الصحة النفسية

نظريات علم النفس الرياضي.. والإجابة عن سؤال «من أنت؟»

في لحظة ما، تحوّلت الرياضة لعلم قائم بذاته، الأمر الذي نتج عنه ظهور ما يعرف بنظريات علم النفس الرياضي؛ وهي تلك النظريات التي تحاول أن تفسر لممارس الرياضة حقيقته، أو بمعنى أوضح، هي الشرح المُبسط للتوازن ما بين التفكير والمجهود البدني.

ما هو علم النفس الرياضي

نظريات علم النفس الرياضي
كولمان جريفيث، الأب الروحي لعلم النفس الرياضي.

قبل التطرق لنظريات علم النفس الرياضي، يجب أولًا شرح ما يعنيه مصطلح علم النفس الرياضي بشكل سريع، باختصار؛ هو أحد فروع علم النفس المستحدثة والتي تحاول دراسة تأثير الصحة النفسية على أداء وسلوكيات الرياضي، ولا يعد هذا الباب حكرًا على الرياضيين، سواءً كانوا محترفين أو هواة، لكن كذلك يتضمن دراسة حالات كل المنخرطين بالمجال بدءًا من اللاعبين، المدربين، الإداريين وحتى أولياء الأمور.

 «يدور علم النفس الرياضي حول فهم الأداء والعمليات العقلية ورفاهية الأشخاص في الأوساط الرياضية، مع مراعاة مختلف نظريات علم النفس الرياضي والأساليب النفسية المتبعة».

الدكتورة كارلا ميجين، جامعة سانت ماري بلندن.

يعد علم النفس الرياضي علمًا حديث النشأة، ظهرت ملامحه الأولى بالقرن الـ20، على يد رائده «كولمان جريفيث»، الذي يعتبر الأب الروحي له، حيث كان أول من أنشأ معملًا للبحوث الرياضية، واستمر في دراسة حيوات الرياضيين للوصول إلى تأثير علم النفس والصحة النفسية بشكل عام على أداء الرياضيين، قبل أن يضع كامل استنتاجاته في مقال بعنوان «علم النفس وعلاقته بالمنافسة الرياضية».

نظريات علم النفس الرياضي

نظريات علم النفس الرياضي
الصلابة العقلية.

بطبيعة الحال وكأي علم، يقوم علم النفس الرياضي على عدة نظريات، أو ما يمكن توصيفه بأنه مزيج من الأفكار والمفاهيم المتداخلة التي تحاول فهم ما يتطلبه الأمر لأن يكون الرياضي ناجحًا.

وبالنظر إلى الاختلافات البديهية بين الأشخاص، والتركيبات النفسية التي تؤثر على أداء الرياضيين، وضع علماء النفس عبر التاريخ عددًا من المجالات التي يجب دراستها للوصول إلى خلطة الرياضي الناجح السحرية، وتم منحها لقب نظريات علم النفس الرياضي.

طبقًا للباحث الإنجليزي «جيريمي سوتون»، يمكن اختصار نظريات علم النفس الرياضي في 5 رئيسية وهي؛ الصلابة العقلية، التحفيز، تحديد الأهداف، القلق والإثارة، وأخيرًا الثقة، وفيما يلي سنقوم باستعراض كل نظرية على حدة.

الصلابة العقلية

بالنسبة للرياضيين والمدربين، تعتبر الصلابة العقلية البناء النفسي الحيوي الذي يستند عليه الأداء أثناء التدريب والمنافسة، وتساعد الصلابة العقلية في الحفاظ على الاتساق في التصميم والتركيز والسيطرة أثناء الضغط التنافسي.

وطبقًا لإحدى الدراسات التي نشرت عام 2005، تحدد الصلابة العقلية كيفية تعامل البشر مع التحديات والضغوط، بغض النظر عن طبيعة الظروف المحيطة، ويُعتقد أن هذه الصلابة تتكون من 4 عناصر رئيسية وهي:

  • الشعور بالسيطرة عند مواجهة العقبات والمواقف الصعبة
  • الالتزام بالأهداف
  • الثقة في القدرات ومهارات التعامل مع الآخرين
  • رؤية التحديات كفرص

التحفيز

ثاني نظريات علم النفس الرياضي تُعرف بنظرية التحفيز، والتحفيز بشكل مبسط هو الدافع الذي يحافظ على السلوك ويدعمه ويوجهه على المدى الطويل، ولا يؤثر التحفيز على قدرة الرياضي على التركيز وتحقيق التميز الرياضي فحسب، بل إنه ضروري من أجل الاستمرار في التدريب من الأساس.

وعند أخذ ميل البشر الفطري للنمو في الاعتبار، نجد أن المعاملة الخاصة والتفضيلية للرياضي تجعله يقدم أضعاف مردوده الطبيعي من حيث الأداء، ربما لأنه يشعر حين يحظى بالاهتمام بدوافع جوهرية، وإحساس بالإرادة لتبني السلوكيات الإيجابية.

تحديد الأهداف

دون شكٍ، يعد تحديد الأهداف طريقة فعالة للتركيز على الأنشطة الصحيحة وزيادة الالتزام وتنشيط الفرد، ويرتبط أيضًا بزيادة الرفاهية ويمثل سعي الفرد لتحقيق التغيير الذاتي الشخصي والهدف في الحياة.

يمكن أن يوفر الهدف المصمم جيدًا آلية لتحفيز الفرد نحو هدفه، ويمكن تقسيم الشيء الكبير إلى مجموعة من المهام الأصغر التي يمكن إدارتها والتي تقربنا أكثر من تحقيق الهدف العام، ببساطة؛ يحوّل تحديد الأهداف بشكل مسبق الأحلام المستحيلة لمجموعة من الأمنيات الصغيرة التي يمكن مع الوقت تحقيقها بغض النظر عن مستوى الفرد أو مهارته الرياضية.

 القلق والإثارة

تحت الضغط الشديد وفي المواقف التي يُنظر إليها على أنها مهمة، قد يكون أداء الرياضيين أسوأ مما كان متوقعًا، و تعرف هذه الحالة بالاختناق وتنتج عادةً عن القلق المفرط، ويمكن أن يكون لهذا القلق نتائج معرفية (تفكير غير منتظم)، وجسدية (تعرق، وإفراط في التنفس)، وسلوكية (تسرع، وتوتر، وسرعة الكلام).

ويصاب الرياضي عادةً بالقلق لعدة أسباب مثل:

  • الأهمية المتصورة للحدث.
  • عزو النتائج إلى عوامل داخلية أو خارجية.
  • وضع معايير عالية مستحيلة.
  • الخوف من الفشل.
  • انعدام الثقة.

تقنيات هامة في إدارة القلق لدى الرياضيين

في حين يحتاج الرياضي دائمًا إلى درجة من الاستثارة والطاقة العصبية لتقديم أفضل أداء، إلا أن الكثير منها قد يتسبب في انهياره، لذلك يعمل علماء النفس الرياضي مع الرياضيين لفهم الضغط بشكل أفضل والمساعدة في إدارته من خلال عدة تقنيات بما في ذلك التالي:

  • الحديث مع النفس.
  • التصور.
  • التنفس والتباطؤ.
  • الاسترخاء.
  • التمسك بروتين ما قبل الأداء.

وفي النهاية، قد لا يكون مقدار الإثارة هو الذي يؤثر على الأداء الخاص بالرياضي، ولكن تفسيره له.

الثقة

لربما تعد الثقة أهم نظريات علم النفس الرياضي، لسبب بديهي وهو أن انعدام الثقة هو العامل الرئيسي الذي يصيب الرياضي بالقلق من المنافسة، كما أن له دورًا محوريًا في تكوين صلابة الرياضي العقلية، حيث إن الثقة هي مقياس لمقدار الإيمان بالذات الذي يمتلكه أي شخص لمواجهة أي موقف محفوف بالمخاطر.

بالتالي؛ أولئك الذين يتمتعون بدرجة عالية من الثقة بالنفس سوف يدركون أن العقبات جزء من الحياة ويأخذونها خطوة بخطوة، أما أولئك الأقل ثقة أن العالم ضدهم ويشعرون بالهزيمة حتى قبل حدوثها فعليًا.

لهذا، يجب أن يتمتع الرياضي بالثقة في نفسه وفي قدراته، ليواجه التحديات بشكل دوري، وعلى الرغم من ذلك، فهنالك بعض المخاطر المرتبطة بارتفاع معدلات هذه الثقة، حيث يمكن أن تؤدي الثقة المفرطة بالنفس إلى نتائج عكسية.

لماذا يعتبر علم النفس الرياضي مهمًا؟

نظريات علم النفس الرياضي
للتوازن ما بين التفكير والمجهود البدني.

يقضي الرياضيون الكثير من الوقت والطاقة للتركيز على لياقتهم البدنية ومهاراتهم الفنية ومعداتهم، ومع ذلك، لا يمكن أن يكون هذا إلا جزءًا من قصة النجاح، حيث تمارس الرياضة ضغطًا هائلاً على عقل المنافس في المنافسة وفي التدريب، ويجب أن يكون هذا الضغط مدعومًا ببنيات نفسية قوية جدًا.

يساعد الإعداد الذهني على إعداد الفرد والجماعة للمنافسة ويوفر أفضلية على الخصم مع ضمانة بتحسين الأداء، ليس ذلك فحسب، بل إن المهارات المكتسبة في علم النفس الرياضي قابلة للتحويل؛ فبشكل ما يمكننا نقلهم إلى مجالات أخرى مثل المدارس ومقرات العمل.

في النهاية؛ نعتقد أن نظريات علم النفس الرياضي أجابت على السؤال الذي طرح بأول بالعنوان، فبعد تحليل كل نظرية على حدة، ومقارنتها بسمات الرياضي بشكل منفصل، يمكننا التعرف على حقيقة الرياضي، أو بشكل أوضح يمكننا أن نعرف «من يكون، وإلى أي نقطة يمكنه أن يصل؟»

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى