ثقافة ومعرفة

لماذا يرغب البعض في السفر إلى الفضاء؟

نحن البشر، يجب علينا السفر إلى الفضاء، إذا كنا سنستمر في امتلاك حضارة مزدهرة، نحن بصدد تدمير كوكبنا، لقد أرسلنا مجسات آلية إلى كل كوكب في النظام الشمسي، هذا هو الشيء الجيد، بالتالي، علينا الحفاظ على هذا الكوكب، يمكننا القيام بذلك باستخدام موارد الفضاء.

-الملياردير الأمريكي جيف بيزوس.

في الواقع، يمكننا بمنتهى البساطة الطعن في نية بيزوس، لسبب بسيط؛ وهو أن الرجل الذي أنشأ شركته «Blue Ori­gin» عام 2000، لم يخض مثل هذا التحدي المتمثِّل في صراع تقديم أفضل خدمات السياحة الفضائية لإنقاذ الكوكب، أو حتى لتحقيق حلم الطفولة، بل لتأمين ميزة إضافية للأثرياء، الذين يرغبون في تجربة كل ما هو مثير، بغض النظر عن تكلفته.

السفر إلى الفضاء.. لماذا نحن هنا؟

السفر إلى الفضاء

في الواقع، يمتلك إيان بويد، خبير استكشاف الفضاء وأستاذ الهندسة بجامعة ميتشجان الأمريكية وجهة نظر مختلفة نسبيًا، حيث يرى أن سعي المليارديرات في جعل السفر إلى الفضاء رحلة ترفيهية يعود بالأساس لفترات سابقة.

هؤلاء الرجال، هم أبناء لجيل عانى الإحباط، فخلال السنوات والعقود التي تلت بعثات «أبولو»، ومع النجاح المحدود لبرنامج مكوك الفضاء وقلة الأموال التي تُمنح لوكالة «ناسا»، امتلكوا شعورا بضياع فرصة الريادة الأمريكية.

بعد الحرب الباردة، تغيّر مشهد صناعة الفضاء، تتحدى الصين والهند وأوروبا مكانة الولايات المتحدة المهيمنة، وداخل الولايات المتحدة، وسط العشرات من الكيانات الخاصة، يسيطر الآن 3 لاعبين رئيسيين من القطاع الخاص على السياحة الفضائية وقطاع الاستكشاف؛ بيزوس «بلو أوريجين»، وريتشارد برانسون «فيرجين جالاكتيك»، وإيلون ماسك «سبيس إكس».

ونتيجة لذلك، ربما كان من الطبيعي أن يسعى رواد الأعمال من القطاع الخاص مثل بيزوس وماسك وبرانسون إلى سد هذه الفجوة.

اقرأ أيضا: لماذا يدمن البعض متابعة الأخبار السلبية؟

تكلفة الرحلة الترفيهية

بالنسبة للبعض، قد تبدو فكرة المنظمات التي تدفع العملاء إلى الفضاء فكرة طموحة، ولكن في الواقع، بدأت سياحة الفضاء بالفعل، بفضل العديد من الرحلات التي قدمتها وكالة الفضاء الروسية.

كان أول مثال على ذلك في عام 2001؛ عندما استطاع المليونير الأمريكي «دينيس تيتو»، السفر إلى الفضاء، وتحديدًا صوب محطة الفضاء الدولية.

بعد رفض وكالة «ناسا» طلبه، لأنه مجرد شخص عادي، ليس مدربًا، نجح في إقناع وكالة الفضاء الروسية بأخذه، ليمضي 8 أيام في الفضاء، مع عدة أيام قضاها في محطة الفضاء الدولية.

وحسب بعض التقارير، دفع تيتو 20 مليون دولار مقابل هذا الامتياز، وفي السنوات التالية، قام 6 أشخاص آخرين برحلة إلى الفضاء بفضل وكالة الفضاء الروسية. ومع ذلك، أوقفت الوكالة خدمات السياحة الفضائية الخاصة بها في عام 2010.

في 21 ديسمبر 2021، أطلق صاروخ «فالكون 9» التابع لشركة «سبيس إكس» كبسولة شحن لتوصيل الإمدادات وهدايا عيد الميلاد لرواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية بنجاحٍ، لكن في الواقع، وبمقارنة تكلفة هذه الرحلة برحلة الروس في الستينيات إلى سطح القمر، يتضح أن شركة بيزوس أنفقت ما لا يتخطى نسبة الـ3% مما أنفقته الحكومة السوفييتية آنذاك.

يعتقد أن تكلفة السفر إلى الفضاء حاليًا تبلغ من 250 ألف دولار إلى 500 ألف دولار، لكل مقعد، بينما يدفع المسافر ما يدنو من 50 مليون دولار في مقابل الاستمتاع بهذه الرحلة، ما يعني ربحًا مهولًا للشركات الخاصة.

في حين ينسب الفضل  في تضاؤل سعر تكلفة الرحلات السياحية الفضائية مقارنة بالقرن الماضي إلى التطور التكنولوجي الهائل، الذي جعل معززات الصواريخ الفضائية أقل تضررًا عند عودتها للأرض، وهو ما يقلل تكاليف إنفاق الشركات المصممة لها.

اقرأ أيضا: الـ”ديسانيا”.. ولماذا لا يرغب البعض في مغادرة الفراش صباحا؟

وجهة نظر فلسفية

السفر إلى الفضاء

بغض النظر عن أوجه النظر المتعددة التي تتحدّث عن الأسباب الحقيقية التي تدفع رواد الأعمال المعاصرين لتقديم خدمة السفر إلى الفضاء كميزة للأثرياء، وسواءً كان الأمر متعلقًا بجني أرباح مهولة أو محاولات لتخطي إحباط الماضي، يظل السؤال الأهم؛ لماذا يرغب البشر ‑خاصةً الأثرياء- في السفر إلى الفضاء من الأساس؟

طرح المدوِّن «نيل بارتون»، المهتم بعلم النفس تفسيره لهذه الظاهرة في مقال نشره موقع «Psy­col­o­gy Today»، حيث يرى من وجهة نظر فلسفية أن البشر في عصرنا الحالي مُستهلَكين ومُستهلِكين، بالتالي، يرغب الجميع في أن ينأى بنفسه عن العالم، ويتجنّب مسألة السعي، وهذا قد يتحقق بالسفر إلى الفضاء، حيث يمكن النظر لكوكب الأرض ككرة صغيرة من الأعلى.

ونقلًا عن إحدى الأساطير المنسوبة لأحد الرجال الحكماء في روما القديمة، يقول بارتون: «روما ليست سوى جزء صغير من الأرض، والأرض جزء صغير من الكون، وإنه من الأفضل تثبيت أذهاننا على هذه الصورة الأبدية».

ربما يمتلك أثرياء العالم الحاليين وجهة نظر مشابهة، وربما يمكّنهم السفر إلى الفضاء من رؤية الحياة بفوقية، حيث لا تعني كل الصراعات على هذا الكوكب أي شيء.. ربما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى