شخصيات مؤثرةثقافة ومعرفة

جريجور مكجريجور.. قصة القائد المحتال والإمبراطورية الزائفة

بالعام 1811، رحل جريجور مكجريجور، المحارب الاسكتلندي على متن سفينة إلى فنزويلا، وهو بسن الـ25 فقط، من أجل أن يخوض غمار حروب الاستقلال، التي شاركت بها المستعمرات الإسبانية آنذاك بأمريكا اللاتينية.

من هو جريجور مكجريجور؟

جريجور مكجريجور

ولد جريجور في 24 ديسمبر 1786 لعشيرة «مكجريجور» التي كانت تمتلك تقاليد عائلية قوية في القتال، وكان والده دانيال ماكجريجور، قبطانًا بحريًا لشركة الهند الشرقية، بينما خدم جده، الذي كان يلقب بـ«الجميل»، في كتيبة «بلاك ووتش» الملكية باسكتلندا.

انضم جريجور مكجريجور، عند بلوغه سن الـ16، إلى الجيش البريطاني قبيل اندلاع الحروب النابليونية بوقت قصير، وخدم في فوج القدم 57، وبعد عام واحد من الخدمة في الجيش، تمت ترقيته لرتبة الملازم.

تزوج من ماريا بووتر، وهي امرأة ثرية تصادف أنها ابنة أميرال في البحرية الملكية، كان قد أقام معه أثناء خدمته وانضم لاحقًا إلى فوجه في جبل طارق، وبعد أن حقق نفسه بشكل ما، قرر أن يشتري رتبة النقيب (التي كلفته نحو 900 جنيه استرليني) بدلًا من انتظار الترقية وفقًا للإجراءات التقليدية، التي كانت لتتطلب منه 7 سنوات من العمل الكادح والجاد.

ظل جريجور متمركزًا في جبل طارق حتى عام 1809 عندما تم إرسال كتيبته إلى البرتغال لدعم القوات تحت قيادة دوق ولينغتون، وبالفعل، وصل فوجه إلى لشبونة في يوليو من نفس العام، وظل يخدم على سبيل الإعارة ضمن كتيبة الخط الثامن للجيش البرتغالي لقرابة الستة أشهر، إلى أن نشب خلاف بينه وبين أحد الضباط، انتهى بتسريحه من الخدمة، وعودته وزوجته إلى إدنبره عاصمة اسكتلندا.

تحوُّل المسار

حياة جريجور مكجريجور في اسكتلندا عقب عودته مجددًا لم تكُن مثالية، حيث حاول أن يضفي على اسمه طابعًا نبيلًا، عن طريق التودد للنبلاء وعلية القوم، لكنه لم يكن مرحبًا به، ولم يُثر الإعجاب، لذلك، قرر فورًا الرحيل إلى لندن في 1811، وبدء حياة جديدة، عرّف نفسه بها باسم (السير جريجور مكجريجور).

لكن هذه المحاولات اصطدمت بكارثة أخرى، عندما توفيت زوجته، التي كانت توفّر له الدعم المادي، لكونها ثرية، بذلك؛ انحصرت خياراته بشكل قاس، خاصةً وأن مسألة عودته للجيش كانت شبه مستحيلة، بالنظر إلى الطريقة التي تم تسريحه منه بها.

في هذه اللحظة الحاسمة من حياته، قرر مكجريجور أن يحول وجهته مجددًا صوب أمريكا اللاتينية، متذكرًا الانطباع الجيد الذي تركه لدى أحد قادة ثوار فنزويلا، الجنرال فرانسيسكو دي ميراندا، عندما زار الأخير لندن في رحلة قصيرة، وآمن جريجور بأن هذه الفرصة مثالية له من أجل خوض غمار تجارب مثيرة، تجعل اسمه يتردد بشكل أوسع، ما قد يمنحه الصيت الذائع الذي يطمح له، وعلى الفور، باع كل ممتلكاته باسكتلندا، وأبحر مجددًا إلى فنزويلا، حتى وصل بأبريل من العام 1812.

عند وصوله اختار أن يقدم نفسه باسم «السير جريجور» وعرض خدماته على الجنرال ميراندا، الذي قبل عرضه دون تردد، وهكذا حصل ماكجريجور على رتبة عقيد وتولى مسؤولية كتيبة سلاح الفرسان.

حياة جديدة

جريجور مكجريجور

نال السير جريجور مكجريجور استحسان وثناء الجمهوريين سريعًا، على الرغم من أن أولى انتصاراته العسكرية (معركة ماراكاي) لم تكن عظيمة، إلا أنه استطاع أن يربح ثقة الجميع، ورفع سقف طموحاتهم لما يمكن أن يقدمه بالمستقبل، فتوالت الترقيات المقدمة للمحارب الاسكتلندي، حيث أصبح القائد العام لسلاح الفرسان، ثم جنرالًا للجيش بفنزويلا وغرناطة، قبل أن يبلغ عامه الـ30.

في ذروة صعوده كاسم بارز بفنزويلا، قرر جريجور أن يقترب أكثر من المجتمع الراقي، فتزوج من دونا جوزيفا أنطونيا أندريا أريستجويتا إي لوفيرا ابنة عم الثوري الشهير سيمون بوليفار ووريثة لعائلة مهمة في كاراكاس، وبذلك تحقق له جزء مما يريد، فقد أعاد اكتشاف نفسه مجددًا كشخصية عامة، عقب سنوات قليلة من إقصائه مجتمعيًا من بلاده.

بطولات

استمر القتال بين الجمهوريين والملكيين بفنزويلا، وراح ضحيته الجنرال ميراندا، الذي قضى آخر أيامه مسجونًا بقادش، وفي هذه الأثناء، كان قد تم إجلاء جريجور مكجريجور وزوجته، مع الزعيم سيمون بوليفار، إلى جزيرة «كوراساو» الخاضعة لحكم الهولنديين.

وبحلول عام 1815، عرض مكجريجور خدماته على جيش «غرناطة الجديدة»، وشارك في حصار «قرطاجنة»، ليثبت نفسه مجددًا كقائد حربي من الطراز الرفيع، أما في عام 1816، فأجبر على الانسحاب بعد هزيمة الملكيين، وقتئذ كان على رتبة عميد بالجيش الفنزويلي، ونالت قصة انسحابه بجيشه سالمًا ثناء بوليفار، الذي بعث له رسالة تقدير، حيث اعتبر قصة فراره بالجيش خلال مدة تقارب الـ34 يومًا، عملا بطوليا.

بعد ذلك؛ ورغبة في المزيد من المغامرات، قاد مكجريجور عددًا من الحملات ضد المعاقل الإسبانية، وبموجب تفويض من الثوار لغزو فلوريدا وأخذ الإقليم من براثن الإسبان، قاد قوة صغيرة وشن هجومًا مفاجئًا بمئة وخمسين رجلاً وسفينتين صغيرتين فقط، وتمكن من الاستيلاء على قلعة جزيرة أميليا وإعلان «جمهورية فلوريدا»، واعتبر هذا انقلابًا كبيرًا حيث نجح في احتلال موقع مهم على طول طرق الشحن.

إمبراطورية من العدم

جريجور مكجريجور

طالما كان حلم جريجور مكجريجور أن يصبح رجلًا ذا شأنٍ، وهو ما سعى إليه القائد العسكري منذ أن غادر بريطانيا متجهًا إلى فنزويلا، تاركًا خلفه الجمل بما حمل، وربما بدأ حلمه يتحقق بمرور السنوات، إلى أن صادف بحلول 1820 ساحل نيكاراغوا، المعروف بساحل البعوض، وأقنع بأسلوبه الرزين زعيم السكان الأصليين بمنحه قطعة أرض لينشئ عليها مستعمرة، ومن هنا بدأت فكرة تكوينه لإمبراطورية خاصة تتبلور داخل رأسه.

بعام 1821، عاد مكجريجور وزوجته إلى لندن، وزعم عند عودته بأنه أضحى أميرًا لـ«بوياس»، وهي دولة مستقلة على ساحل الهندوراس، وادعى أن هذا شرف لم ينله سوى قلة بهذا العالم، ولكن كان لادعاءاته مغزىً واضح، وهو تسييل لعاب طبقة الأغنياء البريطانيين.

شرع مكجريجور في بناء مشروع بنية تحتية واسع النطاق لكنه كان بحاجة إلى مستوطنين ومستثمرين جدد، لذلك أغرى أصحاب المصلحة والمستعمرين المحتملين من لندن وإدنبرة وغلاسكو، حيث باع لهم الأسهم كشركاء، وفي عام واحد نجح في جمع 200 ألف جنيه استرليني، كما نشر كتبا إرشادية تشرح مميزات عيش حياة جديدة بإمبراطوريته الخاصة «بوياس».

بشكل موازٍ، عيّن الأمير مندوبًا لبوياس، وطبع عملة خاصة بالبلد الجديد عرفت بـ«دولار بوياس» وتم الاستغناء عن الجنيه الاسترليني، لهذا بدأت الوفود الطامحة في الاستثمار بهذا البلد الجديد بالوصول إلى ساحل الهندوراس، سفينة تلو الأخرى، لكنهم فوجئوا بأنها ليست إلا غابة شاسعة، مكتظة بالسكان الأصليين الفقراء، ومجموعة من الوافدين الجدد الذين لم يجدوا هناك ما حلموا به.

حاول المستوطنون المخدوعون دون جدوى إنشاء مستعمرة وتوفير المؤن الأساسية للبقاء على قيد الحياة، لكن فشلوا، وتم إجلاء بعض الناجين منهم إلى هندوراس واختاروا الاستقرار في مكان آخر، بينما عاد حوالي 50 شخصًا إلى لندن في أكتوبر 1823.

لم يتم لوم جريجور مكجريجور من قبل المواطنين البريطانيين المخدوعين، ربما من هول الصدمة، لكنه كان على علم بأن محاولته لنهب أموالهم ستفضح بوقت قريب، لذا هرب متجهًا بالقرب من القناة الإنجليزية بفرنسا، وهناك، كرر نفس القصة، وجمع ما يقرب من 300 ألف أسترليني بالاحتيال على الفرنسيين، لكن في هذه المرّة استطاعت السلطات الفرنسية إحباط خطته، عندما وصلت أنباء عن سفينة فرنسية متجهة إلى موقع «غير موجود»، فتم اعتقاله على الفور، وحوكم أمام القضاء الفرنسي عام 1826.

لحسن الحظ، تمت تبرئة ماكجريجور من تهمة الاحتيال وأدين أحد شركائه بدلاً منه، ما جعله يواصل وضع مخططات الاحتيال مجددًا في لندن، ولكن في إطار المعقول، حتى قرر بالنهاية التوقف عن الاحتيال في نهاية المطاف عام 1838، وعاد إلى فنزويلا مرة أخيرة، التي استقبلته كبطل شعبي.

في عام 1845، توفي جريجور مكجريجور، المقاتل المحتال، بسلام في كاراكاس عن عمر يناهز 58 عامًا، ودُفن بعد جنازة عسكرية في كاتدرائية كاراكاس، لتظل حياته محاطة بالألغاز، فهل كان بطلًا وقائدًا أم شريرًا محتالًا؟

المصدر
مصدرمصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى