ثقافة ومعرفة

«الإيموجي».. وهل تتسيد الرموز التعبيرية لغة التواصل في المستقبل؟

بالعام 2014، وصف آدم ستيرنبرج، صحفي مجلة نيويورك الأمريكي، الإيموجي أو الرموز التعبيرية بأنها جيش كرتوني من الوجوه، المركبات، الأعلام، الطعام والرموز التي تحاول الإطاحة بحكم الكلمات الذي دام آلاف السنين، حيث يعتبر اقتحامها للفضاء الإلكتروني بمثابة الزلزال الذي ضرب وسائل الاتصال الجماهيري في القرن الحادي والعشرين.

كيف بدأ «الإيموجي»؟

بدايةً؛ يعود أصل مصطلح الإيموجي إلى اللغة اليابانية، ويعني اصطلاحًا الصور الرمزية أو الوجوه الضاحكة المستخدمة في كتابة الرسائل الإلكترونية اليابانية وصفحات الويب، ويتكون المصطلح من مقطعين؛ الأول «e» والتي تعني صورة، أما الثاني فهو «moji» التي تعني حرفا أو رمزا.

تم تقديم الرموز التعبيرية الأولي في 1998 أو 1999 بواسطة شيجتاكا كوريتا، الذي كانت جزءًا من الفريق الذي كان يعمل على النظام الأساسي «NTT DoCo­Mo i‑mode» المختص بإنترنت المحمول، للمساعدة على تسهيل الاتصال الإلكتروني كميزة إضافية للمستخدم.

لذلك، يمكننا القول إنّ أصول الرموز التعبيرية تعود في الواقع إلى أواخر التسعينيات، عندما بدأ المبتكرون العباقرة في اليابان بتجربة نظام جديد تمامًا للتعبير الإلكتروني، ومع ذلك فقبل اقتحام الإيموجي للمشهد الإلكتروني، كانت هنالك طرق أخرى تتيح لمستخدمي الحاسوب في التعبير عن حالاتهم المزاجية باستخدام الأحرف الموجودة على لوحات المفاتيح الخاصة بهم.

محاولات لاختصار الكلمات

الإيموجي

حقيقةً، «الإيموجي» كفكرة، لم يكُن حكرًا على رواد الإنترنت، لكن دائمًا ما كانت هنالك حاجة لاختصار بعض التعبيرات الإنسانية على هيئة رموز، قد لا تتمكن الأبجديات من التعبير عنها بالشكل الأمثل.

في أواخر الستينيات من القرن الماضي، فكر فلاديمير نابوكوف — مؤلف الروايات الروسي المشهور في ضرورة وجود علامات مطبعية خاصةً بالابتسامة، وفي العام 1982، ابتكر عالم الكمبيوتر الأمريكي «سكوت فالمان» ونشر الرموز التعبيرية الأولى كما نعرفها اليوم، واقترح استخدامها كعلامات مزاح حتى لا يساء فهم نقرات المستخدمين على لوحات المفاتيح.

ما هو الفارق بين الرموز البدائية والإيموجي؟

لا يمكن بأي شكل افتراض أن الإيموجي كان التطور الطبيعي للرموز المستخدمة بالقرن الـ20، وبدايات عصر الحواسيب، لسبب واحد، وهو نشأة الرموز بين علماء الكمبيوتر في الولايات المتحدة، بينما وُلدت الرموز التعبيرية في اليابان.

يضاف إلى ذلك، ‑عكس الاعتقاد الشائع- فإن جذور المصطلحين (Emoti­con- Emo­ji)، لا تربطهما أي علاقة حقيقية ببعض، على الرغم من ارتباطهما من حيث الاستخدام وهو التعبير، فباختصار؛ تعد الـ(Emoticon) اختصارًا للتعبير عن العاطفة، بينما كلمة (Emo­ji)، لا علاقة لها بالعاطفة، بل اختصار للفكرة اليابانية «شخصية وصورة».

غزو الرموز التعبيرية للأسواق

الإيموجي
شيجتاكا كوريتا، مخترع أول سلسلة للرموز التعبيرية.

في أواخر التسعينيات، أثناء العمل في شركة اتصالات يابانية تسمى «NTT Doco­mo»، انخرط شيجتاكا كوريتا في إطلاق منصة إنترنت متنقلة مبتكرة تسمى «i‑mode»، تسمح الخدمة للمستخدمين بالوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني، النشرات الإخبارية، التنبؤات الجوية والألعاب على أجهزتهم المحمولة، واعتقد كوريتا أنه سيكون من المفيد تقديم سلسلة من الصور التي يمكن للمستخدمين إرسالها كشكل من أشكال الاختزال.

وقتئذ ابتكر كوريتا نحو 176 صورة تعبيرية، وعند هذه اللحظة، بدأ العالم في استيعاب الرموز التعبيرية كأدوات سهلة للتعبير، وكتقدير لعمله المدهش، تم تكريمه بوضع مجموعة «الإيموجي» الأصلية التي ابتكرها في متحف نيويورك للفن الحديث.

كيف أثرت الرموز التعبيرية على التواصل بين البشر؟

الإيموجي
كلمة عام 2015، قاموس أكسفورد.

بالعام 2015، أعلن الحساب الرسمي لقواميس أكسفورد على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنّ كلمة العام لا يمكن أن تجدها بقاموس، ولا يمكن نُطقها من الأساس، لكن استخدامها يعتمد على الحس الفني للمستخدم، حيث إنه وبشكل مفاجئ كانت كلمة ذلك العام، ما هي إلا أحد أشكال الإيموجي الأكثر انتشارًا (وجه بدموع الفرح).

الرمز التعبيري أقوى من اللغة أحيانًا

وجد المسؤولون عن اختيار لقب كلمة العام أن هذا الرمز كان أكثر الرموز التعبيرية استخدامًا في جميع أنحاء العالم، حيث شكل 20% من جميع الرموز التعبيرية المستخدمة في المملكة المتحدة في عام 2015، و17% من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، ولكن على الرغم من أن قواميس أكسفورد اختارت أن تحظى بهذا الشرف، فلم تتوقع ظهور هذا الرمز التعبيري أو أي رمز تعبيري آخر في القاموس، على الأقل ليس في المستقبل القريب.

لكن الأهم بذلك الشأن؛ هو أن الشركة قد أعلنت عن قائمة الكلمات التي تنافست بسباق كلمة العام، والتي كانت تحتوي على كلمات أكثر جديّة من مجرد رمز تعبيري يستخدم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل مصطلح «الاقتصاد التشاركي» أو حتى كلمة مثل «اللاجئون»، ومن هنا يمكننا أن ندرك حجم تأثير هذه الرموز التعبيرية في حياة البشر مؤخرًا، حتى وإن لم نلحظ ذلك.

إيصال الفكرة بسهولة

طبقًا لـ«أمي موريسون»، المختصة بالدراسات الإعلامية الجديدة في جامعة واترلو، فاستخدام الإيموجي يسد حاجة لم نكن نعلم أنها من الممكن أن تُشبع، فبدلاً من كتابة شيء ما قد لا يأتي بالطريقة التي تريدها، يمكنك استخدام الرموز التعبيرية، بحيث أصبحت لغةً للتعبير عن النفس بشكل مناسب عند اللجوء للرسائل النصية التي كانت في الغالب جافةً، كما أنها طريقة أخرى سهلة للتواصل بشكل غير رسمي.

انتقادات لاستخدام الإيموجي

ومع ذلك؛ لا يتشارك الجميع في حب فكرة الإيموجي، لأنها حسب الكندية «إليزابيث كاميرون»، أستاذة اللغة الإنجليزية، تُضعف من قوة اللغات، بل إنها بدأت بالفعل في أن تحل محل اللغة. لكن حجتها الأهم بهذا الشأن، هي أن الرموز التعبيرية وإن كانت أكثر اختصارًا، إلا أنها قد لا تتمكن من إيصال المشاعر بنفس قدرة اللغة، فمثلًا؛ تُفضّل كاميرون بدلًا من أن يضع شخص ما رمزًا حزينًا في نهاية رسالة حزينة، أن يخبرها عن سبب شعوره بالحزن ونوع الحزن الذي يشعر به، لأنها تجزم بأن هناك الكثير من درجات الحزن والكلمات المختلفة للتعبير عنه.

أخيرًا، وبغض النظر عن وجهة نظرك الخاصة بشأن حاجتنا لاستخدام الإيموجي في تعاملاتنا النصية على وسائل التواصل الاجتماعي من عدمها، يمكننا الإشارة إلى الحقيقة الوحيدة التي نمتلكها؛ دون شكٍ ساهمت الحداثة في احتلال الرموز التعبيرية لمكانة ضخمة بوقت وجيز، لأننا نعيش بعصر لا يعترف سوى بالسرعة، وجبات سريعة، اتصال سريع، سيارات سريعة، بالتالي قد لا يمتلك الأفراد الرغبة في التضحية بالوقت من أجل التعبير عن ما يشعرون به عبر كلمات طويلة، فيلجؤون لضغطة زر، ظنًا منهم أنها تفي بالغرض.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى