ثقافة ومعرفة

كارثة تشيرنوبل.. وكيف حاولت القيادة السوفيتية التعتيم على الحادثة؟

في عام 2019، صدر مسلسل كارثة تشيرنوبل، الذي استعرض واحدة من أسوأ الكوارث التي صنعها الإنسان بالتاريخ الحديث، وتدور قصة المسلسل حول ملابسات كارثة المحطة النووية التي وقعت بأوكرانيا السوفيتية عام 1986، مزيحًا الستار عن أسباب الحادثة والنتائج التي ترتبت عليها، كما تضمّن بضع شهادات للسكان المحليين، الذين سردوا قصتهم مع المعاناة التي تعرّضوا لها.

مراجعة تاريخية

تم تشييد محطة تشرنوبل للطاقة النووية عام 1977 في موقع يبعُد نحو 18 كيلومترًا غرب مدينة تشيرنوبل، 16 كيلومترًا عن الحدود الأوكرانية مع بيلاروسيا، بمحاذاة مدينة برايبت التي بُنيت من أجل إيواء العمال وذويهم.

كانت المحطة ثالث محطات الطاقة النووية التي يشيدها الاتحاد السوفيتي باستعمال المفاعلات النووية، بعد محطتي لينيجراد وخورسك، لتبدأ المحطة عملها بدءًا من العام 1981 بخطة تهدُف لتوليد نحو 1000 ميجا وات من الكهرباء في الساعة الواحدة، مستغلة قدرة 4 من المفاعلات النووية بداخلها.

ما قبل كارثة تشيرنوبل

كارثة تشيرنوبل

في ليلة الـ25 من أبريل عام 1986، بدأ الفنيون السوفيت اختبار التوربينات في الوحدة الرابعة (المفاعل رقم 4) قبل الإغلاق الروتيني للصيانة، ومن أجل اختبار الوحدة، قاموا بتعطيل نظام التبريد الأساسي للطوارئ ومعدات السلامة الرئيسية الأخرى، لكن بشكل خاطئ.

تبع هذا الخطأ سلسلة من أخطاء التشغيل، مما أدى إلى تراكم البخار الذي تسبب في ارتفاع درجة حرارة المفاعل، وفي تمام الساعة 1:23 صباحًا، صعدت أصوات انفجارين أو 3، واجتاحت الغيوم سماء تشيرنوبل.

بعد ذلك، اندلعت عدة حرائق، تضمنت حريقا ضخما داخل المفاعل نفسه، والذي نتج عنه إطلاق مكثَّف للمواد المشعة، التي كانت السبب في تحول هذه الحادثة إلى ما يعرف حاليًا بـ«كارثة تشيرنوبل».

«اقرأ أيضًا: أبرز ضحايا الحوت الأزرق عبر العالم»

الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون

كارثة تشيرنوبل
التأثير الإشعاعي مستمر لأجيال.

استمرت الحرائق داخل محطة تشيرنوبل النووية لعدة أيام، لكن وعلى عكس المتوقع، لم تتسبب ضخامة الانفجارات بحد ذاتها في مقتل الكثيرين، حيث أفادت تقارير بأن حصيلة ضحايا الانفجارات بحد ذاتها كانت 3 أشخاص فقط، اثنين لقوا حتفهم مباشرة، وثالث فارق الحياة متأثرًا بأزمة قلبية.

وعلى سبيل المقارنة، خلال الأشهر القليلة الأولى من عملية تنظيف المحطة النووية من آثار هذه الحادثة، تعرّض نحو 28 عاملًا ورجل إطفاء للتسمم الإشعاعي الحاد وأصيب العشرات كذلك بالمرض الشديد.

ولم يتوقف الضرر عند حدود أوكرانيا، بل تخطى الإشعاع ذلك لينتشر إلى أقصى الغرب نحو فرنسا والمملكة المتحدة، ولعل أبرز الأضرار التي تسببت بها القنابل النووية في تشيرنوبل هي إصابة آلاف الأطفال الذين شربوا الحليب المشع بسرطان الغدة الدرقية، والذي انتهى بوفاة 15 منهم على أقل تقدير، ومن شبه المؤكد أن هذه الكارثة تسببت في وفيات أخرى من السرطان، على الرغم من أن رقم المصابين لا يزال محل نزاع.

محاولة الاتحاد السوفيتي للتعتيم على الحادث

في أعقاب كارثة تشيرنوبل مباشرة، حاولت السلطات السوفيتية إبقاء مواطنيها «في الظلام» بالتعتيم على الحادث، بل لم تبذل أي جهد لتنبيه البلدان المجاورة كذلك، ولكن في 28 أبريل، بدأت محاولات التستر تلك في الانهيار، عندما اكتشفت أجهزة المراقبة السويدية كميات كبيرة من الإشعاع في الغلاف الجوي الذي بدا أنه نشأ في الاتحاد السوفيتي.

بعد الضغط الدولي، اعترف السوفيت بأن حادثًا أدى إلى مقتل شخصين في تشيرنوبيل، لكنهم كذبوا أيضًا بالزعم أن الوضع أصبح تحت السيطرة، واستغرقت السلطات حتى يوم 6 مايو لإغلاق المدارس في كييف، العاصمة الأوكرانية الواقعة على بعد 65 ميلاً من المصنع، وتحذير السكان للبقاء في الداخل.

حلم العودة للديار

بعد حوالي 36 ساعة من الحادث، بدأت السلطات السوفيتية في إجلاء حوالي 115 ألف شخص كانوا يعيشون في الجوار، اعتقادًا منهم أنه سيسمح لهم بالعودة إلى ديارهم قريبًا، حيث تركوا خلفهم حيواناتهم الأليفة وأغراضهم الثمينة.

لكن المفاجأة كانت أن جميع الأراضي الواقعة في دائرة نصف قطرها 18.6 ميل من المصنع قد تم إغلاقها لاحقًا خوفًا من انتشار الإشعاع، وتم إنشاء نقاط تفتيش للتحكم في الوصول، كما تم توسيع هذه المنطقة المحظورة في السنوات اللاحقة، مما أدى إلى إجلاء 220 ألف شخص إضافي، على الرغم من عودة بضع مئات من السكان بشكل غير قانوني لمنازلهم، إلا أن الغالبية العظمى من المنطقة لا تزال خالية من البشر حتى الآن.

متى تم إغلاق محطة تشيرنوبل النووية؟

كارثة تشيرنوبل

عندما انفجرت الوحدة 4، تم إغلاق المفاعلات الثلاثة الأخرى في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، لكن تم إعادة تشغيلها جميعًا في غضون عام ونصف، على الرغم من الإدانة الدولية لعيوب التصميم والتلوث الإشعاعي بالموقع، ومع ذلك، واصل الآلاف من مشغلي المحطة الذهاب إلى العمل يوميًا حتى نشب حريق بالوحدة رقم 2 بالعام 1991.

في عام 1995، وافقت أوكرانيا، المستقلة حديثًا، على إغلاق المفاعلين المتبقيين مقابل الحصول على مساعدة مالية من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وبالفعل توقفت الوحدة الأولى عن العمل في عام 1996، وكانت الوحدة الثالثة آخر وحدة تم إغلاقها في عام 2000، لتغلق بذلك قصة كارثة تشيرنوبل، لكن دون أن تنتهي توابعها بالطبع.

في العام 2011، قررت الحكومة الأوكرانية تقليص منطقة الاستبعاد، لتسمح باستقبال السياح في المناطق القريبة من محل حدوث كارثة تشيرنوبل، لكن مع إجراءات مشددة، وتعليمات للسياح بعدم تناول الطعام أو التدخين بالقرب من مناطق حدوث الحادثة.

ختامًا؛ اعترفت الحكومة الأوكرانية، أنّه لن يتم تنظيف موقع كارثة تشيرنوبل بالكامل حتى عام 2065 تقريبًا، وفي غضون ذلك، ستبقى الجسيمات المشعة منتشرة في البيئة.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى