ثقافة ومعرفة

كيف استفادت البشرية من الثورة الصناعية؟

يعتقد المؤرخون أن الثورة الصناعية الأولى قد بدأت في إنجلترا بثلاثينيات القرن الـ19، لتمييزها عن الفترة الثانية من التصنيع التي حدثت من أواخر القرن الـ19 إلى أوائل القرن العشرين والتي شهدت تقدمًا سريعًا في صناعات الصلب والكهرباء والسيارات.

ما هي الثورة الصناعية؟

بفضل مناخها الرطب والمثالي لتربية الأغنام، كان لبريطانيا تاريخ طويل في إنتاج المنسوجات مثل الصوف والكتان والقطن، ولكن قبل الثورة الصناعية، كانت صناعة المنسوجات البريطانية «صناعة منزلية»، حيث كان يتم تنفيذ العمل في ورش صغيرة أو حتى منازل من قبل عمال الغزل والنسيج والصباغة.

ابتداءً من منتصف القرن الثامن عشر، جعلت الابتكارات مثل المكوك الطائر والإطار المائي والنول الكهربائي نسيج القماش والغزل والخيط أسهل بكثير، حيث أصبح إنتاج القماش أسرع ويتطلب وقتًا أقصر وعمالة بشرية أقل بكثير.

كان الإنتاج الآلي الأكثر كفاءة يعني أن مصانع النسيج الجديدة في بريطانيا يمكن أن تلبي الطلب المتزايد على الملابس في الداخل والخارج، حيث وفرت العديد من المستعمرات في الخارج سوقًا لسلعها، وبالإضافة إلى المنسوجات، تبنت صناعة الحديد البريطانية أيضًا ابتكارات جديدة.

اقرأ أيضًا: صناعة الفخار في 5 مراحل وتطورها عبر التاريخ

المحرك البخاري

الثورة الصناعية
المحرك البخاري.

يتلخّص مفهوم الثورة الصناعية في حلول الآلات محل الأيدي العاملة، حيث بدأت السلع التي تم تصنيعها يدويًا بشق الأنفس في السابق في الإنتاج بكميات كبيرة بواسطة الآلات في المصانع، وذلك بفضل إدخال آلات وتقنيات جديدة في المنسوجات وصناعة الحديد وغيرها من الصناعات.

نجح المخترع «توماس نيوكومين» في تغيير اللعبة إلى الأبد، حين صمم النموذج الأولي لأول محرّك بخاري حديث، والذي عُرف بـ«المحرّك البخاري الجوي»؛ الذي تم تطبيقه في الأصل لتشغيل الآلات المستخدمة في سحب المياه من أعمدة المناجم.

في ستينيات القرن الثامن عشر، بدأ المهندس الإسكتلندي «جيمس وات» في تعديل أحد طرازات «نيوكومين»، مضيفًا مكثف مياه منفصلًا جعله أكثر كفاءة، ثم تعاون «وات» لاحقًا مع «ماثيو بولتون» لابتكار محرك بخاري بحركة دوارة، وهو ابتكار رئيسي من شأنه أن يسمح للطاقة البخارية بالانتشار عبر الصناعات البريطانية، بما في ذلك مصانع الدقيق والورق والقطن وأعمال الحديد ومصانع التقطير ومحطات المياه والقنوات.

سمحت الطاقة البخارية لعمال المناجم بالتعمق واستخراج المزيد من مصدر الطاقة الرخيص نسبيًا مثل الفحم، الذي ارتفع الطلب عليه خلال الثورة الصناعية وما بعدها، حيث كانت هنالك حاجة له لتشغيل المصانع المستخدمة لإنتاج السلع المصنعة، والسكك الحديدية والبواخر المستخدمة في نقلها.

اقرأ أيضًا: الفوضى والغرق.. وماذا يحدث للعالم لو نام البشر 1000 عام؟

كيف استفادت البشرية من الثورة الصناعية؟ 

الثورة الصناعية
زيادة فرص العمل.

دون شكٍ، لم تكن حياتنا لتصبح بهذه السهولة دون الثورة الصناعية، لذلك علينا أن نتعرف على المميزات التي حصدتها البشرية بمجرد إقحام الآلة للعمل محل البشر.

زيادة فرص العمل

منحت الثورة الصناعية الفرصة لأكبر عدد من الناس في الحصول على وظائف، على عكس الشائع قبلها، حيث كانت الوظائف تستند إلى الدراسات التعليمية أو التقاليد العائلية أو المواهب الفريدة التي يمتلكها شخص ما.

مع تدشين المصانع في جميع أنحاء العالم، تضاعفت فرص العمل في المصانع، التي لا تحتاج موهبة أو خبرات للتوظيف بداخلها، ما جعل تعديل أي شخص لحياته المهنية ممكنًا، بعدما كان العمل مقتصرًا على مجال واحد منذ لحظة الميلاد إلى الوفاة.

زيادة معدلات الإنتاج

قبل الثورة الصناعية، كانت كل الأعمال تتم يدويًا، وتطلب هذا استثمارًا زمنيًا محددًا من قبل المنشئ، لذلك كان الإنتاج الضخم مستحيلًا تقريبًا، وهذا ما تغير كليًا بإقحام الآلة.

سمحت المصانع لمجموعات من الناس أن يكونوا أكثر إنتاجية من شخص يعمل بمفرده، كما سمحت بتصنيع منتجات أفضل أو تقديم خدمات محسنة، وانعكس ذلك بمرور الوقت على تحسين نوعية المعيشة، حيث أصبح الوصول أكبر إلى السلع والخدمات المختلفة.

تقليص تأثير الحدود الجغرافية

قبل الثورة الصناعية، اقتصرت التجارة على المستوى الوطني في أحسن الأحوال، على الرغم من حضور ما يعرف بالتجارة الدولية، ولكنها كانت صعبة جدًا بسبب التكلفة الباهظة لنقل البضائع.

بسبب ثورة التصنيع أصبح النقل أسهل وأرخص، مما سمح للشركات بإنشاء وجود دولي لعلاماتها التجارية، بالتالي تمكُّن مختلف المجتمعات من الحصول على سلع أو خدمات جديدة مع الاستمرار في الاستمتاع بالمنتجات المحلية.

سلبيات الثورة الصناعية

الثورة الصناعية
التلوث البيئي.

على الرغم من كل المعوقات التي أزالتها الثورة الصناعية، وتسهيلها لحياة المواطنين بشكل عام، إلا أنها أيضًا لم تسلم من الانتقادات ‑المستحقة- وفيما يلي نستعرض أبرز سلبيات إقحام الآلة بسوق العمل محل الإنسان.

ظروف العمل الصعبة

في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أجرى الدكتور ويليام هنري دنكان، مسؤول الصحة الحكومي في ليفربول بإنجلترا، مسحًا لظروف المعيشة ووجد أن ثلث سكان المدينة يعيشون في أقبية المنازل، والتي تحتوي على أرضيات ترابية ولا يوجد بها تهوية أو صرف صحي، حيث كان ما يصل إلى 16 شخصًا يعيشون في غرفة واحدة ويتشاركون في غرفة واحدة.

أدى نقص المياه النظيفة ومخارج التصريف إلى جعل العمال وعائلاتهم عرضة للإصابة بالأمراض المعدية مثل الكوليرا، التي انتشرت بشكل كبير في تلك الفترة، وحصدت أرواح الكثيرين.

الهجرة للمدن

كان على العمال الذين قدموا من الريف إلى المدن التكيف مع إيقاع حياة مختلف تمامًا، مع القليل من الاستقلالية الشخصية، حيث كان عليهم الوصول للمصانع بوقت محدد، وإلا فسيواجهون فقدان رواتبهم أو إجبارهم على دفع غرامات، وهو ما لم يعانوه في أعمالهم الشخصية بالسابق.

طبقًا لـ«بيتر ستيرنز»، المؤرخ بجامعة جورج ميسون، عانى الريفيون من انعدام الحرية عند العمل بالمصانع، حيث أصبح العامل تحت ضغط وإشراف من أجل إنتاج أغزر، حيث لم يتمكنّوا من الانتقال بحرية منذ لحظة وصولهم لمقر العمل.

ومما زاد الطين بلة، حظر مسؤولو المدينة في القرن الـ19 المهرجانات والأنشطة الأخرى التي كانوا يتمتعون بها في القرى الريفية، بدلاً من ذلك، غالبًا ما قضى العمال أوقات فراغهم في حانة الحي، حيث كان الكحول يوفر لهم الهروب من ملل حياتهم.

إصابات العمل

في كتابه «تطوُّر الصناعة»، أشار الكاتب «بيتر كوبانو» إلى مواجهة العمال خطر التعرُّض للإصابة بسبب عدم وجود ضمانات حقيقية لأمنهم الشخصي، حيث كان من الوارد جدًا أن يفقد أي منهم أحد أطرافه أثناء تأديته لمهام عمله.

تكررت مثل هذه الحوادث بشكل أوسع بمناجم الفحم، التي كانت توفر الفحم اللازم لتشغيل الآلات التي تعمل بالبخار، حيث كان من العادي أن يتعرض العمال لخطر مواجهة الانفجارات الغازية التي نتج عنها إصابة العديد منهم بحروق وندبات خطيرة، تستمر معهم مدى الحياة.

الضرر البيئي

كانت الثورة الصناعية مدفوعة بحرق الفحم، بالتالي بدأت المدن الصناعية الكبرى في تلويث الغلاف الجوي، واستمر تلوث الهواء في الارتفاع في القرن التاسع عشر، مما تسبب في ظهور أمراض الجهاز التنفسي وارتفاع معدلات الوفيات في المناطق التي حرق المزيد من الفحم بها.

لكن الأسوأ هو أن حرق الوقود الأحفوري يضخ الكربون في الغلاف الجوي، وتشير دراسة نُشرت في عام 2016 في مجلة «Nature» إلى أن تغير المناخ مدفوعًا بالنشاط البشري بدأ منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، أي مع بداية الثورة الصناعية.

ختامًا؛ على الرغم من كل هذه العلل، كان للثورة الصناعية آثار إيجابية كما ذكرنا، مثل خلق النمو الاقتصادي وجعل السلع متاحة أكثر، الأمر الذي ساعد على ظهور طبقة وسطى مزدهرة استحوذت على بعض القوة الاقتصادية التي كان يشغلها الأرستقراطيون في السابق، وأدت إلى ظهور وظائف متخصصة في الصناعة.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى