ثقافة ومعرفة

لماذا كان عام 536 ميلاديا الأسوأ في التاريخ؟

بحلول نوفمبر من عام 2019، ربما كان العام الأسوأ في التاريخ من وجهة نظر الكثيرين، حيث ظهرت بوادر انتشار لفيروس كورونا المستجد، الذي اجتاح العالم بعد ذلك بأشهر قليلة، ليصيب نحو 200 مليون إنسان، ويحصد أرواح ما يدنو من 4.5 مليون آخرين، إضافة إلى ما تسببت به توابع تحول هذا الفيروس إلى وباء عالمي من إغلاقات وإجراءات احترازية أثرت اقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا على الأرض بأسرها.

لماذا نكره الواقع؟

 العام الأسوأ في التاريخ
فيروس كورونا المستجد.

عادة، يتملكنا شعور بالكراهية تجاه الواقع الذي نعيشه، فقد نعتقد بأن الماضي كان أفضل، أو أن المستقبل بدوره قد يأتي بالأفضل، ربما نتوقع أي شيء، لكننا نتفق ضمنيًا على أن الحاضر غالبًا هو الأسوأ. لسنا هنا لنشكك في تأثير اجتياح فيروس كورونا على حياة سكان هذه الأرض، كما لا يمكننا أن نتجاهل تأثير أوبئة وحروب سابقة ربما حصدت أرواحًا ودمرت الصحة النفسية لأعداد مشابهة من البشر، لكن السؤال هو لماذا وصمنا العام 2019، بأنه العام الأسوأ في تاريخ البشرية؟

يخبرنا علم النفس أننا عادة ما نتذكر التجارب السلبية بشكل أفضل، أكثر من التجارب الإيجابية، ما يجعلها دائمًا عالقة بأذهاننا، ووفقًا لورا كارستنسن، أستاذة علم النفس في جامعة ستانفورد، يعتقد العديد من علماء النفس أن هذا له جذور تطورية. من المهم بالنسبة للناس، للبقاء على قيد الحياة، أن يلاحظوا ما يهدد حيواتهم، وغض النظر عن الأشياء الجميلة التي قد تظهر بالتزامن مع هذا التهديد.

بالتالي، فإن إحدى المدارس الفكرية تعتقد أن اهتمامنا بالأحداث السلبية له قيمة تكيفية، فهناك الكثير من المعلومات التي يجب تعلمها في المواقف الصعبة أو الخطيرة، وأن أدمغتنا يمكنها تطبيق تلك المعرفة عندما تظهر حالة مماثلة في المستقبل، لهذا تعتقد كارستنسن أنه مع تقدمنا في العمر، قد نرضى عن حاضرنا، لأننا أصبحنا أكثر حكمة، نستطيع التكيف مع المتغيرات بشكل أكبر.

بغض النظر عن صحة أطروحة كارستنسن من عدمها، المهم هو أننا ربما نمتلك شعورًا ‑حتى وإن لم نصرح به- بأن العام 2019 كان العام الأسوأ في تاريخ البشرية، على الأقل بالنسبة لشريحة كبيرة منا، وبإسقاط ما ذكرته أستاذة علم النفس على هذه الحالة، فقد يبدو هذا مبررًا، ربما فقط لأننا لم نصبح أكثر حكمة بعد، إضافة إلى كوننا لم نعش أي تجربة مماثلة، وبالتأكيد لأن تجربة التعايش مع وباء عالمي تجربة قاسية بكل ما تحمله من تفاصيل.

ما هو العام الأسوأ في التاريخ؟

لماذا كان عام 536 ميلاديا الأسوأ في التاريخ؟

يخبرنا مايكل ماكورميك، مؤرخ العصور الوسطى، بكل أسف أننا وآباؤنا وأجدادنا لم نختبر ما يمكن وصفه بالعام الأسوأ في التاريخ، فطبقًا لوجهة نظره، لم يكن عام 1349 حين اجتاح الطاعون أوروبا هو الأسوأ، ولا يمكن اعتبار عام 1918 الذي شهد حصد الإنفلونزا الإسبانية لنحو 100 مليون روح هو الأسوأ، بل العام 536.

«كانت بداية واحدة من أسوأ فترات الحياة، إن لم تكن أسوأ عام»

-مايكل ماكورميك، المؤرخ وعالم الآثار الذي يرأس مبادرة جامعة هارفارد لعلوم الماضي البشري.

إذن، يبدو الآن من المنطقي أن نطرح سؤالًا منطقيًا؛ إن كان فناء 100 مليون إنسان لا يكفي لوصف عام ما بالأسوأ، فماذا حدث بعام 536 ليجعله ينفرد بهذه السمعة السيئة؟ الإجابة تأتينا عبر ما تركه المؤرخ البيزنطي «بروكوبيوس» الذي ترك وصفًا لما حدث بهذا العام، حيث أغرق ضباب غامض أوروبا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا في الظلام ليل نهار لمدة 18 شهرًا.

طبقًا لما استقر عليه المؤرخون، فقد انخفضت درجات الحرارة في صيف عام 536 بمقدار 1.5 درجة مئوية إلى 2.5 درجة مئوية، مما أدى إلى بدء أبرد عقد خلال الـ 2300 عام الأخيرة، وتساقطت الثلوج في ذلك الصيف في الصين، فشلت المحاصيل المتاحة في سد جوع الناس، الذي عرف تاريخيًا وفقًا للسجلات الأيرلندية بـ«فشل الخبز»، الذي استمر من العام 536 إلى 539 ميلاديا.

من المتهم؟

 العام الأسوأ في التاريخ
ثوران بركاني.

عرف المؤرخون فترة منتصف القرن السادس كعصر مظلم، لكن مصدر الغيوم الغامضة كان لغزًا. لكن وبعد تحليل دقيق للغاية للجليد من نهر جليدي سويسري بواسطة فريق بقيادة ماكورميك وعالم الجليد بول مايوسكي في معهد تغير المناخ بجامعة ماين (UM) في أورونو وجهت أصابع الاتهام إلى الجاني الحقيقي.

في ورشة عمل في جامعة هارفارد، أفاد الفريق أن ثورانًا بركانيًا كارثيًا في أيسلندا أدى إلى إطلاق الرماد عبر نصف الكرة الشمالي في وقت مبكر من عام 536، تبع ذلك انفجاران هائلان آخران، في عامي 540 و547، ما جعل الركود الاقتصادي يستمر حتى عام 640.

بالنسبة لكايل هاربر، عميد ومؤرخ العصور الوسطى والرومانية بجامعة أوكلاهوما في نورمان، فإن السجل التفصيلي للكوارث الطبيعية يمنحنا نوعًا جديدًا من السجل لفهم تسلسل الأسباب البشرية والطبيعية التي أدى إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية.

وأفادت دراسات تعود إلى تسعينيات القرن الماضي بأن العام 540 كان الأشد برودة في تاريخ البشرية، ما جعل الباحثون يفتشون عن السبب، فقبل 3 سنوات، قدمت عينات اللب الجليدية القطبية من جرينلاند وأنتاركتيكا دليلًا على ذلك، وهو أنه عندما ينفجر البركان، فإنه يقذف الكبريت والبزموت ومواد أخرى عالية في الغلاف الجوي، حيث تشكل حجابًا من الهباء الجوي يعكس ضوء الشمس مرة أخرى إلى الفضاء، مما يؤدي إلى تبريد الكوكب.

ومن خلال مطابقة السجل الجليدي لهذه الآثار الكيميائية مع سجلات حلقات الأشجار للمناخ، وجد فريق بقيادة مايكل سيجل، من جامعة برن، أن كل صيف بارد بشكل غير عادي على مدار الـ 2500 عام الماضية كان يسبقه انفجار بركاني، واقترح الفريق أن ثورانًا هائلاً ‑ربما في أمريكا الشمالية- برز في أواخر عام 535 أو أوائل عام 536؛ تبعه آخر في 540، وخلص الفريق إلى أن هذه الضربة المزدوجة كانت السبب في كون عام 536 العام الأسوأ في التاريخ، عام مظلم وبارد.

تأكيدات

وجدت طالبة الدراسات العليا لورا هارتمان جسيمين مجهريين من الزجاج البركاني، يعودان لربيع العام 536، ومن خلال تعريضهما للأشعة السينية لتحديد بصماتها الكيميائية، وجدت أنهما تتطابقان عن كثب مع جزيئات الزجاج الموجودة سابقًا في قلب الجليد في جرينلاند.

ويعتقد أن تكون الرياح وأنظمة الطقس في عام 536 قامت بتوجيه عمود الثوران الجنوبي الشرقي عبر أوروبا، وبعد ذلك إلى آسيا، مما أدى إلى إلقاء بؤرة باردة بينما كان الضباب البركاني «يتدحرج»، في حين تتمثل الخطوة التالية في محاولة العثور على المزيد من الجزيئات من هذا البركان في بحيرات في أوروبا وأيسلندا، لتأكيد موقعه في أيسلندا واستنباط سبب كونه مدمرًا للغاية، وهي تفاصيل لم يعثر عليها إلى الآن.

أخيرًا يعتقد كريستوفر لوفلوك من جامعة نوتنغهام في المملكة المتحدة، أن العام 536 لم يكن فقط العام الأسوأ في التاريخ لكنه أيضًا كان العام الذي تغيرت به الحياة بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى