الصحة النفسية

الوسواس القهري الديني.. وكيف يتحول الغلو في العبادات إلى مرض؟

الوسواس القهري الديني حالة من حالات الاضطرابات النفسية التي تجعل الإنسان غير متزن ودائم التفكير بالأمور الدينية، ويقوم بارتكاب تصرفات خاطئة؛ اعتقادًا منه بأنها الصواب، ومن الممكن أن تتأثر علاقته بجميع المحيطين به بسبب ذلك الوسواس، وتنقلب حياته رأس على عقب إن لم يبدأ بالعلاج؛ ومن خلال مقال اليوم سنعرض جميع الأعراض والأسباب المتعلقة بـ الوسواس الفكري الديني.

تعريف الوسواس القهري الديني 

عرف الأطباء حالة الوسواس الديني؛ بكونها حالة تجعل الإنسان دائم التفكير بالأمور الدينية وتثير شكوكه دائمًا تجاه جميع سلوكياته؛ ناهيك عن أنها تجعله خائفا طوال الوقت بشأن ارتكاب أي خطأ وأن الأفعال الصحيحة التي يقوم بها من الممكن أن تكون غير مقبولة وأن ذنوبه التي ارتكبها لن تغتفر وهذا ما يؤثر على حياته بشكلٍ عام.

أسباب الوسواس القهري الديني 

اسباب الوسواس القهري الديني
اختلفت الأسباب واختلفت آراء الأطباء بشأن إصابة الإنسان بحالة الوسواس الفكري الديني التي تجعل الفرد يقوم بارتكاب هذه التصرفات؛ ولكن تم وضع عدة أسباب رئيسية تؤدي إلى زيادة فرص الإصابة بذلك الاضطراب؛ فمن أبرزها:-

الشك في الوضوء

بعد أن ينتهي الفرد من تأدية الوضوء ويتجه للبدء بالصلاة، يشعر أنه لم يتوضأ بالشكل الصحيح وأنه تغافل عن القيام بخطوة ما؛ فهنا يعود إلى الوضوء مرة أخرى ويكرر الأمر مراراً وتكرارًا؛ وعلى الرغم من أنه توضأ بطريقة صحيحة إلا أن شكوكه تخيم عليم.

النسيان أثناء الصلاة

أثناء البدء بتأدية الصلوات؛ من الممكن أن يتغافل الفرد عن القيام بخطوة ما، مثل نسيان إن كان سجد أم لا؛ وهذا ما يثير غضب الفرد ويجعله يعاود صلاته مرة أخرى ويتشدد بشكلٍ واضح أثناء الصلاة رغبة منه في الوصول إلى أقصى درجات التركيز، وبمرور الوقت يخلق لديه الوسواس القهري الديني ويكون دائم الشك تجاه صلاته والتفكير إن كان قد قام بها على صواب أم أنه أخطأ.

التشدد الديني

تشدد الفرد في الدين بشكلٍ مبالغ فيه؛ من الأمور التي تقوده للإصابة بـ الوسواس الفكري الديني وتجعله دائم التفكير بالأمور الدينية ويبتعد تمامًا عن أمور الحياة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن تشديد العبد على نفسه هو السبب الأساسي لتشديد الله تعالى عليه؛ وهنا نأخذ عبرة بأن التشدد في الدين بشكلٍ خاطئ أمر يؤثر على الإنسان.

الخوف من العقاب

من أسباب الوسواس القهري الديني الواضحة؛ هي أن يكون الإنسان دائم الخوف من عقاب الآخرة ويحاول بقدر الإمكان أن يفلت من هذا العقاب ولا يدخل إلى جهنم؛ فهنا يبدأ الهوس يتزايد لديه ولا يفكر سوى بالعقاب فقط مما يؤدي إلى وصوله لهذه الحالة من الهوس.

اكتئاب وقسوة بالتربية

قد يرتكب الفرد ذنوبًا عديدة طوال الوقت، وحين تذكر الموت والنهاية والعقاب؛ يبدأ شعور الاكتئاب يخيم عليه ويشعر أن مصيره محتوم وسيكون بجهنم، مما يجعله يصاب بالهوس القهري الديني وتبدأ تصرفاته بالكامل تتغير.

فقد الثقة بالآخرين

فقدان ثقة الإنسان بجميع المحيطين به وخاصة حينما يجدهم يرتكبون ذنوبًا عديدة، سبب واضح لإصابته بوسواس القهر الديني، فهنا يبدأ بالابتعاد عنهم ويفكر بالأمور الدينية ومن ثم تظهر الأعراض عليه.

أنواع الوسواس القهري الديني

الوسواس القهري الديني متعدد الأنواع وتختلف الحالات المصابة به عن بعضها البعض بشكلٍ كبير من حيث نوع الإصابة والهوس الذي يعاني منه؛ ومن أبرز أنواع الوسواس القهري الديني:-

وسواس التشكيك

من أبرز أنواع الوسواس القهري الديني التي يصاب بها الكثير من الأشخاص الذي لم تتم تنشئتهم دينيًا بشكلٍ صحيح؛ فمن خلال الإصابة بهذا الوسواس، يبدأ المريض بالتشكيك في كافة الأمور الدينية ويبتعد بعض الشيء عن ممارسة الواجبات الدينية، وإن لم يتم علاجه مبكرًا فقد يرفض الدين مطلقًا ويتجه إلى الإلحاد.

وسواس الالتزام

في هذا النوع من الوسواس يكون المريض على درجة شديدة من الالتزام أثناء تأدية الصلوات وإقامة الشعائر الدينية، ويكون من الصعب مناقشته في أي أمر يتعلق بالدين؛ نظرًا لأنه لديه وجهة نظر حاسمة من الصعب التأثير عليها.

وسواس بشأن العقيدة

انواع الوسواس القهري الديني
الإصابة بهذا النوع من الوسواس الفكري الديني؛ تتكون عدة أفكار للشخص المصاب عادة ما تكون مبنيه على شكوك وأفكار أثرت عليه؛ فمن الممكن أن يكون لديه عدة أسئلة متعلقة بالدين لا يجد لها إجابة مقنعة؛ وفي تلك الحالة تتزايد فرصة للإصابة بهذا النوع.

الوسواس في سب الله

عند الإصابة بهذا الوسواس فالأمور تكون سيئة للغاية؛ لا سيما وأن المريض يرفض الدين بشكلٍ مطلق، ويبدأ بسب الله وفي بعض الأحيان بينه وبين نفسه؛ كما أنه يستمع أصوات لا توجد سوى بذهنه تطرح عليه عدة أسئلة تزيد من شكوكه أكثر وترفع من سوء حالته، وبحسب رأي علماء الدين أن إصابة الشخص بهذا المرض بناءً على وجود خلل نفسي أثر عليه، فإنه غير مذنب وذلك لأن الله عز وجل قد رفع الأقلام عن المرضى النفسيين؛ ولكن وجب علاجه.

أعراض الوسواس القهري الديني 

وضع الأطباء عدة أعراض قاطعة تدل على أن الإنسان مصاب بهذه الحالة من الاضطراب، وتؤكد أنه يحتاج إلى البدء بمرحلة العلاج؛ كي يعيش بصورة طبيعية؛ ومن أهم هذه الأعراض:-

الشعور بالقلق

يكون قلقا طوال الوقت بشأن حياته ويشكك في إيمانه؛ حيث يشعر أن الذنوب التي كان ارتكبها بفترة ماضية، قد تؤثر على نهايته وتجعل مصيره هو الخلود في جهنم، ناهيك عن أنه يحاول طوال الوقت التكفير عن ذنوبه، وحتى وإن كفرها يشعر أن كفارتها من الممكن أن تكون غير مقبولة.

التفكير بالنهاية

دائم التفكير بالنهاية؛ فيترك الدنيا جانبًا ويصب تفكيره تجاه خاتمته التي من وجهة نظره تكون جهنم على الرغم من التزامه دينيًا، وقيامه بجميع الواجبات الدينية؛ ولكن الوسواس القهري الذي يعاني منه يجعله يفكر بهذا الشكل.

عدم السيطرة على المشاعر

حينما تتحدث معه بأي أمور تتعلق بالدين، تجده غير قادر على السيطرة على مشاعره وانفعالاته؛ ففي الكثير من الأحيان يغلق باب المناقشة بأي أمر ديني ومن الممكن أن ينفعل بشكلٍ ملحوظ وينهي الحديث ويرحل؛ ظنًا منه بأنه فعل الصواب.

الانطواء

يفضل المصاب بالوسواس الفكري الديني أن ينطوي عن المجتمع ويعيش بمفرده، وذلك الأمر ظنًا منه بأنه يتفادى المعاصي والذنوب والأشخاص المحيطين به الذين يريدون أن يجعله يرتكب الذنوب من وجهة نظرة؛ ناهيك عن أنه يعتقد بأنه بذلك يتفرغ للقيام بالواجبات الدينية فقط.

الابتعاد عن الكثير من الأماكن

لا يفضل التوجه إلى العديد من المرافق؛ حيث إنه يشعر بأن هناك ذنوبا ومعاصي في تلك الأماكن؛ وأنه بمجرد دخوله إليها سيرتكب ذنوبًا عديدة تؤدي إلى هلاكه، كما أنه دائم الشك في صواب تواجد الآخرين بتلك الأماكن.

الإفراط في الصلاة

لا يكتفي بتأدية الخمس صلوات فقط؛ بل إنه يفرط بالصلاة وبعد أن ينتهي من تلك الصلوات يقوم بتأدية صلوات أخرى، كما أنه يكون متشددا بشكلٍ ملحوظ أثناء هذه الفترة؛ اعتقادًا منه بأن هذا هو الخشوع المطلوب.

التفكير بالدين طوال الوقت

لا يفكر بأي أمور تتعلق بالحياة سواء كانت أعمالا ومسؤولية تقع على عاتقه أو زواجا؛ بل إن تفكيره دائمًا ما ينصب تجاه الدين والمعاصي التي يجب عليه أن يتفاداها طوال الوقت كي ينجو في نهايته.

البحث عن الزعماء الدينين

لا يفضل التحدث مع الأشخاص المحيطين به طوال الوقت؛ بل إنه يفضل أن ينتمي إلى المتشددين وزعماء الدين؛ فيعتقد أنه من خلال التواصل معه سيكتسب معلومات دينية جديدة وطرقا أخرى تجعله يبتعد عن المعاصي والذنوب.

البطء في الصلاة

لا يقوم بتأدية الصلوات بشكلٍ طبيعي؛ بل إنه يكون بطيئا للغاية طوال فترة الصلاة، ويحاول أن يقضي أطول وقت ممكن اعتقادًا منه أنه بذلك يسير على الطريق الصحيح ويطمئن أن صلاته مقبولة.

الشك أثناء الصيام

أثناء فترة الصيام وعلى وجه التحديد خلال شهر رمضان المبارك، تجد المصاب بالوسواس الديني دائم الشك تجاه صيامه ويشعر وكأن اختلاطه بالآخرين أو التحدث عن أي موضوع يفسد صيامه ويجعله غير مقبول؛ كما أنه يفرط في أداء الواجبات الدينية.

تكفير الغير

في بعض الحالات التي وصلت إلى أعلى مراحل الوسواس القهري الديني والتي لم تبدأ مرحلة العلاج، تقوم بتكفير الغير واتهامهم بالخروج عن الدين؛ وذلك لعدم التزامهم في بعض الأمور الدينية أو ارتكاب الذنوب؛ وإن لم يتم علاج هذه الحالة فالعواقب تكون وخيمة بالفعل.

علاج الوسواس القهري الديني 

علاج الوسواس القهري الديني
تختلف طرق وأساليب علاج الوسواس القهري الديني بحسب نوع الوسواس الذي أصيب به المريض؛ فهناك طرق دينية وهناك طرق نفسية للعلاج؛ ومن أبرز الطرق الشائعة هي:-

العلاج النفسي

يتجه المريض في هذه المرحلة إلى طبيب نفسي متخصص لعلاج الوسواس القهري، ويبدأ الطبيب بالتحدث إليه ويحدد أساليب معينة من أجل تحسين سلوكه وتحويل الأفكار التي تراوده إلى أفكار إيجابية، وكيف يعيش حياته بصورة طبيعية؟ وبنفس الوقت تأدية واجباته الدينية، ويحتاج المريض إلى أن يواظب على الجلسات وينفذ ما أخبره الطبيب به كي يتعافى من تلك الوساوس.

الأدوية

في بعض الحالات التي تكون وصلت إلى مرحلة صعبة من الوسواس القهري الديني، يقوم الطبيب بتحديد بعض الأدوية التي تقلص من الأعراض النفسية التي تظهر على المريض مثل القلق والاكتئاب والتوتر؛ وبالمواظبة على تناول هذه الأدوية يتحسن المريض تدريجيا من الجانب النفسي وتبدأ مرحلة التفكير بالدين بشكلٍ طبيعي وصحيح؛ ولكن مع الحرص ألّا يتم تناول أدوية إلا بعد العودة للطبيب.

العلاج بالقرآن

في بعض الحالات التي تكون مصابة بالوسواس المتعلق بشأن العقيدة والدين، يتم علاج المرضى بها من خلال القرآن الكريم؛ فيتم الإجابة على جميع أسئلته بالقرآن وبالأدلة؛ ناهيك عن العلاج النفسي الذي يحتاج إليه أيضًا.

نصائح للوقاية من الوسواس القهري الديني 

توجد عدة نصائح تم تحديدها من قبل المتخصصين في هذه الأمراض، والتي إذا اعتمد عليها الإنسان يتجنب الإصابة بهذا الوسواس ويعيش بصورة طبيعية؛ فمن أبرز تلك النصائح:-

  • إن كانت هناك أسئلة دينية تراودك ولا تجد لها إجابة؛ فعليك أن تتجه إلى الخبراء في الدين وتأكد أنك ستجد إجابات منطقية.
  • لا تستمع إلى أي أفكار سلبية تراود عقلك وتجعلها تشكك بعقيدتك؛ بل حينما تجد أن هناك وسواسا يراودك فعليك البدء بالصلاة والاستغفار.
  • إن كنت تشعر أن بعض أعراض الوسواس القهري الديني بكافة أنواعه قد ظهرت عليك؛ فلا تخش من التوجه إلى طبيب نفسي متخصص؛ فتلك الخطوة تجعلك تتعافى سريعًا قبل أن يتفاقم المرض معك.
  • لا تنجرف وراء الآراء الدينية غير الموثوقة؛ بل عليك أن تستمع إلى أهل العلم في كافة أمور الدين؛ وذلك كي تحصل على المعلومة الصحيحة فقط، ولا تتأثر بأي رأي خاطئ.

ختامًا… كانت هذه هي أبرز أعراض وأسباب الوسواس القهري الديني، والتي يجب على أي شخص مصاب به البدء بالتوجه إلى طبيب متخصص من أجل التعافي سريعًا والسيطرة على المرض من بدايته كي لا تتأثر حياة الفرد به.

المصادر:

جود ثيرابي.

ميد اوف ميليونز.

زر الذهاب إلى الأعلى