ثقافة ومعرفة

الشعب الأزرق.. وماذا تعرف عن سكان صحراء موريتانيا؟

الشعب الأزرق هم مجموعة من البشر يرتدون ما يعرف بـ«الدراعة الصحراوية»؛ وهي ثوب طويل فضفاض من القماش، والتي تعد الملابس التقليدية لرجال البدو في الصحراء.

لماذا اللون الأزرق؟

يمكن إرجاع أصول شمال إفريقيا للملابس إلى مئات السنين، حتى القرنين السابع والثامن، أثناء العصور الأولى للتجارة عبر الصحراء بين إفريقيا جنوب الصحراء وشمال إفريقيا، وبينما يعتقد بعض السكان المحليين أن الملابس ترمز إلى خجل الناس وتواضعهم، يتفق معظمهم على أن وظيفتها الأساسية هي الحماية من أشعة الشمس، فضلاً عن العواصف الرملية المتكررة في هذه المنطقة.

طبقًا للمرشد السياحي الموريتاني «داهد جديدو»، ارتداء الشعب الأزرق للدراعة لا يسمح بالتدفُّق الصحيح للهواء بهذه البيئة الصحراوية القاسية بموريتانيا، لكن يساعد الرجال بشكل كبير على الحفاظ على مياه الجسم في وسط الصحراء.

وحتى مع اتجاه أنماط الموضة نحو الغرب مؤخرًا، وبعد أن أصبحت الدراعة من بقايا الماضي، ما زال الشعب الأزرق الذي يسكن صحراء موريتانيا محافظًا على تقاليده بارتدائها، بل ويبدو أنهم متوافقون مع ذلك.

اقرأ أيضًا: صور نادرة تظهر عجائب الطبيعة المذهلة»

ما هو الشعب الأزرق؟

الشعب الأزرق

خلال حقبة التجارة عبر الصحراء، ظهرت مراكز تجارية جديدة في ضواحي الصحراء، وتداولت مجموعات عرقية مختلفة العناصر المطلوبة في جميع أنحاء شمال إفريقيا مثل التوابل والمعادن والحيوانات والمنسوجات.

على مر القرون، جلبت التجارة العديد من المجموعات المختلفة إلى موريتانيا، بما في ذلك البدو «الطوارق» من الشمال الشرقي، و«الحراتين» من الجنوب الشرقي و«هالبولار» من الجنوب.

ومع استقرار هذه المجموعات المختلفة إلى جانب البربر المعروفين محليًا بالأمازيغ، الذين عاشوا في موريتانيا منذ القرن الثالث، سادت العقيدة الإسلامية واللغة العربية، لكن ظهرت تقاليد ثقافية جديدة.

تضمنت هذه التطورات التصاميم المعمارية، وشقت الكتب من جميع أنحاء الصحراء طريقها إلى المكتبات المحلية، واندمجت اتجاهات الموضة من جميع أنحاء شمال إفريقيا لصنع أسلوب جديد في شكل سترة طويلة متدفقة ذات أكمام واسعة التي يرتديها هذا الشعب الأزرق.

خط أزياء فريد

مثل الملابس الأخرى ذات السترات الواقية من الرصاص مثل الكيمونو الياباني أو القفطان الذي نشأ في بلاد ما بين النهرين القديمة، وجدت الدراعة مكانًا في تاريخ الموضة، حيث يُعتقد أن الإصدارات الأولى من الملابس جاءت من قبيلة «هالبولار»، الذين أقاموا على طول نهر السنغال بين السنغال الحديثة وموريتانيا.

في النهاية، ارتدى السكان من جميع المستويات الاجتماعية نفس الأزياء، لكن الألوان كانت تعتمد على مكانة المرء في الحياة، حيث كان التجار الأثرياء يرتدون دراعة بيضا، لأنهم يستطيعون تنظيف ملابسهم كل يوم، بينما يرتدي العبيد الأسود عادة، لأنهم غالبًا ما يعملون في بيئات غير نظيفة وكان عليهم ارتداء نفس الملابس مرارًا وتكرارًا.

لم تظهر الدراعة الملوّنة إلا بعد أن بدأت قبيلة «هالبولار» في تداول الصبغة الزرقاء، وكانت هذه الدراعة ذات اللون الأزرق الداكن مثالية للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة البيضاء، ولكنهم أيضًا لا يرغبون في ارتداء ملابس سوداء.

كيف اكتست الصحراء باللون الأزرق؟

الشعب الأزرق

يعتقد أن قبيلة «الطوارق» كانوا أول من روّج لموضة الدراعة الزرقاء، بل ويعتبرون الشعب الأزرق الذي يسكن الصحراء، وهو اللقب الذي حصلوا عليه في النهاية، لأن لون ملابسهم بهت على بشرتهم جرّاء التعرض لأشعة الشمس الحارقة.

وفقًا للدكتورة «أنيا فيشر»، باحثة الدراسات الصحراوية بجامعة فيينا، أدى تأثير قبيلة «هالبولار» إلى تغييرات كبيرة في أزياء «الطوارق»، حيث اعتاد الطوارق ارتداء الملابس الجلدية، وفي وقت ما، تحولوا إلى الأقمشة الزرقاء التي يشتهرون بها حتى اليوم.

الطوارق أو الشعب الأزرق، الذين يعيشون الآن في منطقة شاسعة تمتد من ليبيا إلى الجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، كانوا من أكبر مجموعات البدو في الصحراء وكان لهم تأثير في انتشار الإسلام في إفريقيا.

أصبح أسلوب الموضة الذي اعتمدوه في موريتانيا معروفًا في جميع أنحاء شمال إفريقيا، وفيما بعد في جميع أنحاء العالم، حيث تعبر أنماط أزيائهم عن ثقافتهم وتقاليدهم البدوية.

معيار جديد للأزرق

في العقود الأخيرة، مع وصول الأصباغ الكيميائية من آسيا وأوروبا وتقنيات الصباغة منخفضة التكلفة مثل صباغة البالات، التب تعد عملية سهلة يتم فيها وضع الأقمشة في حمام ماء بارد، اكتست صحراء موريتانيا باللون الأزرق، الذي توفرت عدة درجات له.

ومع صعود الطبقة الوسطى في البلدات والمدن الموريتانية، بدأ الناس يختارون بشكل متزايد الدراعة الزرقاء الفاتحة لتشابهها مع الدراعة البيضاء التقليدية والمكانة الاجتماعية التي ترمز إليها.

عالم ملوّن بالأزرق

يوصف السوق المركزي في العاصمة الموريتانية «نواكشوط» بالعالم ألأزرق، حيث يعرض كثير من البائعين ملابس زرقاء فقط، حيث يرتدي رجل من بين كل 4 رجال دراعة زرقاء.

ويمتد اللون الأزرق في موريتانيا إلى ما وراء الملابس، حيث العثور عليه في البطانيات والمظلات، كذلك في العناصر المعمارية مثل الأبواب والأسقف والأسوار.

على الرغم من أن اللون الأزرق يمثل السماء، إلا أن الموريتانيين المحليين لديهم سبب عملي أكثر لاستخدامه، فكما ذكرنا إنه اللون المثالي الذي يرتديه الشعب الأزرق للحماية من الشمس.

تاريخ الموضة

الشعب الأزرق

صُنعت الدراعة في البداية من الحرير، لكنها اعتبرت فيما بعد ممنوعة بموجب الشريعة الإسلامية، لذلك يبيع التجار في نواكشوط دراعة مصنوعة من البوليستر والقطن وصوف الإبل والماعز، بالإضافة إلى النسخ الحريرية لغير المسلمين.

يتم تزيين العديد من الدراعات في موريتانيا أيضًا بالتطريز الذهبي والأبيض، وبعضها يحتوي على عدة جيوب داخلية وخارجية، وهي تفاصيل كانت نادرة منذ قرون ولكنها مفيدة في عالم اليوم الحضري الحديث.

حقيقةً، كانت هناك محاولات لإدخال المزيد من الملابس الغربية إلى موريتانيا، لكن معظمها فشل، وبحسب هادي الدين أحمدو، المرشدة المحلية من بلدة زويرات، فقد طُلب من المعلمين هناك ذات مرة تجنب ارتداء الدراعة أثناء العمل والبدء في تبني ثقافة اللباس الأنيق من أوروبا أو أمريكا الشمالية، ومع ذلك، لم يتحمل الكثير من الموريتانيين التخلي عن الملابس التقليدية وأهميتها الثقافية.

فخر

في حين تلاشت مظاهر حياة البدو بشكل كبير نتيجة لظهور المدن، لا يزال الشعب الأزرق فخورًا بارتدائه الدراعات الزرقاء، التي أصبحت بشكل ما جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الموريتانية، حتى إن رجال الأعمال يفضلونها على السترات الأنيقة، لذلك يمكننا أن نفترض بأنّ تحوُّل الموريتانيين لتبنّي ثقافة الغرب من حيث الأزياء لا يزال بعيدًا، فحتى الأجيال الشابّة فخورة بتقاليدها التي ورثتها عن الأجداد.

ربما كان الممكن أن يتخلّى الشعب الأزرق عن موروثاته الثقافية، خاصةً مع اختفاء معظم الظروف التي جعلتهم يذهبون لارتداء عباءات فضفاضة زرقاء اللون منذ عقود، لكنهُّم وكما ذكرنا فضلّوا التمسّك بلون السماء، لأنه غالبًا يعبّر عنهم، أكثر من أي لونٍ آخر.

المصدر
مصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى