شخصيات مؤثرةثقافة ومعرفة

كيف أدى اغتيال يوليوس قيصر إلى سقوط الجمهورية الرومانية الحرة؟

بحلول الوقت الذي صعد فيه يوليوس قيصر أمام مجلس الشيوخ الروماني في «أديس» عام 44 قبل الميلاد، كانت الجمهورية الرومانية التي يبلغ عمرها 500 عام تقريبًا مريضة لسنوات، حيث أدى عدم المساواة في الثروة، الجمود السياسي، والحروب الأهلية إلى إضعاف الجمهورية في القرن الذي سبق صعود قيصر إلى السلطة.

يوليوس قيصر.. الديكتاتور المُخلّد

تجاوز يوليوس قيصر رأي مجلس الشيوخ بخصوص بعض الأمور الهامة بالدولة، وسيطر على الخزانة العامة، وحصل على ولاء الجيش له بمفرده حين تعهّد بمنح الجنود المتقاعدين ممتلكات من الأراضي العامة، إضافةً إلى استغلاله ثروته الضخمة في شراء معظم مقدرات الدولة الرومانية.

طبقًا لإدوارد واتس، مؤلف كتاب «الإمبراطورية الخالدة: كيف سقطت روما»، كان قيصر يتعامل مع الأعمال العامة من برج عاجي، وانتشرت شائعات وقتئذ أنه بصدد إعلان نفسه ملكًا متوجًا، وبدت ملامح هذا الادعاء واضحةً للجميع، حيث أمر بأن توضع صوره على العملات المعدنية، واحتفظ لنفسه بحق قبول أو رفض نتائج الانتخابات، باختصار؛ نما شعور خلال الأسابيع الأولى من العام 44 قبل الميلاد داخل الإمبراطورية الرومانية أن قيصر في طريقه لأن ينّصب نفسه دكتاتورًا مدى الحياة.

تولي أوكتافيان الحُكم

يوليوس قيصر
اغتيال يوليوس قيصر.

في تلك الأثناء، كانت هنالك حالة من الخوف العارمة التي تعج بجنبات الإمبراطورية الرومانية، إيمانًا من بعض أعضاء مجلس الشيوخ بأن ارتكاز السلطة في يد شخص واحد، ستقود الإمبراطورية للهاوية، لذلك، تآمر العشرات من أعضاء مجلس الشيوخ الذين أطلقوا على أنفسهم لقب «المحررون» لقتل الدكتاتور، وفي 15 مارس عام 44 قبل الميلاد، تعرض قيصر للطعن 23 مرة من قبل المتآمرين الذين اعتقدوا أنهم منقذون للحرية والديمقراطية.

بالطبع أنت تعلم من هو أشهر المنفذين لعملية اغتيال يوليوس قيصر، نعم، «ماركوس جونيوس بروتوس»، ذلك الرجل الذي ظنّ بأن إقصاءه لقيصر ‑الدكتاتور- يصب في مصلحة الجمهورية الرومانية، لكن على العكس تمامًا، ففور إعلان خبر مقتل قيصر، وحين استعد لإلقاء خطاب للاحتفال باستعادة الجمهورية، صدم بردة فعل الشعب الذي قابل الأخبار بالغضب بدلًا من الثناء.

كان الأمر مربكًا بالنسبة لبروتوس، حيث كان يعتقد أنه بما أنّ من قُتل كان مستبدًا، فلن يهتم المنتمون للطبقات الدنيا والمتوسطة لقتله، بل سيرحبون به، خاصةً وأنهم سوف يستفيدون بشكل مباشر من الإصلاحات التي تتمثّل في إلغاء الديون وتعديل قانون الضرائب.

بالتالي، وبدلاً من استقرار الجمهورية الرومانية، أغرقها اغتيال يوليوس قيصر في حرب أهلية أخرى حيث حارب أنصار قيصر القتلة ثم حاربوا بعضهم البعض، وذلك على الرغم من أن النائب السابق «مارك أنتوني» وضع نفسه كخليفة قيصر الشرعي من خلال إلقاء خطبة تأبين قيصر، إلا أن الحاكم المقتول كان قد استبق هذا الخطاب، ففي وصيته، عين قيصر ابن أخيه المريض «أوكتافيان»، البالغ من العمر 18 عامًا، وريثًا لمنصبه.

 على خطى يوليوس قيصر

يوليوس قيصر
تمثال أوكتافيان «أوغسطس».

ربما رأى يوليوس قيصر في ابن أخيه ‑أوكتافيان- ما لم يره سواه، فبمجرد ظهور وصية قيصر، سارع صاحب الـ18 في حشد جيش خاص لمحاربة مارك أنتوني، وظل الاشتباك قائمًا بين الجيشين حتى توصل القائدان إلى اتفاق لعقد هدنة، نصت على تقاسم السلطة مع طرف ثالث وهو «ليبيدوس».

«لقد كان أوكتافيان سياسيًا ماكرًا لا يرحم، يعرف كيف يلعب على الجانبين».

- باري شتراوس، مؤلف كتاب «عشرة قياصرة: أباطرة الرومان من أغسطس إلى قسنطينة».

طبقًا لماري بيرد، مؤلفة كتاب «تاريخ روما القديمة»، كان الإنجاز ‑السيئ- الأبرز لهذا التحالف الثلاثي هو جولة جديدة من القتل الجماعي، حيث قام أوكتافيان ومارك أنتوني بشن حملة تطهير نتج عنها قتل وحشي لكل الأعداء والخصوم المحتملين، بل إن الأمر تخطى أي منطق، حين قُتل «شيشرون»، الكاتب والخطيب الروماني المميّز، وتم عرض رأسه ويده اليمنى في المنتدى الروماني، على يد الجنود الموالين لأنطوني، لمجرد تفوهه بكلمات سيئة بحق نائب الحاكم المغتال.

واستمرارًا لسياسة الانتقام المتبعة من قبل هذا التحالف، تعاون أوكتافيان وأنطونيوس لهزيمة قوى مؤامرة الاغتيال المتمثلة في «بروتوس» و«جايوس كاسيوس لونجينوس» عام 42 قبل الميلاد، في فيليب في شمال اليونان، حيث مات عشرات الآلاف في معركة دامية، وانتحر كل من بروتوس وكاسيوس المهزومين.

انهيار التحالف الثلاثي

يوليوس قيصر
معركة أكتيوم.

سرعان ما انقلب الثلاثي المتحالف على بعضهم البعض، حيث أجبر أوكتافيان ليبيدوس على النفي وحمل السلاح ضد أنطوني، الذي أضرت علاقته بالحاكمة المصرية «كليوباترا السابعة» بسمعته في روما.

وضع أوكتافيان نفسه كمدافع وحيد عن روما من النفوذ الشرقي لمصر، وهزم أسطوله الأسطول المشترك لأنطونيو وكليوباترا في معركة أكتيوم في شمال اليونان عام 31 قبل الميلاد، الأمر الذي قاد كليوباترا وأنطونيو للانتحار.

بعد القضاء على منافسيه ورؤية الدعم الذي قدمته الجماهير لقيصر، أسس أوكتافيان حكمًا مطلقًا على الجمهورية السابقة وتجاوز سلطة عمه الأكبر «يوليوس قيصر».

وبنفس الطريقة، حصل على دعم الجيش الشخصي له، وأُجبر المواطنون في المدن عبر إيطاليا وغرب البحر الأبيض المتوسط ​​على أداء قسم الولاء الشخصي لأوكتافيان، كما أمر بأن تحمل العملات المعدنية والتماثيل وحتى الأواني الفضية صورته.

«اقرأ أيضا: سبارتكاوس العبد الذي قاد ثورة ضد الرومان»

أكثر من مجرّد إنسان

يوليوس قيصر
عملة معدنية تحمل صورة أوكتافيان «أوغسطس».

ربما يمكننا القول إن أوكتافيان كان أكثر ذكاءً من يوليوس قيصر، أر ربما قادته الظروف المحيطة بحكمه كي يكون كذلك، حيث كان دائمًا ما يتظاهر بأنه ليس دكتاتورًا ولا مستبدًا، على الرغم من أن سياساته تتطابق تمامًا مع سياسات قيصر المستبدة التي أججت مشاعر المعارضة.

زعم أوكتافيان، الذي منحه مجلس الشيوخ لقب «أغسطس»، والذي يعني لغويًا «أكثر من مجرّد إنسان»، أنه أعاد الجمهورية التي تتبنّى الديمقراطية مرّة أخرى، كما أنّه لم يشر مطلقًا إلى نفسه كملك أو دكتاتور، وبدلًا من ذلك لقب نفسه بالمواطن الأول في روما.

في العام 22 قبل الميلاد، كانت روما محاصرة من كل اتجاه، حيث هاجمها الطاعون، ضربتها الفيضانات والمجاعة، ومع ذلك، لم تطالب الجموع برأس أوكتافيان، ولم يطالبوا أيضًا باستعادة جمهوريتهم المسلوبة، بل قاموا بدلاً من ذلك بحبس مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ وهددوا بحرقهم أحياء إذا لم يُسمَّ أغسطس ديكتاتورًا، حيث اعتقدوا أن أغسطس وحده من يمكنه إنقاذهم.

كان حكم أغسطس (أوكتافيان)، الذي دام لنحو نصف قرن من الزمان ما هو إلا استكمال أذكى لحُلم يوليوس قيصر ‑والده بالتبني- بأن يتم تأسيس ما يُعرف بالإمبراطورية الرومانية، التي عاشت بفضله نحو قرنين من الرخاء والازدهار والسلام تعرف باسم «باكس رومانا»، بدايةً من العام 27 قبل الميلاد، وصولًا إلى نهاية عهد «ماركوس أوريليوس»، آخر الأباطرة الصالحين عام 180 ميلاديًا.

في النهاية، وطبقًا لباري شتراوس، مؤلف كتاب «عشرة قياصرة: أباطرة الرومان»، فهؤلاء الذين قرروا قتل يوليوس قيصر بدايةً، ظنّوا أنهم في طريقهم لتحرير الجمهورية الرومانية، لكنهم بشكل ساخر، وضعوا آخر مسمار في نعش الجمهورية الحرّة.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى