ثقافة ومعرفة

المرأة الخارقة.. وهل عاشت «ووندر وومان» حقا قبل مئات السنين؟

طبقًا للكاتبة الإيرانية «كيميا شوكوهي»، فقصة المرأة الخارقة التي اقتحمت عالم المجلات المصورة، ثم السينما، لها خلفية اجتماعية مستوحاة من الأساطير اليونانية القديمة، للنساء اللائي كُن محاربات قاسيات، لكن على أرض الواقع وليس داخل القصص والأفلام، بالتالي، تجبرنا محاولات البحث عن الحقيقة على طرح أسئلة معقدة حول التاريخ والذاكرة الثقافية للوصول إلى أصل «Won­der Woman».

نجاح قصة المرأة الخارقة

دارت أحداث فيلم المرأة الخارقة، الذي صدر عام 2017، في أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى، مسلطًا الضوء على الآثار المؤلمة للحرب على البشرية، في حين أن الظهور الأول لهذه الفكرة، يعود إلى نحو 70 عاما مضت، حين أطلقت «دي سي كوميكس» الشخصية للمرة الأولى أوائل في الأربعينيات من القرن الماضي.

قد يتعرف الجمهور المعاصر على شخصية «Won­der Woman»، التي لعبتها الممثلة «جال جادوت»، أو يحبذ البعض أداء الممثلة الأمريكية «ليندا كارتر»، لنفس الدور في السبعينيات، أو ربما يكتفي البعض الآخر بشخصية الكتاب الهزلي الأصلية، والتي ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1941، مع تجاهل تام للقصص التي ألهمت الشخصية نفسها.

في الواقع، تعود جذور هذه المرأة المعجزة إلى عصور سابقة، فهناك من يعتقد أن نساء بتلك المواصفات تواجدن باليونان القديمة، طبقًا للميثولوجيا الإغريقية، والبعض الآخر يزعُم أن السيدة التي أبهرت الجميع بقدراتها الاستثنائية داخل الأفلام السينمائية، تواجدت ببلاد فارس قبل 2000 عام.

«اقرأ أيضًا: لماذا تسمى فنلندا جنة النساء»

المرأة الخارقة حقيقة وليست خيالا

المرأة الخارقة
الميثولوجيا الإغريقية.

طبقًا لأدريان مايور، الباحثة في جامعة ستانفورد، على مدار السنوات، كان هنالك قصص متناثرة حول تمتُّع نساء الأمازون بقوى خارقة، لكنها كانت تظهر أحيانًا، وتختفي في أخرى، لكنها تعتقد بشكل قاطع، أنه لم يمكن إنكار حقيقة نساء محاربات بالعالم القديم.

في حين ظهرت قصة جنس من النساء المحاربات لأول مرة في الميثولوجيا اليونانية، كشفت الحفريات عبر شمال وشرق منطقة البحر الأسود أن النساء المحاربات كُن موجودات في الحياة الحقيقية.

في ديسمبر 2019، تم العثور على مقابر 4 محاربات من القرن الرابع قبل الميلاد في منطقة «سارماتيان» في قرية «ديفيتسا» الواقعة بغرب روسيا. كان السارماتيون شعبًا من أصل إيراني، مع رجال ونساء مهرة في الفروسية وخوض المعارك الحربية.

في مدينة تبريز الإيرانية الشمالية الغربية، تم اكتشاف نحو 109 مقابر للمحاربين، وأكد عالم الآثار «علي رضا حجبري نوباري» في مقابلة عام 2004 أن الحمض النووي الموجود في إحداها يخص امرأة، وكان من المقرر إجراء اختبار الحمض النووي في مقابر محاربين أخرى، لكن تم إيقاف أبحاث الحمض النووي في أغسطس 2020 بسبب نقص الموارد، والأهم بهذا الصدد، أن أسطورة المرأة الخارقة، ربما لم تعد أسطورة.

«اقرأ أيضًا: العشاء الأخير وأشهر لوحات عبر التاريخ»

خصومة تاريخية

تم توثيق المنافسات العظيمة بين الإغريق والفرس القدماء في الفن والتاريخ والأساطير اليونانية، لدرجة أن مؤرخي بلاد فارس القديمة يعتمدون على التفسير اليوناني لتاريخ المنطقة.

وحدد الخبراء صور النساء في معركة مع الرجال اليونانيين على مزهريات وخزفيات أخرى يرتدون ملابس على الطراز الفارسي، مكونةً من عباءة وسراويل وأحذية، وبحلول سبعينيات القرن الرابع عشر، بدأ الإغريق يشيرون إلى تصوير الفرس على أنهم الأمازون، محولين خصومهم الواقعيين إلى فولكلور أسطوري، حتى كلمة «أمازون»، التي تعني المحارب، من المحتمل أن تكون متجذرة في اللغة الإيرانية.

وفقًا لهيرودوت، وهو كاتب وعالم جغرافي يوناني من القرن الخامس الذي يُنسب إليه غالبًا كونه أول مؤرخ في التاريخ، حافظ الأمازون على وجود شاعري خالٍ من الإناث في تركيا الحديثة، حيث نهبوا الإمبراطورية الفارسية وتكاثروا مع القبائل المجاورة، لتقوم الفتيات الصغيرات بتربية الجيل التالي من المحاربين.

في معركة ثيرمودون، أُرسل قوم الأمازون إلى البحر، ودخلوا في النهاية «سيثيا» بالقرب من البحر الأسود، ليتحدوا مع «السكيثيين»، الذين هم أحفادهم من السارماتيين.

الظهور الأول

المرأة الخارقة
الملكة «زنوبيا».

يؤكد أدريان مايور وجود شبيهات للمرأة الخارقة التي نعرفها بالحياة الواقعية، بعيدًا حتى عن شعوب السكيثيين والسارماتيين، حيث تشير العديد من الثقافات القديمة إلى قصص مبهجة لنساء محاربات، وتم العثور على مثل هذه الحكايات في بلاد فارس ومصر وروما والقوقاز وآسيا الوسطى ومنغوليا والهند والصين.

كشف التاريخ بالفعل عن عدد من النساء يمكننا وصفهن بالمرأة الخارقة، مثل «سينان»، الأخت غير الشقيقة للإسكندر الأكبر، والتي كانت من النساء المحاربات اللائي تلقين نفس المهارات العسكرية مثل الإسكندر. بينما كانت «بانتيا أرتشبود»، قائدة فارسية في عهد كورش الكبير، بل وكانت جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على القانون والنظام بعد الفتح البابلي الجديد.

ويخبرنا التاريخ أيضًا بأن «زنوبيا»، الملكة العربية، كانت قد تمردت على روما، بل وقامت بغزو الثلث الشرقي للإمبراطورية الرومانية. وبشكل مشابه، ألهمت «جوانا دارك»، أشهر محاربات التاريخ الأوروبي العديد من النساء، للدرجة التي دفعت المحاربة «ماري تيودور»، حفيدة إيزابيلا ملكة قشتالة، للاحتفاظ بسجل حياتها مكتوب بمكتبتها الخاصة.

«بروباجاندا»

اقتحمت شخصية «المرأة الخارقة» عالم القصص المصورة للمرة الأولى عام 1941 بواسطة عالم النفس «ويليام مولتون مارستون» بالعدد الثامن من «All Star Comics»، حيث قُدمت تمهيدًا للشخصية الجديدة كالتالي:

«أخيرًا، في عالم تمزقه كراهية الرجال وحروبهم، تظهر امرأة تعتبر مشاكل الرجال ومآثرهم مجرد لعبة أطفال، امرأة لا يعرف أحد هويتها ولكن مآثرها المثيرة بارزة في عالم سريع الحركة. مع 100 مرة من خفة الحركة وقوة أفضل الرياضيين الذكور وأقوى المصارعين، تبدو وكأنها ظهرت من العدم للانتقام من الظلم أو تصحيح الخطأ».

تمحورت قصة «المرأة الخارقة» حول أميرة الأمازون التي تسمى «ديانا»، وتروي القصة أن والدتها «هيبوليتا» شكلتها من الطين وأعيدت إلى الحياة، حيث نشأت في مجتمع طوباوي خالٍ تمامًا من الرجال.

ابتكر مارستون، الذي حصل على تعليم جيد في الأساطير اليونانية، قصة دمجت التاريخ القديم وأساطير النساء المحاربات مع أيديولوجية نسوية في القرن العشرين، ووصف مارستون هدفه السردي من هذه القصة التي تستهدف الأولاد والبنات على حد سواء، بأنه أراد أن يجعل من قصة المرأة المعجزة دعاية نفسية لنوع جديد من النساء، على عكس المعتاد، يفترض أن يحكُم العالم.

أيقونة نسائية

المرأة الخارقة
المرأة الخارقة (1941).

بالصدفة، تزامن ظهور قصص «المرأة الخارقة» مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية، عقب هجمات الإمبراطورية اليابانية على «بيرل هاربور»، بالتالي أتاح ذلك الصراع الحقيقي الفرصة لعدد ضخمٍ من النساء خيار التجنيد، الذي دفع نحو 350 ألفًا منهن لدخول المصانع الحربية وأماكن العمل، لاكتساب خبرات أُعتقد آنذاك أنها كانت مؤمّنة للرجال وحدهم.

لم يُسمح للنساء بالعمل فحسب، بل تم تشجيعهن أيضًا من خلال الحملات والصور المميزة للنساء العاملات، لتحفيز النساء على دخول المصانع، لذلك ربما كان لولادة هذه الشخصية النسوية في منعطف حاسم في تاريخ المرأة الأمريكية، أثر ضخم على حياة النساء الأمريكيات.

في كتاب Les Daniel’s Won­der Woman: The» «Com­plete His­to­ry، عكست «ليندا كارتر» هذه اللحظة، حين أشارت إلى أنه بمجرد انتهاء الحرب، وعودة الرجال إلى وظائفهم، وعودة معظم النساء إلى منازلهن، لم تعد الحياة الاجتماعية كسابق عهدها، حيث كان لفكرة المرأة الخارقة تأثير كبير على رؤية السيدات لأنفسهن، كمصدر قوة، لم يعد بالإمكان قمعه مجتمعيًا مجددًا.

باختصار، أصبحت المرأة الخارقة تستخدم في القرن الحادي والعشرين كسلاح لثني قوس الكون الأخلاقي نحو العدالة، وبالتالي يجب أن يشمل عدة أجيال من النساء المحاربات في جميع أنحاء العالم ممن سبقنها، وهذا ما جعلنا مطالبين بالتعرف على جذورها القديمة، والنساء المحاربات اللائي سبقنها.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى