ثقافة ومعرفة

كيف تحصد جائزة نوبل بالصدفة؟

هل تعتقد أنه من الممكن أن تحصد جائزة نوبل بالصُدفة؟ الإجابة البديهية هي لا، فجائزة بهذا الحجم والوجاهة لن تُحصَد سوى بعد ليالِ من الاجتهاد بهدف التأثير إيجابيًا في حياة البشر، لكن أحيانًا قد تلعب الصدفة دورًا، وهذا ما سنستعرضه الآن.

لمن تمنح جائزة نوبل؟

تتعارض فكرة حصد جائزة نوبل بالصدفة مع الإعلان الرسمي لمؤسسة «نوبل» النرويجية حول من يستحقون الحصول على الجائزة، حيث يشير الموقع الرسمي للمؤسسة أن الجائزة التي انطلقت منذ أكثر من قرن كامل، تطبيقًا لوصية العالم السويدي «ألفريد نوبل»، تمنح للأشخاص الذين أسهموا بنصيب وافر في نفع البشرية، بالتالي تنتفي صفة الصدفة تمامًا.

وتمنح مؤسسة نوبل سلسلة من الجوائز السنوية التي تحمل اسمها في 5 مجالات هي الفيزياء، الكيمياء، الطب، الأدب والسلام، ويتم اختيار الفائزين بـ5 من الجوائز الـ6 في السويد، على أن يتم اختيار الفائز بجائزة نوبل للسلام في النرويج، كتقليد متبع منذ سنوات.

وتنص قواعد المسابقة على إمكانية حجب المؤسسة لإحدى جوائزها، إذا لم يقدّم أي شخص ما يستحق به نيله للجائزة بأي من المجالات الـ6.

كيف تحصد جائزة نوبل بالصدفة؟

جائزة نوبل بالصدفة

في يوليو 1965، توصل أرنو بينزياس وروبرت ويلسون إلى اكتشاف من شأنه أن يعزز فهمنا لكيفية نشوء الكون، حيث قدم اكتشافهم للخلفية الكونية الميكروية (CMB)، الإشعاع المتبقي من ولادة الكون، أقوى دليل ممكن على أن الكون توسع من انفجار عنيف أولي، يُعرف باسم الانفجار العظيم، ويظل هذا الاكتشاف إحدى أهم الإشارات التي تساعد علماء الفيزياء على فهم الكون حتى يومنا الحالي.

اكتشاف عفوي

كان بينزياس وويلسون يعملان مع تلسكوب لاسلكي شديد الحساسية في مختبرات بيل في نيوجيرسي، بحثًا عن شيء مختلف تمامًا، هيدروجين محايد، عندما صادف أنهما عثرا على إشارة غريبة من تلسكوبهما.

ومن أجل اكتشاف مثل هذه الإشارة الخافتة، احتاجا إلى التأكد من أنهما يعرفان مصدر كل جزء من الإشارة التي كان تلسكوبهما يكتشفها، وعلى هذا النحو، كان عليهما حساب عدد من الأشياء الغريبة، مثل الأسلاك المعزولة بشكل سيئ وحتى فضلات الحمام العالقة بـ«قرن الهوائي».

على مدار عام كامل، كانت هنالك إشارة واحدة لم يتمكنا من إقصائها، حيث كانت تظهر أينما وجها الهوائي، لذلك ظلّا في حيرة من أمرهما، حتى التقى بينزياس ببرنارد بيرك، عالم فلك راديو يعمل في قسم المغناطيسية الأرضية في واشنطن، على متن طائرة وحثه على الاتصال ببوب ديك في جامعة برينستون.

«اقرأ أيضًا: نيلز بولين.. العالم الذي أنقذ ملايين البشر باختراع بسيط»

الفوز بجائزة نوبل

كان ديك وفريقه في الواقع يبحثون عن إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، حيث اقترحت نماذجهم النظرية أن كونًا شابًا وحارًا وكثيفًا من شأنه أن ينتج مثل هذا الإشعاع، حيث كانوا على بعد شهور من إجراء قياساتهم الخاصة، لكن بنزياس وويلسون وصلوا إلى هناك أولاً، ربما صدفة.

نُشر هذا الاكتشاف في عدد يوليو من مجلة «Astro­phys­i­cal Jour­nal» مع أحد أقل العناوين في تاريخ الفيزياء: «قياس درجة حرارة الهوائي الزائدة عند 4080 Mc / s»، لكن وراء هذه الكلمات كانت واحدة من أهم الاكتشافات في تاريخ العلم، حيث اعتبر أول دليل مباشر على أن الكون قد بدأ مع الانفجار العظيم.

اتضح بعد ذلك أن الخلفية الكونية الميروية قد تم التنبؤ بها بالفعل في عام 1948 من قبل فريق بقيادة المنظّر الروسي جورج جامو، لكن ذلك التنبؤ لم يكن ذا صيت واسع، لذلك لم يكن ديك على دراية بهذا العمل عندما نشر ورقته البحثية في عام 1965.

لكن اللحظة الأهم جاءت في عام 1978، حين مُنح ويلسون وبينزياس جائزة نوبل بالصدفة، لاكتشافهما الثوري المشترك في مجال الفيزياء، بينما لم يحصل ديك وجامو على أي شيء، لأن عملهما لم يكن قد تم توثيقه بأدلة علمية.

وعلى الرغم من ذلك الاكتشاف الذي مكّن كلا العالمين من حصد جائزة نوبل بالصدفة، أو بمعنى أدق، عن غير عمد، قد ساهم في تغيير وجهات نظر علماء الفيزياء في فهم الكون، لا تزال هنالك الكثير من الألغاز التي لم تكتشف بعد، مثلما أكّد روبرت ويلسون عبر حديثه عن أننا لا نعرف بالفعل حقيقة ما يقارب 96% من هذا الكون.

حادثة مشابهة

جائزة نوبل بالصدفة

في حادثة مماثلة، كان الفيزيائي ألكسندر فلمنج عائدًا لتوه إلى مختبره العلمي، ليكتشف صدفةً، أن بعض البكتريا تملأ أحد الأطباق الاختبارية الخاصة به لا تقترب من نوع من العفن الذي ظهر بسبب تركه للطبق لوقت طويل.

وقتئذٍ، عرفت البشرية لأول مرة «المضاد الحيوي» أو البنسلين، الذي استخدم لعلاج جرحى الحرب العالمية الأولى، لكن المشكلة الرئيسية تمثّلت في فشل فلمنج في تحضير كميات ضخمة من هذا المضاد الحيوي.

بعد قرابة العقد، نجح كل من العالمين هوارد فوري، وإرنست تشين، في تطوير عمل فلمنج، وإنشاء خط إنتاج ضخم، والذي تصادف مع نشوب الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1944، تم تصنيع ما يقارب من 400 مليون وحدة من البنسلين النقي، ومع نهاية الحرب، كانت شركات أمريكية قد توصلت لطريقة تمكنها من إنتاج 650 مليار وحدة من البنسلين شهريا، ليتم تقدير جهود العالمين بفوزهما بجائزة نوبل بالصدفة ‑إن صح التعبير– في الطب عام 1945.

ختاما، ينبغي التذكير بأن فكرة الفوز بجائزة نوبل بالصدفة ساذجة للغاية، لأن حصد جائزة كتلك يتطلب مجهودًا خارقًا، لكن الصدفة قد تأتي في هيئة فكرة لم تطرأ على ذهن الفائز، لكنه تمسّك بها، ليحصد الجائزة في نهاية المطاف.

المصدر
مصدر مصدر 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى