ثقافة ومعرفة

علم فراسة الدماغ.. وهل يؤثر شكل الجمجمة على السمات الشخصية؟

عاش العالم أزمنة طويلة تحت رحمة العلوم الزائفة، ومنها علم عُرف بالقرن الـ18 باسم علم فراسة الدماغ، حين زعم أحدهُم أنّه من الممكن التعرُّف على سمات البشر وتوجهاتهم بمجرّد تحليل بعض النتوءات البارزة على جماجمهم، وإليك القصة كاملةً.

ما هو علم فراسة الدماغ؟

وفقًا لنظرية الطبيب الألماني «جوزيف جال»، علم فراسة الدماغ عبارة عن دراسة تشريح وشكل الجمجمة، وربطها كدليل على بعض السمات الشخصية والعقلية للفرد وتأثيره على هذه السمات.

تاريخ علم الفراسة

كما ذكرنا، نشأ علم فراسة الدماغ في أواخر القرن الثامن عشر في فيينا كنظرية مقترحة من الألماني «فرانز جوزيف جال»، المختص بعلم الأعضاء، وشاركه الإيمان بنفس الفكرة طبيب ألماني آخر يدعى «يوهان غاسبار سبورزهايم».

نظرية جوزيف جال

علم فراسة الدماغ
فحص أدمغة فئات مختلفة من المجتمع.

لاحظ جال أن القشرة المخية للإنسان كانت أكبر بكثير من تلك الموجودة في الحيوانات، وهو ما جعله يستنتج أن فارق الحجم هو السبب في كون البشر متفوقين عقليًا.

بعد ذلك، تطورت قناعاته، ليؤمن بأن النتوءات التي تظهر على السطح الخارجي لرأس الإنسان، ما هي إلا امتداد لنتوءات أخرى تغطي مخ الإنسان.

بالتالي، اقترح أن النتوءات، والشكل العام للجمجمة يمكن ربطها بجوانب مختلفة من شخصية الشخص وقدراته، وكان يستدل على ذلك بحجة جذبت الانتباه آنذاك؛ بعد فحص رؤوس مجموعة من النشالين الصغار، وجد جال أن العديد منهم لديهم نتوءات في رؤوسهم، فوق آذانهم مباشرة.

وأشار في تحليله إلى أن هذه النتوءات كانت مرتبطة بالرغبة في الاستحواذ، أو الميل إلى السرقة أو الاكتناز وإظهار الجشع.

في كتابه عن علم فراسة الدماغ، اقترح جال أن السمات الأخلاقية والفكرية فطرية، بمعنى أن الناس يولدون بطابع أخلاقي ومستوى ذكاء معين، بالتالي إذا تحوَّل أي شخص للص، فذلك لأنه ولد مع استعداد فطري للخداع.

كليات الإنسان

سعى جال للحصول على دعم لأفكاره من خلال قياس جماجم الأشخاص في السجون والمستشفيات والمصحات، وخاصة أولئك الذين يمتلكون رؤوسًا غريبة الشكل.

بناءً على ما وجده، قسّم جال الملكات الأخلاقية والشخصية إلى ما أسماه كليات، ويعتقد أن كل واحدة منها تتوافق مع منطقة معينة من الرأس البشري. وهي:

  1. الغرائز الإنجابية.
  2. حب الأبناء.
  3. المودة والصداقة.
  4. الدفاع عن النفس والشجاعة.
  5. الغرائز القتالية.
  6. المكر وحدة الذكاء.
  7. الشعور بالملكية أو الميل إلى السرقة.
  8. الكبرياء، الغطرسة، والتكبر.
  9.  الطموح وحب المجد.
  10. الحذر.
  11. القدرة على التعلم.
  12. الشعور بالمكان والزمان.
  13. تذكر البشر.
  14. الذاكرة اللفظية.
  15. القدرة اللغوية.
  16. الإحساس بالألوان.
  17. الإحساس بالصوت والموهبة الموسيقية.

انتقادات

بشكلٍ بديهي، افتقرت نظريات جال إلى الدقة العلمية، حيث اختار ببساطة تجاهل أي دليل يتعارض مع أفكاره، وعلى الرغم من ذلك، أصبح علم فراسة الدماغ أكثر شيوعًا بدايةً من القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين. حيث كان يتم فحص الرؤوس بواسطة أخصائي فراسة الدماغ خلال العصر الفيكتوري، وظلت هذه الممارسة قائمةً حتى بعد أن بدأت الأدلة العلمية تتعارض مع أفكار جال.

جذبت أفكار جال العديد من المتابعين، وجذبت أيضًا انتقادات كبيرة من العلماء وكذلك المجموعات الأخرى، فمثلًا؛ اعتقدت الكنيسة الكاثوليكية أن اقتراحه ‑بأن هنالك «عضوا دينيا»- كان إلحاديًا، وبحلول عام 1802، مُنع من إلقاء المحاضرات في منزله تمامًا.

قد يهمك أيضًا: آليات الدفاع في علم النفس

ما بعد وفاة مخترع علم فراسة الدماغ

علم فراسة الدماغ
كليات الدماغ.

بعد وفاته في عام 1828، واصل بعض أتباع جال تطوير علم فراسة الدماغ، وبدأت مراجع النظرية تتسرب إلى الثقافة الشعبية السائدة، ولكن على الرغم من الشعبية التي حظي بها هذا العلم لفترة وجيزة، إلا أنه أصبح يُنظر إليه في النهاية على أنه علم زائف، مثل علم التنجيم وعلم الأعداد وقراءة الكف.

دور العلماء في كشف أخطاء النظريات الشائعة

لعبت انتقادات باحثي علوم الدماغ المعروفين، دورًا مهمًا في هذا الانعكاس لوجهات النظر الشعبية حول علم فراسة الدماغ، ففي أوائل إلى منتصف القرن التاسع عشر، وجدت الطبيبة الفرنسية الشهيرة «ماري جان بيير فلورنز»، وهي رائدة في دراسات الدماغ والتوطين الدماغي، أن الافتراض الأساسي لعلم فراسة الدماغ ‑ملامح الجمجمة تتوافق مع الشكل الأساسي للدماغ- كان خاطئًا.

بينما لخّص الفرنسي «فرنسوا ماجيندي»، عالم الفسيولوجيا، مبرره لدحض كل نظريات علم فراسة الدماغ، في أنهّا مجرد انطباعات تتظاهر بتوطين أنواع مختلفة من الذاكرة الدماغ، على الرغم من كونها كانت وما زالت دون أي دليل علمي ملموس، تمامًا مثل علوم: التنجيم، استحضار الأرواح، والكيمياء في العصور الوسطى.

قد يهمك أيضًا: طرق تنمية الإبداع.. وكيف تعرف أنك شخص مبدع؟

التأثير الإيجابي لعلم فراسة الدماغ

بينما تم اعتبار علم فراسة الدماغ منذ فترة طويلة كأحد العلوم الزائفة، إلا أنه ساعد في تقديم مساهمات مهمة في مجال علم الأعصاب، ويرجع ذلك لتركيز الباحثين واهتمامهم بمفهوم التوطين القشري، وهي الفكرة التي اقترحت أن بعض الوظائف العقلية كانت موضعية في مناطق معينة من الدماغ.

مؤخرًا، وباستخدام طرق البحث الحديثة، توصَّل العلماء إلى أن علم فراسة الدماغ ربما قادهم لطريق لم يكونوا ليقتحموه قط، فبينما اعتقد جال وغيره من العلماء ‑بشكل خاطئ- أن النتوءات على الرأس تتوافق مع الشخصية والقدرات، كانوا على حق في الاعتقاد بأن القدرات العقلية المختلفة، مرتبطة بمناطق مختلفة من الدماغ.

المصدر
مصدر 1مصدر 2مصدر 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى