رياضة

سباق هرقل.. وحقائق تاريخية عن الألعاب الأولمبية

بالعودة إلى أولمبيا الواقعة أقصى جنوب اليونان، هذه المدينة والهيكل الإغريقي القديم الذي سميت الألعاب الأولمبية تيمنًا به، وقبل نحو 3000 عام، لم يكن هنالك شعلات انطلاق، لا منصات تتويج، لأن هذه المراسم كانت مخصصة في الأساس لتكريم زيوس، الإله الإغريقي الأكبر، وتخلل مهرجان تكريمه هذا بعض المنافسات التي نحن بصدد تعريفك بتاريخها.

الألعاب الأولمبية الأولى.. من منكم هرقل؟

الألعاب الأولمبية
سباق الـ192 مترًا (سباق هرقل).

على الرغم من أن الألعاب الأولمبية التي أقيمت بصيف 2021 في طوكيو باليابان قد منحت أبطال 33 رياضة مختلفة الفرصة للتنافس من أحل الحصول على لقب «بطل أولمبي»، فهذا التنوع لم يكن حاضرًا حين أقيم أول مهرجان قبل آلاف السنوات، حيث يعتقد أن أول دورة أولمبية كانت قد بدأت بمنافسة واحدة تعرف بسباق «192 مترًا» أو «Sta­dion».

طبقًا للأسطورة الإغريقية، كان اختيار طول سباق الـ«192 مترًا» مستوحىً من قدرة البطل الإغريقي «هرقل» على الركض لمثل تلك المسافة بنفس واحد، بالتالي من يستطيع إنهاء هذا السباق في المركز الأول، فهو بشكل ما يمتلك قوة خارقة تشبه تلك التي يمتلكها البطل الأسطوري.

حسب فرضية ستيفن جي ميلر، الأستاذ المتقاعد لعلم الآثار الكلاسيكي في جامعة كاليفورنيا، إن الحدث الأول قد جذب على الأرجح بضع عشرات من المنافسين والمتفرجين المحليين، وفاز بأول سباق طباخ محلي يدعى «كورويبوس» يسكن بحي أليس، وأضاف ميلر أنه طوال 40 عامًا، كان الفائزون منتمين للمناطق المحيطة بذلك الحي.

بالتأكيد لم يكن هنالك من يمكن نعتهم بالرياضيين بالمعنى المعاصر، حيث كان معظم المتسابقين يعملون كمزارعين أو رعاة أغنام، وكانت شروط المشاركة في الحدث بسيطة جدًا، بحيث يكفي أن يكون المتسابق ذكرًا، يونانيًا وحرًا، لأنه لم يكن مسموحًا للعبيد المشاركة بأي فعاليات اجتماعية وقتئذ.

تأريخ

كانت الألعاب الأولمبية تقام كل 4 سنوات مثلما هو الحال الآن، وسميت الفترة ما بين كل حدث والذي يليه بواسطة الإغريق باسم «أولمبياد»، وأطلق اسم الرياضي الذي فاز في مسابقة الـ«Stadion» السابقة على الدورة التي تليها، واستخدم المؤرخون القدامى هذا النظام بشكل أساسي للتوفيق بين الأحداث التاريخية، حيث تحولت لما يشبه نظام تقويم خاص.

فمثلًا؛ قام ديونيسيوس من هاليكارناسوس بتأريخ تأسيس روما إلى العام الأول من الأولمبياد السابع، الذي يوافق العام 751 قبل الميلاد تقريبًا، ويؤرخ ديودوروس سيكولوس الغزو الفارسي لليونان إلى الأولمبياد الخامس والسبعين، ذلك الذي فاز فيه أستيلوس من سيراكيوز بسباق الـ192 مترًا، لكن تم تجميع هذه البيانات وتوثيقها فقط في العام 400 قبل الميلاد، بعدما تم التأكد من دقتها.

متى بدأت الأولمبياد؟

طبقًا لبول كريستسين، أستاذ الكلاسيكيات في كلية دارتموث، لم يكن الإغريق أنفسهم يعلمون متى بدأت الألعاب الأولمبية، حيث لم يحتفظوا بسجلات مكتوبة حول أحداث من هذا النوع، إلى أن قرر شخص عاش بالقرب من أولمبيا أنه سيكون من الممتع محاولة كتابة كتاب عن تاريخ الأولمبياد بعد بدايتها بنحو 400 عام.

يعتقد أن هيبياس من أليس هو الرجل الذي قام بكتابة قائمة الفائزين بالأولمبياد، لكنه كان قد ولد بعد أن توج كوروبيوس بأول دورة بقرابة الـ300 عام، ومن المفترض أنه قام بحساب عدد الأسماء في القائمة ثم ضاعف هذا الرقم بأربعة (لأن الألعاب كانت تقام كل 4 سنوات) لتحديد السنة التي بدأت فيها الألعاب الأولمبية.

تخليدًا لاسم زيوس

الألعاب الأولمبية
تمثال الإله زيوس حسب الميثولوجيا الإغريقية.

وضع الإغريق القدماء أولمبيا على الخريطة بالعام 1100 قبل الميلاد، عندما بدؤوا في استخدامها كملاذ ديني، لأنهم اعتقدوا آنذاك أن زيوس، ملك الآلهة عندهم، أقام بهذه البقعة عندما غزا الإيليون المنطقة المحيطة، وأنه قد ألقى صاعقة في بستان الزيتون هناك لإثبات ذلك.

استنتج علماء الآثار من العروض الدينية والإهداءات المتبقية في المنطقة أن الزوار كانوا يأتون من منطقة جغرافية أوسع بكثير، وبحلول العام 700 قبل الميلاد، تم توسيع الحرم لاستيعاب المزيد من الناس، حيث كان الاستاد الأول بسيطًا قد تم بناؤه على سهل بين نهرين.

لذلك ومع اكتساب المهرجان صيتًا واسعًا، قام اليونانيون بتسوية هذه التلال لإنشاء مساحة مسطحة وجافة، بحيث ينتهي مضمار السباق عند مذبح زيوس، أما خلال السنوات التي لا تشهد الألعاب الأولمبية، كانت الأرض تستخدم في زراعة القمح.

في ذروة شعبية الألعاب في القرن الثاني الميلادي، تشير التقديرات إلى حضور ما لا يقل عن 40 ألف شخص لمشاهدة المنافسات بما في ذلك أيضًا الفنانون والحرفيون الذين كانوا يأملون في عرض مواهبهم على الأعداد الغفيرة من الرياضيين والمتابعين.

على الرغم من هذا النمو، احتفظت الألعاب الأولمبية القديمة دائمًا بجذورها الدينية، حيث كانت التقاليد المتبعة في ذلك الوقت أن اليوم الثالث من بداية الألعاب، والذي يتزامن توقيته مع اكتمال القمر، يستثمر لأغراض دينية فقط، والتي كانت عبارة عن تقديم القرابين للإله زيوس.

لا فضة ولا برونز

الألعاب الأولمبية
إكليل النصر.

في حين أن الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية هي مشهد مألوف في الألعاب الأولمبية الحديثة، إلا أن جوائز الرياضيين القدامى كانت أكثر بساطةً، ويعتقد العديد من علماء الآثار أن الفائزين بالمركز الأول حصلوا على إكليل النصر، بعد قطعه مباشرة من أشجار الزيتون في أولمبيا.

وحتى لا يساء الظن؛ كانت أكاليل الزهور هي أعلى مكافأة ممكنة بذلك الوقت، ومثلت الشرف والوقار لمرتديها، وبالإضافة إلى ذلك، حصل الفائزون على شريط من الصوف، يقوم الفائز بلفه حول رأسه، كما حملوا سعفة النخيل للتلويح بها.

كانت حياة الفائز تتحول 180 درجة، فبمجرد انتصاره يصبح من أبرز شخصيات المجتمع الإغريقي، وغالبًا ما يحظى بأدوار سياسية ومزايا متنوعة مدى الحياة كما تتاح له الفرصة لبناء تمثال لنفسه بالحرم الأولمبي، على الرغم من أن العرف السائد هو أن الأثرياء فقط من يستطيعون القيام بذلك، بل إن المكافآت المعنوية كانت تصل أحيانًا لكتابة الشعراء عن إنجازات هؤلاء الأبطال، أو حتى صناعة عملات معدنية تحمل صورا تشبههم.

حتى وإن تغيرت الألعاب الأولمبية مع مرور الوقت، وأصبحت منافسات رياضية بالمقام الأول، إلا أنها لا تزال تحمل طابعًا خاصًا باعتبارها الحدث الرياضي الأكثر قدمًا بالعالم.

المصدر
مصدرمصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى