الصحة النفسية

كيف يعالج مريض الفصام نفسه؟

ماذا لو كانت التفرقة بين الواقع والخيال من المهام الصعبة على الإنسان، بحيث يصبح العالم مزيجًا من الأفكار المضطربة والمشاعر المشتتة؟ ربما ذلك تحديدًا ما يشعر به ضحايا مرض الفصام أو الشيزوفرينيا، لذا نكشف الآن عن طرق علاج مريض الفصام، بعد الإشارة إلى طبيعة معاناته وأسبابها.

مرض الفصام

يعتبر مرض الفصام المعروف أيضًا باسم الشيزوفرينيا، من أكثر الأمراض الذهنية قسوة، كونه يعكر صفو حياة ضحيته، حيث يؤثر سلبًا على طريقة تفكيره ونظرته للأمور ومن ثم كيفية اتخاذ قراراته، ليذهب بحياته المهنية والعاطفية والاجتماعية إلى مصير ليس هو الأفضل دون شك.

يعد مرض الفصام شائعًا بدرجة لا يتوقعها الكثير من البشر، حيث يصيب واحدا من بين كل 200 في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تظهر أعراضه مبكرًا على الرجال منذ مرحلة المراهقة أو العشرينات من العمر، بعكس النساء حيث تظهر الأعراض لديهن متأخرة قليلًا إما في العشرينات أو الثلاثينات.

تجدر الإشارة إلى أن الفصام يختلف كثيرًا عن مرض الانفصام المعروف بتعدد الشخصيات لدى المريض، حيث يبدو الثاني أقل انتشارًا، وإن كان لا يختلف عن سابقه من ناحية صعوبة تحديد الأسباب وراء المرض وكذلك العلاج الممكن له.

أسباب مرض الفصام

علاج مريض الفصام
أسباب الإصابة بالفصام

لم يتوصل الباحثون إلى أسباب جذرية وراء المعاناة من الفصام كما لم يتم التوصل إلى طرق علاج مريض الفصام كما سبق وأن ذكرنا، إلا أن هناك بعض العوامل المحتملة وراء إصابة البعض بهذا المرض الذهني الخطير، تتمثل في:

  • خلل في بعض المواد الكيميائية في الدماغ، والتي تعتبر مسؤولة عن السيطرة على كل من التفكير وفهم الأمور.
  • العوامل الوراثية التي تكشف عن زيادة فرص معاناة شخص من الفصام إن كان أحد والديه مصابا به.
  • خلل في كيفية قيام الدماغ بتشكيل شخصية المريض.

يؤكد الخبراء أن سوء التربية والتنشئة الخاطئة للطفل لا يمكنها وحدها التسبب في معاناته من الفصام لاحقًا، كما أن التوتر الشديد يبدو محفزًا لتلك الأزمة الصحية، لكن اعتباره من العوامل الأساسية وراء الإصابة به يبقى مستبعدًا.

أعراض الفصام

علاج مريض الفصام
أعراض الفصام

يتطلب علاج مريض الفصام تشخيص مرضه بالشكل الصحيح، اعتمادًا على بعض الأعراض الشهيرة والتي قد تظهر أحيانًا قبل الاختفاء لاحقًا، فيما تتلخص في أعراض ذهانية كالتالية:

  • رؤية وسماع وشم والإحساس بأمور ليست موجودة فعليًا على أرض الواقع، ما يعرف باسم الهلوسة.
  • الاعتقاد بأشياء غير منطقية مثل التعرض للمراقبة من كائنات غريبة أو الإيمان بأنه إله أو شيطان، ما يعرف باسم التوهم.
  • التفكير بطريقة غير منظمة، ما يظهر جليًا في طريقة التحدث، وربما في صعوبة نطق بعض الكلمات والانتقال من حديث لآخر سريعًا.
  • حمل أفكار ومشاعر لا تتماشى مع الأحداث الجارية، كالبكاء في وسط فرحة الآخرين أو الضحك في الأوقات الحزينة.

لا تتوقف أعراض الفصام عن تلك المذكورة، بل يمكن للأمر أن يظهر بصورة أكثر وضوحًا مثل:

  • التمتع بطاقة شديدة أو البقاء في حالة من الجمود تعرف باسم التخشب.
  • التحدث بعبارات غير مفهومة أو منطقية.
  • عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية وتجاهل الاستحمام.
  • الانعزال عن العائلة أو عن الأصدقاء وتجنب الجميع.
  • الفشل على الصعيد الدراسي أو الوظيفي.
  • عدم الحماس تجاه نشاطات الحياة المختلفة.
  • المعاناة من الكآبة الشديدة أو تقلب المزاج.
  • اتباع سلوكيات غريبة والبقاء في حالة غير إيجابية.

تشخيص مرض الفصام

يتطلب علاج مريض الفصام، قيام الطبيب بتشخيص الحالة الصحية له في بادئ الأمر، إذ يبدأ عقب ملاحظة الأعراض المذكورة، في ملاحظة التاريخ الطبي للمريض وحالته الجسدية والعضوية، للتأكد من خلوه من أي مرض آخر قد يكون السر وراء ظهور أعراض الذهان.

مع تأكد الطبيب من عدم وجود سبب آخر وراء ظهور الأعراض الذهانية للفصام، يتابع المريض حالته مع الطبيب النفسي، الذي يتأكد من الأمر من جديد على طريقته الخاصة عبر التحدث مع المريض وملاحظة عرضين أو أكثر من الأعراض المذكورة، ومن بينها علامات التوهم أو الهلوسة أو عدم التنظيم، والتي يجب أن يصاب بها مريض الفصام لفترة لا تقل عن الشهر.

كيفية علاج مريض الفصام

علاج مريض الفصام
علاج مريض الفصام عبر الأطباء

تختلف طريقة علاج مريض الفصام من حالة لأخرى، إلا أن هناك بعض الخطوات الثابتة التي يتبعها الطبيب لمقاومة الأعراض المرضية سريعًا، وتتمثل في:

جلسات العلاج النفسي

هي جلسات التحدث التي تتيح للمريض فرصة إخراج ما في جعبته من أفكار ومشاعر في مناخ آمن تمامًا، فيما تعتبر جلسات العلاج المعرفي السلوكي هي الأفضل، من حيث تحفيز المريض على رؤية أفكاره الخاطئة وسلوكياته المشتتة، علاوة على التأقلم مع الأعراض الأكثر إزعاجًا مثل التوهم والهلوسة على سبيل المثال.

تعمل جلسات العلاج السلوكي المعرفي كذلك على تقليل التوتر الذي يعد من عوامل تحفيز المرض، كما تساهم في تقليل الأعراض الجانبية للأدوية المستخدمة في علاج مريض الفصام، ليبقى الهدف هو تعويد المريض على التأقلم مع مرضه بدلًا من محاولة إقناعه بضرورة التخلي عن اعتقاداته، ما يعتمد دون شك على جودة العلاقة التي تجمع بين الطبيب والمريض.

الأدوية العلاجية

يتطلب علاج مريض الفصام الاعتماد على بعض الأدوية العلاجية، والتي تختلف من حالة لأخرى، إذ يشير الخبراء إلى أن تشخيص المرض خلال نوبة من الذهان، تعني ضرورة اللجوء لمضادات الذهان التي تقلل من التوهم والهلوسة.

يحتاج المريض إلى تجربة أدوية مختلفة للوقوف على الأفضل من بينها لحالته، ولكن بإشراف الطبيب، حيث يؤدي تناول العلاجات دون متابعة إلى حدوث انتكاسات ليست مطلوبة، مع الوضع في الاعتبار أن حتى التوقف عن الأدوية نظرًا لتحسن الحالة أو لعدم جدواها من وجهة نظر المريض، يتطلب العودة للطبيب للقيام بالأمر بصورة تدريجية غير مؤثرة بالسلب على ضحية الفصام.

جلسات العلاج بالفن

هي وسيلة علاج إبداعية تساعد المريض على الكشف عن كل المشاعر التي لا يمكنه النطق بها في صورة عبارات، لتظهر في صورة عمل فني، قد يتلخص في لوحة مرسومة أو شعر مؤلف أو حتى رقصة يقوم بتأديتها.

يرى الباحثون أن العلاج بالفن يبدو ناجحًا مع بعض الحالات التي لم تتجاوب بالشكل المطلوب مع الأدوية العلاجية، فيما تبقى استشارة الأطباء مطلوبة دائمًا لتحديد إمكانية التخلي عن طريقة علاج معينة من أجل تجربة طريقة أخرى.

كيفية علاج مريض الفصام لنفسه

بالطبع لا يمكن علاج مريض الفصام بطريقة ذاتية، إلا أن بعض الخطوات التي يمكن للمريض أن يقوم بها إلى جانب متابعته مع الأطباء، قد تجعل العلاج أكثر سهولة، وهي الخطوات الممثلة في:

ملاحظة المتغيرات التي تسبق الأزمة

لا يشعر مريض الفصام بالأزمة بشكل مفاجئ، بل يمكنه ملاحظة بعض العوامل التي حفزت لديه المشاعر السلبية الذهانية، لتشمل ربما النوم لفترات قصيرة أو الإحساس بالقلق المبالغ أو ربما الشعور بصعوبة التركيز والرغبة في الانعزال عن الآخرين، الأمر الذي يعني وجود إمكانية لتوقع ظهور الأعراض المزعجة التالية، وربما يساعد ذلك إذن المريض على طلب المساعدة والدعم في الوقت المناسب.

اتخاذ الخطوات المناسبة

إن كانت ملاحظة الأزمة في بدايتها ممكنة، فإن الخطوة الثانية يجب أن تشهد الاعتماد على شخص مقرب يعرف كيفية التعامل مع الموقف، ما يتطلب إخبار أحد أفراد الأسرة أو أحد الأصدقاء بما يجب عليه فعله حينما تزداد وضعية المريض سوءا، حتى لا تشهد نوبة المرض أي سلوكيات خاطئة يندم عليها فيما بعد، وهي الخطوة التي ينصح بالاتفاق على تفاصيلها في أكثر أوقات المريض استقرارًا.

الاهتمام بالصحة

سواء بدت أعراض الفصام في أسوأ حالاتها أو لا، فإن علاج مريض الفصام بنجاح يتطلب انتباهه لحالته العضوية، ذلك من خلال النوم في ساعات الليل ولفترة كافية، علاوة على اتباع العادات الغذائية السليمة التي تضمن اتزانه الذهني، وتحميه من مخاطر نفسية تظهر مع هبوط مستوى السكريات في الجسم، مع الوضع في الاعتبار أن ممارسة الرياضة لها نصيب الأسد في التأثر إيجابيًا على كل من الصحة العضوية والصحة النفسية.

تجنب التدخين

يرى الخبراء أن بعض أدوية الذهان تتعارض مع عادة التدخين الكريهة، لذا فإن كان علاج مريض الفصام يتطلب من الأصل الحفاظ على صحته العضوية، فإن التخلص من التدخين يبقى مطلبًا طبيعيًا، مثلما الحال بالنسبة للكحوليات والمواد المخدرة شديدة السوء على المرضى والأصحاء من ناحية التأثير النفسي والعضوي.

الاستمتاع دون قلق

يعد التخلص من القلق من الضروريات بالنسبة لمريض الفصام، حيث يمكن القيام بذلك عبر تجنب العادات والنشاطات التي تزيد من التوتر، مقابل اتباع بعض العادات المفيدة والتي تهدئ النفس، مثل ممارسة الرياضة وخاصة تمرينات اليوجا، والاهتمام بالهوايات المسلية للشخص نفسه، علاوة على البقاء وسط أصدقاء إيجابيين.

كيفية علاج مريض الفصام من جانب أفراد الأسرة

علاج مريض الفصام
علاج مريض الفصام عبر دعم الأسرة

من الوارد أن يشارك أفراد الأسرة بنجاح في دعم مهمة علاج مريض الفصام ولو بشكل جزئي، حيث يتحقق ذلك مع اتباع الخطوات التالية:

القراءة والمتابعة

يستحق علاج مريض الفصام، سواء كان من أفراد الأسرة أو من الأصدقاء، أن يقوموا بزيارة طبيبه المختص، من أجل معرفة أفضل ما يمكن تقديمه لصاحب الأزمة، كذلك تبدو القراءة عن تفاصيل الأزمة الذهنية التي يمر بها مفيدة للغاية، حتى يصبح التعامل معه بصورة أكثر احترافية ممكنًا.

الاهتمام بالمشاعر بدلا من منطقية التجارب

قد يعجز أفراد الأسرة عن التجاوب مع عبارات وأفكار المريض بالفصام غير المنطقية، ذلك في حالة التركيز فقط على الكلمات نفسها ومدى اتساقها مع الواقع، لذا فالمطلوب هو التعامل مع مشاعر المريض بتعاطف بصرف النظر عن منطقية كلماته، ودون محاولة إخباره بالواقع الغائب عن ذهنه، حيث يساهم التعاطف الصادق في تقريب المسافات وزيادة شعور صاحب الأزمة بالدعم.

التركيز على الإيجابيات

بينما يبدو وضع مريض الفصام مأساويًا في كثير من الأحيان، فإن المريض يبقى هو وأفراد أسرته أيضًا بحاجة إلى النظر للإيجابيات، ما يتطلب وضع أهداف قصيرة للمريض من أجل تحقيقها، بحيث تكون واقعية وغير معقدة، الأمر الذي يحسن من حالته النفسية كما يقوم بالأمر ذاته مع أفراد الأسرة.

الحصول على الدعم

من الوارد أن يؤدي التعامل بصفة يومية مع ضحية الفصام إلى التأثير بالسلب على الحالة النفسية لأفراد أسرته، لذا يأتي الدعم النفسي من جانب المتخصصين ليكون هو الخيار المناسب، وإلا ساءت الأمور بالنسبة للمرافقين للمريض، قبل أن تسوء بالتبعية لدى ضحية المرض نفسه.

في الختام، يبقى علاج مريض الفصام بشكل جذري من التحديات المعقدة على الأطباء أنفسهم، إلا أن السيطرة على الأعراض المزعجة للمرض تبدو ممكنة، فقط يتطلب الأمر استشارة الأطباء وبدء العلاج في مناخ داعم لا يشهد توجيه أي انتقادات أو أحكام على شخص لا حول له ولا قوة.

المصدر
مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى