ثقافة ومعرفة

«فرضية الوقت الشبحي».. هل تم تزوير التاريخ وإضافة 3 قرون حقا؟

في عالم يعشق الانقسام، لعل التاريخ أحد الأشياء القليلة التي يتفق عليها مُعظم البشر إلى حد كبير، بمعنىً أوضح، لا نقصُد ما وصلنا من التاريخ نفسه؛ لأنها مسألة محل تأويل، لكن ما نقصده، هو التاريخ بحد ذاته، أي التقويم.

ومع ذلك، تخيّل أن يخبرك أحدهُم أنّ هذا التقويم الذي نعيش وفقا له خاطئ تماما، وأنّ هنالك أحداثا وهمية تمت كتابتها، هذا ما يُعرف باسم «فرضية الوقت الشبحي»، فما هي؟

 ما هي فرضية الوقت الشبحي؟

فرضية الوقت الشبحي

في عام 1991، زعم «هربرت إليغ»، المؤرخ الألماني، أن التقويم الغريغوري ما هو إلا كذبة، بل ادعى آنذاك، أنّ جزءا كبيرا مما يعرف بالعصور الوسطى كان قد تم اختلاقه من الأساس.

حسب إليغ وفرضية الوقت الشبحي التي اقترحها، ففي عام 1000 ميلاديا حدثت مؤامرة ما، بغرض تغيير نظام التأريخ من قبل 3 من حكام العالم، وأثناء قيامهم بذلك، أضافوا للتاريخ ما يدنو من 297 عاما إضافيا.

وطبقا لإليغ، قام هذا الثلاثي باختلاق أحداث تاريخية لم تحدُث، من أجل تلميع أنفسهم، بل أضافوا شخصيات للتاريخ لم يكن لها أي وجود، مثل الإمبراطور الروماني «تشارلمان»، الذي لم يكن سوى شخصية أسطورية حسب زعمه.

 من هو هربرت إليغ؟

فرضية الوقت الشبحي
هربرت إليغ، صاحب فرضية الوقت الشبحي.

قبل أن نتطرق إلى فرضية الوقت الشبحي، ربما يجدر بنا أولا أن نعرُج على حياة هربرت المهنية، كي يتسنى لنا فَهم الغرض خلف مزاعمه.

ولد إليغ عام 1947 في فوهينستراوس، بافاريا، وكان نشطًا في شبابه في جمعية تهدف لإعادة بناء التاريخ البشري والطبيعي، ومن عام 1989 إلى 1994 عمل كمحرر صحفي لإحدى المجلات الألمانية المُهتمة بالتاريخ كذلك.

ومع حلول عام 1995، عمل كناشر ومؤلف مستقل، وأطلق مجلته الخاصة، كما اهتم في كتاباته التاريخية بمسألة التسلسل الزمني المُنقّح للتاريخ، وفي منتصف التسعينيات، لاقت مزاعم المؤرخ الألماني زخما وتغطية إعلامية موسعة، خاصةً بعد نشره كتابه «العصور الوسطى المُخترعة» عام 1996، وعلى الرغم من رفض مجتمع المؤرخين العالمي لفرضية الوقت الشبحي، واصل هريبيرت نشرها، حتى عام 2013.

مزاعم فرضية الوقت الشبحي

اختصر المؤرخ الألماني حجّته التي تثبت ‑من وجهة نظره- صحّة فرضية الوقت الشبحي في 5 نقاط رئيسية وهي كالآتي:

  • ندرة الأدلة الأثرية الحقيقية خلال الفترة ما بين عامي 614 و911 ميلاديا.
  • عدم دقة أساليب التأريخ المُتبعة خلال نفس الفترة.
  • اعتماد مؤرخي العصور الوسطى على المصادر المكتوبة والتي يمكن تزييفها بسهولة.
  • تعديل البابا غريغور الثالث عشر التقويم اليولياني الذي فرضه يوليوس قيصر، والذي نتج عنه إضافة 13 يوما للتاريخ، والتي تراكمت على مدار مئات السنين.

 مؤامرة التقويم

هل تتذكر الحكام الثلاثة الذين قُمنا بذكرهم أعلاه؟ هؤلاء هُم الإمبراطور الروماني «أوتو الثالث»، والبابا «سيلفستر الثاني» وأخيرًا الإمبراطور البيزنطي «قسطنطين السابع»، وطبقا لفرضية الوقت الشبحي، قاد الثلاثة مؤامرة بغرض فبركة التقويم الميلادي بأثر رجعي، من أجل إعادة كتابة التاريخ، واختلاق شخصيات من العدم.

وحسب إليغ، حدث ذلك عن طريق تغيير وتحريف الأدلة والوثائق المتعلقة بهذه الحقبة.

انتقادات فرضية الوقت الشبحي

فرضية الوقت الشبحي
الإمبراطور الروماني «تشارلمان».

على الرغم من ادعاءات هربرت إليغ، رفض مجتمع المؤرخين الاعتراف بفرضيته، وفيما يلي نستعرض أبرز الانتقادات التي تم توجيهها لفرضية الوقت الشبحي.

علم الفلك

طبقا لهربرت إليغ، تم تشويه التسلسل الزمني بالقرن السابع الميلادي تقريبا، لكن تخبرنا مراجع علم الفلك القديم، خاصةً تلك المتعلقة بخسوف الشمس، والتي استشهدت بها المراجع الأوروبية في تأريخ حقبة العصور الوسطى، صحة التسلسل الزمني المعتاد، على عكس ما يزعم هربرت ومن يوافق طرحه.

بالإضافة إلى ذلك، الملاحظات الفلكية خلال فترة حكم أسرة «تانغ» الصينية تتفق أيضًا مع علم الفلك الحالي، والتي تنفي تماما إضافة ما يسمى بـ«الوقت الوهمي».

الأدلة الأثرية

تدحض الأدلة الأثرية التي فحصت بواسطة علماء الجيولوجيا والتاريخ، باستخدام طريقة «Dendrochronology/التأريخ بواسطة حلقات الأشجار» فرضية الوقت الشبحي تمامًا، بدلا من دعمها.

الشخصيات الوهمية

يرى علماء التاريخ أن قصة اختلاق شخصيات وهمية مثل الإمبراطور الروماني «تشارلمان» لا يمكن التعامل معها بجديّة من الأساس، لأنه بافتراضنا صحة هذا الطرح، سيعني ذلك بداهةً تلفيق ما ترتب عليه من تاريخ مكتوب مثل: تاريخ باقي أوروبا، بما في ذلك تاريخ إنجلترا الأنجلو ساكسونية، والبابوية وحتى الإمبراطورية البيزنطية.

بالإضافة إلى حتمية تلفيق أحداث موثقة في نفس الفترة مثل التوسُّع الإسلامي في مناطق الإمبراطورية الرومانية الغربية، والعلاقة ما بين العالم الإسلامي وأسرة تانغ الصينية الحاكمة.

في النهاية، ربما استسلم هربرت إليغ أخيرًا، بعدما رُفضت فرضية الوقت الشبحي أكاديميا، لذا في عام 2013، توجّه لمساحة أخرى، وهي نقد تاريخ الفن، وتحديدا «أنطون بيلجرام»، أحد رواد الفن بعصر النهضة، والمثير للسخرية، أنّه بنى حجته مرّة أخرى على ضرورة إعادة مراجعة التسلسل الزمني التقليدي الخاص بالرجل، الذي عاش أيضا في العصور الوسطى.

زر الذهاب إلى الأعلى