الصحة النفسية

لماذا يلجأ البعض إلى الإنكار كوسيلة دفاعية؟

توصلت آنا فرويد؛ ابنة عالم النفس الشهير «سيجموند فرويد» إلى أن الإنكار في علم النفس هو وسيلة يستخدمها الشخص للدفاع عن نفسه، والمحافظة على استقرار حالته النفسية طالما يجد في نفسه عدم القدرة على المواجهة، ما هو بالضبط وكيف يمكن علاجه، هذا ما سوف نتعرف عليه معًا.

مصطلح الإنكار في علم النفس 

الإنكار في علم النفس يمكن تعريفه على أنه آلية من آليات الدفاع؛ فيها يرفض الشخص أن يعترف بما اقترفه من أخطاء؛ خوفًا من العقاب، وهي من العمليات التي تكمن في اللاوعي والهدف منها حماية الفرد نفسه من الدخول في حالة من القلق والانزعاج.

يمكنك إنكار أمور كثيرة تخصك أو تتعلق بأشخاص تحبهم وتحترمهم كثيرًا، وهنا تجد أنك غير قادر على تصديق أمرٍ ما، أو تنكره بعقلك اللاواعي، مثل: إذا كنت تحترم مديرك في العمل، فأنت لن تصدق تلك العلامات التي تشير إلى عدم طهارة يده وسرقته الشركة التي يعمل بها.

وقد وضعت آنا فرويد تلك الفكرة ضمن آليات الدفاع والاستراتيجيات اللاواعية التي يتبعها الأشخاص لحماية أنفسهم من الوقوع في مستنقع القلق والتوتر الدائم من خلال رفض جوانب الواقع نفسه.

تأثير الإنكار على العلاقات

بالفعل تتأثر علاقة الفرد بمجتمعه والأشخاص المحيطين به إذا ما تمادى في استخدام الإنكار، حيث لا يرى ما لديه من عيوب وأخطاء وينكرها تمامًا ويحاول التظاهر بما ليس فيه من صفات، أو أنه يتغاضى عما يمر به من مشاعر سلبية أو خلافات معينة مع الآخرين، وبذلك لا يجد مشكلة من الأساس كي يبحث لها عن حل، ليزداد الأمر صعوبة وتتفكك العلاقات بسبب هذا التقصير من جانبه، ثق أن مواجهة هذه المتاعب سوف تعمل على تقوية العلاقة مع الآخرين وتجعلك تشعر بالارتياح أكثر من ذي قبل.

علامات الإنكار وأعراضه

الإنكار في علم النفس
لا تدفن رأسك في الرمال

ربما لا تعرف أن هذا الشخص يرفض أو ينكر أمورًا بعينها ويأبى التعامل معها على أنها واقعٌ وحقيقة، ولكن تلك العلامات تسهل عليك كثيرًا ومنها:

  • عندما يتجنب الحديث عن مشكلة ما.
  • إلقاء اللوم على الآخرين دومًا وكأنه لا يمكن أن يكون سببًا في تلك المشكلة.
  • رغم ما يجده من عواقب سلبية إلا أنه يظل مستمرًا في طريقه.
  • يلجأ إلى التبرير ويجد له طرقًا كثيرة.
  • قد لا يحاول التفكير في المشكلة من الأساس.
  • الشعور بالحزن أحيانًا لأنه مضطر للهروب من مشكلته وإنكارها.

كانت تلك علامات تظهر على الشخص المنكِر والذي قد يدفعه يأسه إلى الدخول في هوة الإنكار، بحيث قد وثق أن كل ما يقوله أو يفعله لن يغير من الأمر شيئًا، ومن الأفضل أن يتحاشى التفكير فيه بالكلية أو تقبل المشورة والمساعدة من الغير؛ متظاهرًا بأن كل شيء على ما يرام.

أمثلة على الإنكار 

بعد الحديث عن مصطلح الإنكار في علم النفس والتعرف على علاماته، يمكننا سرد بعض الأمثلة على الإنكار، وذلك حتى نضع أيدينا على أصل المشكلة وما يجب فعله حيالها، كي لا يصل بنا استخدام آلية من آليات الدفاع إلى إدمان الهروب من الواقع والذي يجلب علينا الكثير من الخطر فيما بعد.

  • إذا كان هناك شاب يدخن وهو يعلم جيدًا أنه يعيش ضمن بيئة محافظة وملتزمة أخلاقيًا وتعتبر التدخين من المحرمات، فهو ينكر هذا السلوك طالما يستخدم ما يقضي على رائحة التدخين.
  • في حالة إذا ما آذيت شخصًا قريبًا منك، فأنت تبرر فعلتك في أنه هو السبب فيما حدث وتلقي اللوم عليه.
  • إذا تم تشخيصك بمرضٍ مزمن وتأكد الأطباء على خطورته، فأنت تنكر ذلك محدثًا نفسك؛ إن الأمر ليس بغاية السوء.
  • إنكار وفاة شخص تحبه ورفض فكرة أنه فارق الحياة ولن تراه أو تحادثه مرة أخرى، وهو مرحلة من مراحل الحزن التي يكثر فيها استخدام آليات الدفاع

    الإنكار في العقل النرجسي

    الإنكار في علم النفس
    لا أسمع ما تقول فأنا أنكره

    ينمو هذا السلوك لدى الطفل منذ صغره بحيث يحول أن ينجي نفسه من العقاب لسببٍ ما فيتجه إلى إنكاره، وقد ينكرون الشعور بالغيرة من شخص معين كي يظلون على احترامهم لأنفسهم، ونجد من يحاول إنكار خوفه من بعض الحيوانات الأليفة مثلًا كي لا يتعرض للنقد أو السخرية.

    الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية (NPD) يعرفون الفرق بين الحقيقة والخيال، والحقيقة والأكاذيب، إلا إذا كانوا يعانون من انفصال ذهاني عن الواقع، كما يمكن أن يحدث مع مرض انفصام الشخصية، ولكن نظرًا لأن هيكل شخصيتهم مبني على تضخيم الذات، فإنهم يبقون الواقع على مسافة ويصفون المعلومات بطريقة تجعلها تتوافق مع رغباتهم مع إنكار وجود مصالح شخصية وراء ذلك.

    يمكن أن يكون الإنكار قصير المدى بمثابة حماية مؤقتة ضد التأثير الكامل لشيء مؤلم، لكن الإنكار المستمر في مرحلة البلوغ، وهو سمة محددة للنرجسية المرضية، فيصبح خيارًا للانخراط في تشويه الواقع.

    يمكن أن تلتقي بشخص أن تعرفه جيدًا، وتعرف أن حالته الاقتصادية لا تسمح له بشراء حاجيات معينة، ومع ذلك تجده في مركز للتسوق منهمكا في ابتياع الكثير والكثير من المنتجات، وتفاجأ أنه استدان من أجل ذلك رغم عدم احتياجه لتلك المنتجات، إلا أنه ينكر واقعه المالي والاقتصادي ويرغب في الظهور بمظهر مختلف.

    أشكال الإنكار في علم النفس

    يصبح الإنكار نوعًا من خداع الذات حيث يتم تجاهل الإدراك الدقيق واستبداله بتلك النظرة غير الموضوعية والتي تبدو مشوهة، إليكم الأمثلة التالية للأشكال الشائعة من خلال مثال لأم تحاول إقناع طفلها بأن الأب ليس سيئًا إلى تلك الدرجة، لمجرد أنه عاتبه أو استخدم وسيلة من وسائل العقاب ضده.

    الفصل: الرفض يدفع بالواقع بعيدًا باعتباره لا يستحق الاهتمام، مثال: «كان ذلك منذ وقت طويل جدًا ولا أستطيع تذكر ما حدث بالفعل،. ألم تتغلب على ذلك؟»

    التبرير: حيث يبرر حقيقة ما لجعلها تبدو معقولة، مثال: «كان والدك يؤدبك من أجل مصلحتك لأنك كنت خارج نطاق السيطرة وتحتاج إلى يد حازمة».

    التقليل إلى الحد الأدنى: التقليل من الاعتراف بالحقيقة ولكنه يقلل من أهميتها أو تأثيرها، مثال: «والدك يغضب أحيانًا، لكنه كان دائمًا بجانبك».

    النفي: هو إنكار صريح للحقيقة، مثال: «والدك لم يمد يده عليك وأنت تعرف ذلك».

    الانعكاس: يؤكد الرجوع إلى نسخة معاكسة للحقيقة قائمة على التمني والخيال، مثال: «والدك كان دائمًا لطيفًا ومحبًا معك، أنت محظوظ لوجوده معك».

    الإنكار في علم النفس وعلاجه

    الإنكار في علم النفس
    العلاج النفسي

    رغم أن استخدام تلك الوسيلة عن طريق اللاوعي، إلا أنه من الأفضل الوصول إلى علاج مناسب لها، كي يحاول الفرد التعايش السليم والقائم على أسس موضوعية مع الأحداث التي تقع له والمواقف التي يجب عليه مواجهتها بشجاعة، وعلى الجانب الآخر تبرز طرق العلاج المختلفة ما هي الأسباب التي تدفع الشخص لاستخدام آلية الإنكار في الدفاع عن صحته النفسية كما يعتقد.

    العلاج النفسي 

    من المؤلم أن يكون المريض نفسه منكرًا لوجود مرض لديه، فلا يجد الدافع الذي يجعله يتوجه لواحد من مقدمي الرعاية النفسية، ولكن الإنكار في علم النفس له طرق معينة للتعامل معه على كل حال، فغالبًا ما يعتمد التغلب على الإنكار على طبيعة المشكلة نفسها، وفي الأخير يتصالح الناس مع حقيقة الموقف بمفردهم مع الوقت والدعم النفسي المقدم.

    في العلاج النفسي الديناميكي، يساعد تعلم التعرف على آليات الدفاع وتحديدها مثل: الإنكار، على تحسين الوعي الذاتي للفرد لفهم سلوكه، ولكن لا بد من بناء جسر من الثقة المتبادلة بين المعالج والمريض، وذلك من خلال عدة خطوات هامة:

    • أن يطور مهارات تأقلم الفرد مع مجتمعه ومعه هو شخصيًا.
    • يُشعر المريض أنه يسمعه جيدًا وكأنه يصدق ما يقول حتى يصل إلى سبب إنكاره هذا.
    • عدم مواجهته في جلسات العلاج الأولى بما يحاول الهروب منه.
    • لا يستخدم الأدوية في العلاج في البداية، بل يفضل تقديم النصائح الخاصة بتغيير الأجواء وممارسة الرياضة.

    نصائح وتدريبات 

    إذا تأكدت أن استخدام الإنكار يجعلك بعيدًا عن مجتمعك، ويسبب لك مزيدا من القلق على المدى البعيد، فأنت بحاجة إلى اتخاذ تلك الخطوات الهامة واعتمادها في حياتك كي تتأقلم وتواجه:

    • تساءل دائمًا ما هو سبب الخوف من أن أواجه هذه المشكلة أو تلك.
    • تحدث إلى شخص قريب ومتفاهم معك، فسوف تجد لديه منظور أكثر موضوعية للمشكلة.
    • فكر دائمًا في تلك العواقب التي ستعود عليك إذا ما تجاهلت المشكلة ولم تواجهها.
    • احصر أية أفكار يمكن أن تسبب لك قلقًا أو انزعاجًا على المدى القريب.

    إلى هنا فقد انتهينا من سرد الكثير من معلومات تخص مصطلح الإنكار في علم النفس وبعض الأمثلة عليه، والنصيحة التي يقدمها المتخصصون هي أن المواجهة أفضل بكثير من الهروب، ومع وجود فوائد صحية أحيانًا لاستخدام الإنكار على المدى القصير، إلا أن المدى الطويل يُحتم عليك عدم التمادي في ذلك.

    المصدر
    مصدر 1مصدر 2

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى