رياضة

مصر وأيرلندا.. وكيف تسببت مباراة مملة في ثورة بعالم كرة القدم؟

يزعُم الكثيرون أن مباراة مصر وأيرلندا في كأس العالم 1990، الذي أقيم بإيطاليا، كانت سببًا رئيسيًا في تحوُّل مسار كرة القدم تمامًا، حيث تسبب الأسلوب الممل الذي اتبعه المنتخب المصري بقيادة محمود الجوهري في تلك المباراة تحديدًا في مطالبات ضخمة بتغيير «قاعدة التمرير الخلفي»، الأمر الذي تسبب بدوره في تغيير شكل كرة القدم للأبد.

حلم التمثيل المشرّف

نجح منتخب مصر في الوصول لكأس العالم 1990 بإيطاليا للمرة الثانية في تاريخه، بقيادة المدرب التاريخي «محمود الجوهري»، ولاعبين أفذاذ أمثال «التوأم» حسام وإبراهيم حسن، جمال عبدالحميد، هاني رمزي، إسماعيل يوسف، أحمد شوبير وقائمة لامعة من أفضل نجوم المنتخب المصري على مر تاريخه، عقب عبور عقبة منتخب الجزائر بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم.

أوقعت قرعة المونديال المنتخب المصري في مجموعة صعبة للغاية؛ ضمت كلا من منتخبات هولندا، إنجلترا وأيرلندا، وبعد مباراة افتتاحية تاريخية انتهت بالتعادل بهدف لهدف أمام المنتخب الهولندي، الذي يضم كوكبة من نجوم كرة القدم الأوروبية، ارتفع سقف التوقعات بالشارع المصري، الذي أضحى مطالبًا بأكثر من «التمثيل المشرّف» أمام أيرلندا بالجولة التالية، طمعًا في حجز بطاقة عبور ملحمية للدور الثاني.

مباراة مصر وأيرلندا.. ماذا حدث؟

مباراة مصر وأيرلندا

في مباراة توصف بأنها «المباراة الأكثر مللًا في تاريخ كرة القدم»، قدّم منتخب مصر واحدة من أسوأ أداءات المنتخبات في تاريخ كأس العالم، الأمر الذي أثار غضب «جاك تشارلتون»، المدير الفني لمنتخب أيرلندا آنذاك، واصفًا استراتيجية الجنرال «محمود الجوهري» بالعبارات التالية.

”المصريون لم يأتوا للعب مباراة كرة قدم، لم يخلقوا فرصة قط، حقيقة لم يعجبني أي شيء في المباراة، لا طريقة لعب المصريين، ولا تكتيكات إضاعة الوقت الخاصة بهم“.

بمراجعة شريط المباراة، يتضح لنا أن «تشارلتون» كان محقًا، حيث لم يخلق المنتخب المصري أي فرصة، لكن المُدهش كان طريقة إضاعة الوقت التي انتهجها المنتخب المصري، والتي كان بطلها الأول الحارس المصري «أحمد شوبير» الذي استفاد وقتئذ من «قاعدة التمرير الخلفي»، التي كانت تُتيح للحارس المرمى أن يستحوذ على الكرات العائدة من أقدام مدافعيه بيده، على عكس ما يحدُث الآن.

على كُلٍ، لم تسعف مباراة مصر وأيرلندا محمود الجوهري بتحقيق حلم المصريين في تمثيلها بشرف والعبور للدور التالي، حيث انتهى حلم الفراعنة عند حاجز دور المجموعات بعد الخسارة ضد المنتخب الإنجليزي بهدف نظيف، ليظل السؤال الأهم قائمًا لسنوات؛ هل كانت مباراة مصر وأيرلندا السبب في تغيير قواعد كرة القدم بالفعل؟ أم أن تصريحات تشارلتون، ومطاردته لاعبي منتخب مصر وشتمهم ‑حسب تصريحات إسماعيل يوسف- هو أقصى ما ترتبت عليه نتيجة هذه المباراة.

البطولة السلبية

في حقيقة الأمر، ربما لم تكن مباراة مصر وأيرلندا المباراة الوحيدة بكأس العالم 90 التي تطالها عبارات الانتقاد، ووصفها بالمملة، حيث إن هذه النسخة تحديدًا شهدت تراجعًا ملحوظًا في متوسط عدد الأهداف المسجلة بواقع 2.2 هدف في المباراة الواحدة، وهو المعدل الأقل على الإطلاق، في حين شهدت هذه النسخة «السلبية» 5 تعادلات بشباك نظيفة، و15 انتصارًا بنتيجة هدف للاشيء.

بنهاية البطولة، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم قد أدرك مدى السوء الذي وصلت له كرة القدم في ذلك الوقت، كانت اللعبة بشكل عام بطيئة للغاية؛ حيث الكثير من التوقفات، الدفاع السهل، إضاعة الوقت، لكن ذلك لم يكن أمرًا جديدًا، بل كانت نتاجا لتراكمات استمرت لأعوام.

سنوات من اللعب السلبي

مباراة مصر وأيرلندا

بعيدًا عن مباراة مصر وأيرلندا، التي يمكننا فقط اعتبارها القشة التي قصمت ظهر البعير، كان المثال الأكثر شهرة على تردّي حال كرة القدم في هذه الفترة خلال مواجهة جمعت رينجرز الاسكتلندي ودينامو كييف الأوكراني بكأس أوروبا عام 1987، حين أوقف متوسط ميدان رينجرز، «جراييم ساونيس» هجمة فريقه بثواني المباراة الأخيرة ليعيدها إلى حارسه الذي يبعد عنه قرابة الـ70 ياردة.

وحتى عقب انتهاء مونديال 90، وحلول منافسات بطولة أمم أوروبا 92 التي توّج بها المنتخب الدنماركي بشكل مفاجئ لكل التوقعات، لم يتغيّر الحال كثيرًا، بل إن بعض التقارير أفادت بأن منتخب الدنمارك نفسه كان يعتمد على فكرة «التمرير الخلفي» بشكل مبالغ به، وأغلب الظن أن تغيير القانون قد بدأ عند هذه اللحظة تحديدًا (تتويج منتخب الدنمارك بكأس الأمم الأوروبية)، إلا أن هنالك بعض الشكوك التي أثيرت بشأن توقيع مسؤولي الفيفا على بنود القانون الجديد، قبيل انطلاق البطولة من الأساس.

«اقرأ أيضًا: «حرب كرة القدم».. وحكاية هدف أشعل النار بين دولتين»

قاعدة التمرير الخلفي

بحلول أولمبياد إسبانيا 1992، كان القانون الجديد قد دخل حيّز التنفيذ، بحيث أصبح من المُحرّم على حرّاس المرمى «مسك» الكرات العائدة من أقدام زملائهم في الفريق، قبل أن يتم تعديل القانون مجددًا عام 1997 ليشمل عدم قدرة الحارس على الإمساك بالكرات العائدة من رميات التماس كذلك.

وطبقًا للقانون رقم 12، فقرة 2، من القانون العام للاتحاد الدولي لكرة القدم، المنظم للمباريات، تكون عقوبة هذه المخالفة عبارة عن ركلة حرة غير مباشرة، تنفذ من المكان الذي أمسك الحارس الكرة فيه، ما لم يكن داخل الـ6 ياردات، بينما يمكن للاعبين التحايل على هذا القانون بتمرير الكرة للحارس بأي جزء من أجسادهم، باستثناء أقدامهم بالطبع.

كيف تغيرت كرة القدم منذ هذه اللحظة؟

مباراة مصر وأيرلندا

حسب مايكل كوكس، مؤلف كتاب «The Mix­er»، الذي يناقش تاريخ التكتيك بـ كرة القدم الإنجليزية، فإن تغيير قاعدة التمرير الخلفي ساهم في تحفيز المهاجمين على الضغط من مناطق متقدمة في الملعب من أجل فرض الأخطاء على الخصم، ما أدى بالتبعية إلى تقدُّم خطوط الدفاع للأمام قليلًا، تجنبًا لتوريط الحرّاس بتمريرات لا يستطيعون التعامل معها وفقًا للقانون الجديد.

وهذا يعني أن الملعب أصبح ممدودًا، مما خلق مساحة إضافية في خط الوسط للتمرير المباشر والمراوغة وكرة القدم الهجومية، ولكن الأهم، كان تسارع اللعب بشكل كبير، ليس فقط بسبب وجود عدد أقل بكثير من فترات الراحة في اللعب ولكن لأن الملعب الأطول يعني المزيد من الفرص للهجوم والهجوم المضاد.

ثورة حقيقية

لذلك، منذ عام 1992 فصاعدًا، كان على حراس المرمى ومدافعي الوسط البدء في استخدام أقدامهم ورؤوسهم بشكل أكثر انتظامًا، مما أدى إلى ظهور حراس مرمى أكثر شمولية، بأدوار واضحة في بناء الهجمات بعدما عاش الحراس عقودًا من الانفصال عن بقية عناصر الفريق، وأدوار تقتصر على التصدي لهجمات المنافسين.

ومن المفارقات، أنه في عام 1992، أدى قانون التمرير الخلفي إلى إطالة الملعب، لكنه عمل على المدى الطويل على تقصيرها، بسبب استراتيجيات مثل الضغط العكسي الذي جعل كرة القدم أكثر توجهًا نحو الهجوم وتسلية المتابعين.

في النهاية، لسنا هنا لنؤكد أن مباراة مصر وأيرلندا كان لها عامل الحسم في تغيير قوانين كرة القدم، لكن فقط لنشير إلى أن مثل هذه المباريات المملة، وبقدر السوء الذي حملته بطياتها، قدمت دفعة ممتازة للعبة كرة القدم كصناعة تهدف منذ عقود لتحصيل أكبر أرباح ممكنة عبر إمتاع الجماهير، التي ترغب دومًا ودون شك في مشاهدة أكبر عدد من الأهداف الممكنة.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى