رياضة

هوية النادي.. وهل تبيع الأندية الوهم لجماهيرها؟

يتكرر مصطلح «هوية النادي» في أوساط مشجعي كرة القدم منذ عقود، إلا أن لا أحد يرغب حقيقة في تعريفه، ليظل أحد أكبر الألغاز التي تدفع الجماهير في التراشق فيما بينها، حيث تعتقد بعض الجماهير أن ناديها يمتلك هويةً، بينما لا يمتلك المنافس واحدة، ويظل الجميع داخل هذه الدائرة المُفرغة إلى ما لا نهاية.

هوية النادي.. محض هراء؟

هوية النادي

حاول توم جيبس، محرر صحيفة تليغراف الإنجليزية، اقتحام هذا الركود، وقرر مواجهة مشجعي كرة القدم بحقيقة رؤيتهم لمصطلح هوية النادي، لكن بشكل قاسٍ بعض الشيء.

طبقًا لجيبس، يعتقد كل مشجع كرة قدم أن ناديه مميز، لديه سمات معينة، أسلوب لعب خاص، أو طريقة معينة لإدارة الأمور، باختصارٍ، يعتقد بعض المشجعين أن هوية النادي أهم من نتائج الفريق نفسه، أو هكذا يتظاهرون، إلا أن ذلك للأسف لا يتعدى كونه محض هراء.

في تفسيره لهذه الظاهرة، يقول جيبس، إن مشجعي كرة القدم يتعلقون بالتاريخ الشعبي للنادي الذي يشجعونه في أغلب الأحيان، وهو ما يؤثر تلقائيًا على إدراكهم لحقيقة الكيان الذي قرروا الانتماء له؛ والسبب بسيط، فعادةً ما يتعرض مشجع كرة القدم لما يعرف بالانحياز التأكيدي، حيث يصب كامل اهتمامه بتفاصيل وأحداث معينة، تتوافق مع وجهة نظره الشخصية، ويتجاهل باقي المعلومات التي قد تتعارض مع رأيه عمدًا، وهي ظاهرة يتعرض لها جميع البشر، لا ضير في ذلك.

وعلى الرغم من ذلك، يؤكد جيبس أن هوية النادي موجودة، لكنها ببساطة تختلف من نادٍ لآخر، ومن حقبة لأخرى، بالتالي يمكن تعريفها على أنّها إستراتيجية العمل المتبعة من جميع المنتمين لمؤسسة ما، والتي تسعى في نهاية المطاف للنجاح، أيًا ما كان تعريف هذا النجاح بالنسبة لها.

شاهد أيضًا: إيما هايز.. “سمكة تشيلسي” التي استبدلت كرة القدم بعالم الجاسوسية

نوستالجيا

هوية النادي

هل تتذكر لماذا قررت أن تشجع فريقك المفضل؟ هل سبق وأن شاهدت مباراة فريقك المفضل من أرض الملعب؟ بالإجابة على الأسئلة السابقة، تُدرك حقيقة الأمر، كل شيء يدور حول الذكريات، السعيدة أو الحزينة منها، والتي تشكل في أغلب الأحيان وجهة نظر المشجع في هوية النادي، ومن ثم وجهة نظره في مسألة الهوية من الأساس؛ لأنه ‑المشجع للمفارقة- يعتقد أن فريقه هو امتداد له.

طبقًا لألان بيرنر، أستاذ الدراسات الرياضية في كلية العلوم الطبية التطبيقية والدراسات الرياضية بجامعة أولستر في أيرلندا الشمالية، تعد الذاكرة من الأمور الأساسية للتجربة العاطفية لمشاهدة الرياضة، أي القدرة على تذكر الإنجازات العظيمة والانتصارات والهزائم.

في مقاله الذي ناقش خلاله تأثير الذكريات على مشجع كرة القدم، أوضح بيرنر أنّ ذاكرة جماهير كرة القدم جماعية، يستمر تأثيرها على الأفراد (إيجابيًا أو سلبيًا) حتى بعد مرور سنوات طويلة على الحدث نفسه.

تمثل القصص التي يتم روايتها استحضارًا للمشاعر التي ترتبط الآن بشكل لا يمحى بملاعب كرة قدم معينة في أوقات معينة، وسعى بيرنر في مقاله للتأكيد على أن المشاعر التي يمكن أن تثيرها ذكريات ملاعب كرة القدم غالبًا ما تتجاوز الإثارة المباشرة التي أحدثها الحدث.

وبربط هذه الفكرة بفكرة التاريخ الشعبي لنادٍ ما، نتوصّل لنصف الإجابة؛ بشكل ما، تؤثر الذكريات على رؤية المشجع لهوية ناديه، والأهم، هو تمسّك المشجع بوجهة النظر التي كوّنها بغض النظر عن أي متغيرات قد تطرأ في المستقبل.

استغلال

هوية النادي

كما تعلم، أضحت كرة القدم صناعة منذ وقت طويل، والأهم لأي مؤسسة هو الربح، بغض النظر عن أي شيء آخر، وبعيدًا عن كل ما يدور داخل أرض الملعب، وفي المقرّات الإدارية لأي نادٍ، يدور الحديث أيضًا حول هوية النادي الخاصة، لكن لسبب آخر لا علاقة له بالتفاخر، بل من أجل الترويج للعلامة التجارية الخاصة بالنادي في جميع أنحاء العالم، وغالبًا ما تلعب الأندية على وتر إحساس الجماهير الفريد بالهوية المحلية للنادي.

فمثلًا؛ لذلك يروّج برشلونة لنفسه على أنّه ممثل للقومية الكتالونية، بينما يمثل ليفربول استثنائية السكوز، في حين شهد عصر مانشستر سيتي في أبوظبي تغيير علامتهم التجارية على أنهم المواطنون الحقيقيون لمدينة مانشستر.

تلعب هذه الأفكار دورًا في جذب الجماهير، حتى وإن لم تكن تنتمي لنفس القارة من الأساس، خاصة في ظل تصاعد سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على الأوساط الجماهيرية، ما يعني بداهةً سهولة توصيل أي فكرة لقطاع عريض من البشر، بالتالي جني أكبر عائد ممكن من الأرباح جرّاء تفاعُل هذه الجماهير مع ما يرونه ممثلًا لهوية النادي.

بشكل عام، لا ندعي أن هوية النادي خرافة، لكن في نفس الوقت، نزعم أنّ الجماهير بشكل ما تتجاهل الثقل الممنوح لمثل هذا المصطلح، في ظل وحشية كرة القدم الحديثة، فحتى أكثر المشجعين رومانسية، قد لا يهتم بما تمثّله هوية النادي بقدر اهتمامه بالفوز، إلا أن هذه الفكرة مرفوضة تمامًا من وجهة النظر الاقتصادية الخاصة بالأندية، لأنها تعني بداهةً عزوف الجماهير عن تشجيع الفريق في الملاعب، والتفاعل مع حساباته الرسمية بالفضاء الإلكتروني عند الخسارة.

بالتالي، لا بد من صياغة مصطلح جديد، يجعل الجماهير أكثر تعلقًا بالنادي عند الخسارة، بالضبط، هذا المصطلح هو.. هوية النادي.

المصدر
مصدر 1مصدر 2مصدر 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى