رياضة

الصيام.. وكيف يتعامل لاعبو النخبة مع شهر رمضان؟

في عام 2009، وخلال إحدى مباريات الدوري الإيطالي بين إنتر ميلان وباري، استبدل البرتغالي جوزيه مورينهو لاعبه الصائم سولي مونتاري بعد حوالي 30 دقيقة من انطلاق المباراة، في إشارة واضحة لتأثره بالصيام.

في الواقع، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بعد المباراة، علّل المدير الفني قراره بأن «شهر رمضان قد وصل في وقت غير مناسبٍ بالنسبة لمونتاري كي يلعب مباراة كرة قدم»، الأمر الذي أحدث لغطًا حول حقيقة تعامل جوزيه مع معتقدات لاعبيه.

في وقت لاحق، استدرك المدير الفني البرتغالي، مؤكدًا أن الصيام قرار شخصي للاعبه، لا يُمكن انتقاده عليه، كما لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يتدخل في معتقدات لاعبه، لكنه اتخذ قراره بناءً على أداء اللاعب على أرض الملعب.

بين مؤيد ومعارض

الصيام.. وكيف يتعامل لاعبو النخبة مع شهر رمضان؟
جوزيه مورينهو وسولي مونتاري.

لنبدأ بالبديهيات، الصيام وكرة القدم محل نقاشٍ قديم، فمع ازدياد الاهتمام بتفاصيل كل ما يدور حول تهيئة لاعب الكرة لتقديم أفضل مستوياته، يأتي شهر رمضان بكل عام، فارضًا ضرورة تغيير نظام التغذية الخاصة باللاعبين المسلمين، وهذا التغيير لا يتوقف فقط عن تهيئته للعب مباراة أو أكثر، بل طوال الشهر، لضمان مشاركته في التدريبات اليومية بأفضل شكلٍ ممكن، خاصة وأن الحصص التدريبية لأندية النخبة تصل أحيانًا لثلاث باليوم الواحد، ما يعني بداهةً استحالة تأجيل التدريبات لما بعد وقت الإفطار.

أثناء هذه الرحلة الطويلة للوصول إلى الخلطة المثالية لضمان الصيام ولعب كرة القدم الاحترافية بشكل عادي، تنازل بعض اللاعبين، طبقًا لتقرير طويل نشرته صحيفة «إندبندنت» الإنجليزية، لاعبون مثل: نيكولاس أنيلكا، مروان الشماخ، قرّروا ألا يلتزموا بصيام رمضان بشكل كامل.

صرّح أنيلكا أنّه في بداية مسيرته الاحترافية كان يتمسّك بالصيام، لكنّه لاحظ مع مرور الوقت أنّه عادةً ما يتعرّض لإصابات بعد نهاية شهر رمضان، بينما يرى الشمّاخ أنّه لم يكن يجد أي مشكلة في الصيام يوم المباراة، لكنه كان يُفطر في اليوم الذي يسبقها، ومن ثم يقوم بتعويضها بعد نهاية الشهر.

على الجهة الأخرى، اعترف بعض اللاعبين أن الجمع بين الصيام وكرة القدم الاحترافية أمر شاق، لكنّهم في مقابل ذلك، يعتقدون أن في مقابل هذه المعاناة، ستتم مكافأتهم من الله.

اقرأ أيضًا: انعدام الثقة.. والسؤال الذي لا يستطيع لاعبو الكرة الإجابة عنه

فيل في الغرفة

الصيام
إفطار لاعبي منتخب تونس داخل أرض الملعب.

في نوفمبر 2021، قام 4 من متخصصي الطب الرياضي بعمل مراجعة منهجية لآثار صيام رمضان المتقطع على لاعبي كرة القدم وانعكاساته على بطولات كرة القدم المحلية، عن طريق استخدام عينة ضخمة من البيانات الخاصة بأداء لاعبي كرة القدم المسلمين وإصاباتهم، والتي تم جمعها خلال أو بالقرب من شهر رمضان.

بعد دراسة العينة، واستبعاد النتائج غير المطابقة للمعايير، اتضح للقائمين على هذه المراجعة وجود عجز في الأداء، مرتبط بشكل وثيق بالصيام لدى لاعبي كرة القدم المسلمين. بالتالي، نصحوا القائمين على مسابقات الدوريات حول العالم بضرورة تعديل رزنامات الدوريات، لاستيعاب اللاعبين المسلمين.

وبعد أن أشرنا للفيل الذي يسكن الغرفة، وهو تأثُّر اللاعبين المسلمين بالصيام، سواءً عبر الأداء، أو احتمالية أكبر للتعرض للإصابات، يتبقى السؤال عن ما يمكن فعله لتحجيم هذه الآثار على أقل تقدير.

اقرأ أيضًا: الصيام الطبي.. ما هو وكيف يمكن تطبيقه؟

خطوات ممنهجة

أجرت مجلة «فور فور تو» العالمية مقابلة مع اللاعب الإنجليزي المعتزل «ناثان إلينجتون» والذي سبق وأن تحوّل للإسلام قبل سنوات، لسؤاله حول تجربته مع الصيام وكرة القدم.

حسب إلينجتون، لعب المباريات ‑الشاقة بدنيًا- يستدعي حفاظ اللاعب على روتين غذائي، والالتزام به، خاصة أثناء وجبة «السحور» لأن المباريات عادةً ما تبدأ أثناء النهار، أي في وقت الصيام.

يرى اللاعب أن وجبة الإفطار ليست الأهم، حيث اعتاد أن يتناول كميات متوسطة من الطعام إضافة للحليب والتمر والفاكهة، لكن الأهم في وجهة نظره هي وجبة السحور، التي اهتم أن تحتوي على أكبر قدر ممكن من الكربوهيدرات، والتي تعمل بمثابة الوقود الذي يدفعه لأداء التدريبات والمباريات.

عبر نظرة أكثر تخصصًا، شرح الدكتور «ظفر إقبال»، رئيس قسم الطب الرياضي بنادي كريستال بالاس الإنجليزي لعوام الجمهور الطريقة التي يتبعها لاعبو كرة القدم المسلمين للتغلّب على الآثار الناتجة عن الصيام.

طبقًا لإقبال، يتم تزويد جميع اللاعبين ببرامج اللياقة البدنية والوقاية من الإصابات، وبالنسبة لأولئك الصائمين، يمنحون نصائح محددة بشأن أفضل وقت للتدريب وما يجب القيام به، حيث يمثل الحفاظ على مستويات الأداء أثناء الصيام تحديًا كبيرًا للاعبي كرة القدم لأن اللاعبين يدفعون أنفسهم إلى أقصى حد.

ويضيف إقبال: «نحاول أنا وباقي فريق الجهاز الطبي، بما في ذلك أخصائيو العلاج الطبيعي وعلماء الرياضة ومدربو القوة والتكييف وأخصائو التغذية، إجراء المزيد من المناقشات مع الصائمين، لنرى كيف يمكننا دعمهم على أفضل وجه خلال شهر رمضان».

التركيز ثم التركيز

الصيام
محمد صلاح، نجم منتخب مصر وليفربول الإنجليزي.

على الرغم من أنّ أول ما يثار عند الحديث عن الصيام ولاعبي كرة القدم هو نفاد الطاقة والقوة، يخبرنا «إسلام معماني»، مدير اتحاد لاعبي كرة القدم المسلمين أنّ الجانب الروحاني للصيام يمنح الإلهام والتحفيز للاعبي كرة القدم بشكل أكبر، من خلال السماح لهم بأن يكونوا أكثر تركيزًا، حيث يمنحهم القوة العقلية التي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في السماح لهم بالتغلب على أي تحديات جسدية قد يواجهونها أثناء شهر رمضان.

حسب تقرير لـ«بليتشر ريبورت»، يمكن للفترات الطويلة التي لا يتناول فيها الإنسان الطعام أن تساعد في الحصول على الصفاء الذهني، حيث يلاحظ الإنسان في هذه الفترات أفكاره وعواطفه بشكل أعمق، والأهم، كان إشارة التقرير إلى أن تناول الطعام مرة أو مرتين فقط في اليوم يجعل الإنسان يتصرف عادةً بوضوح واندفاع أقل.

في النهاية، ومع تزايد عدد اللاعبين المسلمين في الدوريات الكبرى، أصبح مراعاة الصيام أحد العناوين التي تشغل بال القائمين على البطولات العالمية، وهو الذي جعل اللاعبين والمدربين وحتى الحكام يتفقون ضمنيًا على ضرورة إيقاف اللعب أثناء المباريات للسماح للاعبين المسلمين بتناول الإفطار في ثوانٍ معدودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى