كل جراح في زماننا يدين بالفضل لأحد أشهر العلماء العرب والملقب بأبي الجراحة، إنه أبو القاسم الزهراوي، فخر علماء وعباقرة العرب، ومؤسس علم الجراحة.
من هو أبو القاسم الزهراوي؟
هو أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي الأنصاري، المتوفى سنة 405 هجرية، ويلقب بالزهراوي نسبة لمسقط رأسه «مدينة الزهراء» التي كانت ضاحية ملكية لقرطبة عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس، كما يلقب بالأنصاري لامتداد جذوره إلى المدينة المنورة.
وقد حُرف لقبه الزهراوي في اللغة اللاتينية واللغات الأوربية عمومًا إلى ألزاهر فياس Alzahravius وحرفت كنيته «أبو القاسم» بصورتين مختلفتين إلى ألبوكاسس Albucasis أو أبولكاسس Albucasis، وبهذه الأسماء تعرفه أوروبا الآن.
وكان يشغله منذ صغره جسم الإنسان وكيف تتجلي قدرة الخالق في ذلك الجسم؛ فدرس العمليات التي أجراها الأطباء قبله على مر العصور، فوجد أنها كانت تجرى بطريقة بدائية، تعرض المريض للآلام والمضاعفات التي تؤدي إلى فشلها في معظم الحالات، ووجد أن الأطباء في حاجة إلى الكثير من الأدوات الجراحية.
شاهد أيضًا: ابن زهر الإشبيلي.. وريث الطب وأعظم أطباء الأندلس
سر تسمية الزهراوي بكبير الجراحين
كان الزهراوي أول من تكلم على ظاهرة الحمل خارج الرحم، وأعطى لها وصفا دقيقا وبين الأسباب والعلامات والتشخيص وطرق العلاج، وهو أول من أنشأ مستشفيات جراحة اليوم الواحد، وصنع آلات جراحية وطبية مهمة ومنها ملقاط رأس المولود.
تعليمه
درس الزهراوي الطب والصيدلة، ودرس التشريح لمعرفة خبايا الجسم، ثم انتقل إلى قرطبة وعمل بها في المستشفى الكبير، ورأى حالات مرضية متنوعة، ووجد بعضها يحتاج إلى عمليات جراحية، ليتم الشفاء، وقتها قرر الزهراوي الاهتمام بالجراحة.
إنجازات الزهراوي
للزهراوي العديد من الإنجازات في الجراحة والطب، حيث قام بتحويل الجراحة من مجرد حرفة يزاولها الحجامون والحلاقون، إلى علم وثيق الصلة بالطب وقائم على التشريح، وقد نصح الجراحين بدراسة التشريح والتدريب عليه قبل مزاولتهم لمهنتهم، ليكونوا على علم بالأعضاء وأشكالها وتركيبها وارتباطها ببعضها البعض، وأن يكونوا مطلعين على العظام والأوتار والعضلات.
بالإضافة إلى الكثير من الإنجازات الأخرى ونذكر منها:
• ابتكر الزهراوي الكثير من الأدوات الجراحية مختلفة الأشكال لتناسب جميع العمليات، وزاد في كتابه التصريف برسوم توضيحيه لهذه الأدوات.
• يعد الزهراوي أول من ربط الشرايين والأوعية الدموية بالخيوط الحريرية، وأوقف النزيف الحادث أثناء الجراحة، كما عالج النزيف بالكي.
• استحدث طريقة خياطة الجروح بإبرتين وخيط واحد.
• أول من استخدم الخيوط المصنوعة من أمعاء القطط catgut في خياطة الأمعاء.
• ابتكر طريقة استخراج حصى المثانة عبر المهبل للنساء.
• طور الزهراوي جراحة «شق القصبة الهوائية Tracheotomy»، وهذه الجراحة في واقع الأمر ابتكرها المصريون القدماء، وقد أخذها عنهم الإغريق، ثم تراجعوا عنها نظرا لنسبة الوفيات العالية بسببها، فتوصل الزهراوي لإمكانية التئام غضاريف القصبة الهوائية.
• نجح الزهراوي في استئصال ورم اللحيمة من الأنف.
• تمكن من استئصال اللوزتين بسنارة الجراحة.
• أبو القاسم الزهراوي أول من شق خراجات الكبد وعالجها جراحيا بالكي بالنار.
• برع في علاج كسور الجمجمة، كما نجح في علاج تشوهات الفكين باستخدام آلات جراحية ابتكرها خصيصا.
• اتخذ الزهراوي منهجا دقيقا في التعامل مع الأورام السرطانية، فكان يستأصلها تماما أو يتركها تماما، وهو ما يقره الطب الحديث الآن.
• ابتكر الزهراوي الكثير من الأدوات الطبية الهامة، مثل المحقنة الشرجية والمعدنية وآلة خافض اللسان.
• عالج حالات السل التي تصيب العمود الفقري، وللأسف نسبت طريقته ظلما للجراح الإنجليزي «برسيفال بوت».
• قدم الزهراوي تشخيص حالات الجذام في كتابه التصريف.
ومن المدهش أن أبا القاسم الزهراوي قد أجرى عمليات في مجال جراحة التجميل، والذي يعتقد الكثير أنها من العمليات الحديثة.
شاهد أيضًا:«الساموراي وأيتام تيتانيك».. صور نادرة لم تنشر في كتب التاريخ
مؤلفات الزهراوي
كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، والذي يعد موسوعة طبية كاملة صنف فيها الزهراوي جميع فروع الطب، ويقع الكتاب في 30 مقالة، وقد لقي هذا الكتاب اهتماما واسع النطاق في أوروبا وتتلمذ عليه الكثير، وتمت ترجمته إلى اللغة اللاتينية في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم ترجم إلى الإيطالية والفرنسية، والإنجليزية.
كتاب «أعمار العقاقير» وفيه خصص لكل عقار فصلا، كما ذكر أصول أسماء النباتات الطبية في اللغات السريانية، واليونانية، والفارسية، والأمازيغية (لغة البربر).
شاهد أيضًا: أسماء الأنبياء في اللغات والحضارات المختلفة
ماذا قال الغرب عن الزهراوي؟
يعتبر أبو القاسم الزهراوي واحدا من أشهر الجراحين في الطب الإسلامي وقد ذكره العديد من الجراحين في العالم.
قال عنه الجراح الفرنسي إميل فورج: الزهراوي كان له الفضل في تلخيص جميع معارف الجراحة في عصره، وسيظل كتابه «التصريف لمن عجز عن التأليف» المنشور به 200 صورة، هو التعبير الأول عن الجراحة.
وقال عالم الفسيولوجيا هاللر: كانت كتب أبي القاسم الزهراوي المصدر العام، الذي استقى منه جميع من ظهر من الجراحين بعد القرن الرابع عشر.
أما المؤرخ جورج سارتون فقال عنه: الزهراوي أكبر جراحي الإسلام.
لقد كان الزهراوي صاحب فكر جديد، محبا لعمله، مجتهدا وصابرا، وكان سابقًا لعصره لذلك أطلق عليه «أبو الجراحة».
المصدر