الصحة النفسية

متلازمة باريس.. وكيف نعالج الفجوة بين التوقعات والحقيقة المخيبة للآمال؟

إن لم تختبر تجربة زيارة دولة فرنسا، فأنت على الأرجح لا تعاني من متلازمة باريس، التي يعاني منه معظم السياح سنويًا، نتيجة لخيبة أملهم، واختلاف الصورة التي رسموها بداخلهم عن مدينة النور، وبين الحقيقة على أرض الواقع.

ما هي متلازمة باريس؟

متلازمة باريس عبارة عن إحساس بخيبة الأمل، أظهره بعض الأفراد عند زيارة باريس، الذين شعروا أن المدينة لم تكن كما توقعوا، وعادة ما يُنظر إلى الحالة على أنها شكل حاد من أشكال الصدمة الثقافية.

ويظهر المصاب بهذه المتلازمة عددًا من الأعراض النفسية مثل الوهم، الهلوسة، تبني مشاعر الاضطهاد والقلق، إضافة إلى بعض الأعراض الجسدية مثل الدوخة وعدم انتظام دقات القلب والتعرق.

لوحظت هذه المتلازمة بشكل خاص بين السياح اليابانيين، لكنها أثرت أيضًا على المسافرين الآخرين أو المقيمين المؤقتين من شرق آسيا، مثل الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية.

أصل المتلازمة

متلازمة باريس

يعود الفضل في صياغة مصطلح متلازمة باريس لطبيب نفسي ياباني يدعى «هيرواكي أوتا»، كان يعمل بالثمانينيات في مستشفى «سانت آن» في فرنسا، حين قابل أعدادًا من السياح اليابانيين الذين يعانون من نفس الأعراض تقريبًا، قبل أن ينشر كتابًا عن هذه الظاهرة، يحمل نفس الاسم.

طبقًا ليوسف محمودية، الذي يعمل كطبيب بمستشفى «أوتيل ديو دي باريس»، متلازمة باريس هي مجموعة من الأمراض النفسية المرتبطة بالسفر، وليست متلازمة المسافر، حيث افترض أن الإثارة الناتجة عن زيارة باريس تسبب تسارع القلب، مما يسبب الدوخة وضيق التنفس، مما يؤدي إلى الهلوسة في نهاية المطاف.

أسباب متلازمة باريس

يصيب هذا الاضطراب المؤقت في الصحة العقلية معظم المسافرين لباريس، خاصةً من هم من شرق آسيا، عند اكتشافهم أن باريس لا تلبي توقعاتهم الرومانسية، حيث تبدو الفجوة بين أسطورة المدينة وواقعها، لدرجة أن نوعًا من الانهيار النفسي يترتب على ذلك.

وفقًا لمقال طبي حول الحالة نُشر على الموقع الإلكتروني لأحد مراكز العلاج النفسي الاجتماعي للمهاجرين بباريس، تكمن المشكلة في التصور المسبق عن شكل الحياة في باريس، حيث يعتقد السياح أنها رمز شبه سحري للثقافة الأوروبية، بل وتم تضخيم هذه المثالية، من خلال تصوير وسائل الإعلام في اليابان لباريس باعتبارها معقلًا للثقافة العالية.

ومع ذلك، فإن اكتشاف الحقائق الأقل رومانسية للمدينة مثل النوادل غير المبالين، محطات المترو المزدحمة، والأرصفة القذرة، يمكن أن يؤدي إلى الاضطراب، الذي تمتد أعراضه في سلسلة كاملة من نوبات الهلع.

اختلاف الثقافات

متلازمة باريس

على ما يبدو، فرنسا هي الوجهة المفضلة لليابانيين، وربما يكون ذلك بسبب وجود ثقافات متعارضة تمامًا بين البلدين، حيث إنّ فرنسا متحررة للغاية مقارنة بالمجتمع الياباني التقليدي والمحافظ، ففي الثقافة ووسائل الإعلام اليابانية، تُصوَّر باريس بشكل أساسي على أنها مادة من القصص الخيالية.

وبالتالي، فإن المدينة الرومانسية الشهيرة تثير اهتمام السياح اليابانيين، بل تمتلئ طوكيو نفسها بمحلات الحلويات الفرنسية ومحلات الأزياء الفاخرة، بينما يزور باريس أكثر من مليون سائح ياباني كل عام.

لكن بمجرد وصولهم إلى هناك، تبدأ المشاكل في الظهور، وتهدم التوقعات الخيالية، ويضربهم الواقع. بدايةً من الطقس الباريسي سيئ السمعة، وصولا لانتشار الإضرابات والتدخين طوال الوقت، مرورًا بالنشالين المحترفين الذين يمكنهم أن يشموا رائحة السائحين الساذجين على بعد أميال. في الواقع، غالبًا ما يذكر مترو باريس السائحين بالحرص ممتلكاتهم بلغات مختلفة، بما في ذلك اليابانية، تجنبًا لتعرضهم للنشل.

«اقرأ أيضًا: سونوماتا.. القلعة اليابانية التي شيدت بيوم وليلة»

إحصائيات

طبقًا لموقع «NBC News»، يحتاج نحو 12 يابانيًا لعلاج نفسيًا عقب زيارتهم لباريس كل عام، حيث يتعارض واقع السكان المحليين غير الودودين والشوارع المزعجة مع توقعاتهم العالية والمثالية.

في حين كشفت بعض التقديرات عن تحسُّن ثلثي المصابين بمجرد قضاء بضعة أيام تحت إشراف متخصصين بالعلاج النفسي، بينما يعاني الثلث المتبقي عادةً للانتكاس حتى بعض الخضوع للعلاج النفسي.

وقال عالم النفس «إيرفيه بنهامو» للصحيفة: «يمكن للمسافرين الهشين أن يفقدوا بوصلتهم، عندما لا تتوافق الفكرة التي لديهم عن البلد مع حقيقة ما يكتشفونه، يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث أزمة».

حالة شبيهة

متلازمة باريس

بعيدًا عن متلازمة باريس، سُجلت بعض من الحالات المشابهة لهذا الاضطراب لكن ببلدان أخرى، وفيما يلي نستعرض أبرزها.

متلازمة فلورنسا

تعرف متلازمة فلورنسا أيضًا باسم متلازمة ستيندال، أو فرط ثقاف الدم، ويبلغ المصابون بها عن تسارع ضربات القلب والدوخة والتنفس السريع، وفي الحالات القصوى، الذهان المصاب بـ جنون العظمة. لكن هذه المجموعة من الأعراض لا تحدث إلا بعد رؤية الفن الجميل والمباني في فلورنسا الإيطالية.

سُمي هذا البلاء على اسم الكاتبة الفرنسية «ماري هنري بيلي» في القرن التاسع عشر، التي كتبت تحت اسم مستعار «ستيندال» وصف تجربتها، والذي جاء كالتالي:

«كنت في حالة من النشوة، من فكرة أن أكون في فلورنسا، بالقرب من الرجال العظماء الذين رأيت قبورهم مثل مكيافيلي، مايكل أنجلو وجاليليو». 

«وصلت إلى النقطة التي يصادف فيها المرء أحاسيس سماوية، كل شيء يتحدث بوضوح إلى روحي، كان لدي خفقان في القلب، استنزفت الحياة مني، مشيت خوفا من السقوط».

ختامًا؛ إن كان هنالك ما يُنصح به لتجنب التعرّض للإصابة باضطراب متلازمة باريس أو غيره، فهو الحفاظ على تبني توقعات متوسطة عن الأماكن المحتمل زيارتها، لأن أجسادنا قد تتفاعل مع الصدمة بشكل قد نعجز عن احتوائه.

المصدر
مصدر مصدر 1مصدر 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى