من التحديات المعقدة لأسباب عدة، يمكن سردها عبر الكشف عن خطوات العلاج التالية:

زيارة الطبيب النفسي

إن كان الشخص العادي يعتبر قادرًا على مواجهة نفسه بمشكلاته النفسية، ليقرر زيارة الطبيب النفسي في الوقت المناسب، فإن دفع المصاب باضطراب الشخصية الاضطهادية لاتخاذ نفس القرار، هي أولى خطوات العلاج وربما أكثرها صعوبة، في ظل عدم شعور المريض بأنه يعاني من أي أزمة.

حضور جلسات العلاج النفسي

لا تعد موافقة المريض على الخضوع للعلاج هي نهاية المطاف بل هي البداية فقط، حينها يصبح الطبيب النفسي مطالبًا بكسب ثقة صاحب الشخصية الاضطهادية فورًا، قبل أن يساعده عبر جلسات علاجية طويلة المدى، على التأقلم مع حالته المزمنة، وعلى تحسين علاقاته الاجتماعية وزيادة ثقته بنفسه.

العلاج بالأدوية

على الرغم من أن الأدوية العلاجية لا تستخدم عادة في علاج اضطراب الشخصية الاضطهادية، فإنها تبقى من الخيارات المتاحة للطبيب، سواء كان المريض يعاني من أزمات نفسية جانبية مثل الاكتئاب، أو بدت الأعراض الخاصة به شديدة الخطورة عليه أو على الأشخاص المحيطين به.

في الختام، يبقى اضطراب الشخصية الاضطهادية من الأزمات النفسية المزمنة، والتي تلازم المريض طوال حياته، فيما ينصح بزيارة الأطباء المتخصصين والخضوع للعلاج دون تكاسل، أملًا في السيطرة على أعراض الأزمة، من أجل استمرار الحياة بصورة شبه طبيعية.

بواسطة
مصدر 2
المصدر
مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى