رياضة

محمد صلاح.. بين «المشجع البلاستيكي» والولاء للشعار

تكمُن أهمية محمد صلاح لمعظم المصريين في أنّه لا يضطر حتى إلى الأداء بأفضل ما لديه من أجل اجتذاب تأييدهم بشكلٍ جماعي، تشجيع الجماهير لصلاح يتجاوز حقيقة أدائه، بالنسبة للمصريين؛ صلاح «الفكرة» أهم من صلاح «الرجل».

- توم جودير، «Foot­ball Par­adise»، أكتوبر 2017.

هذا هو حجم الأزمة التي نحاول تفكيكها، شئنا أم أبينا، نحن أمام حالة استثنائية في تاريخ كرة القدم المصرية، أو كانت كذلك قبل سنوات قليلة.

محمد صلاح.. «ابننا بطل»

محمد صلاح

لدينا لاعب كرة قدم، وصل لما لم يصل إليه أي من أبناء جلدته من قبل، بالتالي، اكتسبت الحالة الجديدة زخمًا مضاعفا، سواءً كان ذلك عبر دعم لا مشروط، أو برفضٍ قاطع لرجُل يحظى بإشادات لا تتناسب مع حجم إمكانياته الحقيقية وقتئذٍ.

على الرغم من الهيمنة المصرية على كأس الأمم الإفريقية، لم تنتج مصر أبدًا لاعبًا رائعًا ومثيرًا في واحدة من أكبر بطولات الدوري في أوروبا، فمثلًا؛ كاد ميدو أن يصبح ذلك اللاعب لكنه سقط ذهنيا باعترافه، بينما حظي كل من أحمد حسن، هاني رمزي، محمد زيدان بفترات أوروبية رائعة، لكن محمد صلاح، كان الرجل الذي استطاع أن يُخرج لاعب كرة القدم المصري من قالب «التمثيل المُشرّف» ويضعه على طاولة «الأفضل في العالم» دون أن يستشعر أحدهم حرجًا في ذلك.

 

بين ليلة وضحاها، أصبح صلاح بطلًا قوميًا، وحتى نتحرّى الدقة، لا نعلم إذا ما كان قد أراد أن يُصبح بطلًا لا لاعب كرة قدم وحسب، وللمزيد من الدقة، ربما ساهمت الجماهير المصرية في صناعة هذه الحالة دون أن تدري.

يخبرنا علم النفس، أننا ‑كبشر- نُحب أن ننسج أبطالنا الخارقين، ربما منذ لحظة ميلادنا، طبقا لـ«روبين روسينبرغ»، عالم النفس السريري، تساعدنا مثل هذه القصص عن الأبطال الخارقين في التغلب على المحن في حياتنا، حيث تمنحنا معنىً للخسارة والتعرض للصدمات، وتحويلها لنقاط قوة يمكن استخدامها لغرض جيد.

في الواقع، قد يكون هذا تفسيرا منطقيا لحالة الدعم الاستثنائية التي يحظى بها محمد صلاح من الجماهير المصرية، لأنّه منح داعميه شعورا مريحا حول الطريقة التي يمكن لبطل خارق أن يتعامل مع مشاكله العادية؛ مثل ملازمته دكة بدلاء تشيلسي الإنجليزي لعام كامل، ناهيك عن أن مسيرته قد منحت نفس الفئة إحساسا أنّه ‑على الرغم من عيوبه- يتخذ قرارات صائبة أغلب الوقت.

ظاهرة المشجع العالمي

محمد صلاح

بنهائي دوري أبطال أوروبا 2018 بين ريال مدريد الإسباني وليفربول الإنجليزي، طرح الدولي الإسباني سيرجيو راموس محمد صلاح أرضا، متسببا في إصابته بخلع في الكتف، حرمه من استكمال المباراة، بل أثّر على مستواه في كأس العالم 2018 التي أقيمت بروسيا بعد هذه اللقطة بنحو شهرين.

عند هذه اللحظة، انقسم الشارع المصري لفصيلين، الأول والأكبر عددًا كان الساخط على الدولي الإسباني، أما القلة المتبقية فكانت تلك التي وجدت في إصابة نجم ليفربول في هذه الليلة طريقةً ‑ولو لم تكن مشروعة- لريال مدريد لحصد لقب دوري أبطال أوروبا، وبغض النظر عن رؤيتك الخاصة لمدى أخلاقية الشريحة الثانية، يجب أن نطرح سؤالا؛ هل هنالك ما يمنع مصريا من تشجيع ريال مدريد الإسباني ضد ليفربول الإنجليزي (الذي يلعب له صلاح)؟

حقيقةً، علينا أن نبدأ بالبديهيات، التشجيع في حد ذاته سلوك عاطفي، لا يمكن منطَقته، بالتالي، فالسؤال أعلاه لن يساعدنا في الوصول لأي إجابة مُقنعة، على العكس، فطرحه بهذه الصيغة، يجعلنا ندور في دائرة مُفرغة إلى ما لا نهاية.

لذا، فالسؤال الأهم؛ هو متى اكتسب التشجيع صبغة عالمية؟ حيث تحوّل المشجع ‑من أي دولة- مشجعا حقيقيًا لفريق يبتعد عن محل إقامته بآلاف الأميال.

بما أنّ كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وبفضل التقدُّم التكنولوجي ووسائل الإعلام والعولمة، توسعت قدرة أندية كرة القدم المحترفة على الوصول إلى أسواق جديدة، وعليه؛ تمتع المشجعون حول العالم بوصول غير مسبوق إلى الدوريات الأجنبية مما سمح لهم بتكوين روابط مع الفرق واللاعبين في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.

على سبيل المثال؛ ضاعف مانشستر يونايتد الإنجليزي قاعدته الجماهيرية العالمية إلى 659 مليونًا خلال فترة 5 سنوات، من 2013 إلى 2018، والأهم؛ أن نصف هذه القاعدة من منطقة آسيا، مقارنةً بقاعدة جماهيرية تقدر بـ90 مليونا في أوروبا، وخلال نفس الفترة، جمع ريال مدريد 60% من عائداته التجارية من الأسواق الدولية، بزيادة 600% على عائداته من السوق الدولي في 2013.

من هنا يمكننا أن نستنتج أول إجابةٍ منطقية، حاجز الحدود لم يعد عائقا لتشجيع أي فريق، بل إن مشجع العصر الحالي أحيانًا يدفع أموالا طائلة لدعم الفريق الأجنبي الذي يشجعه، سواءً احتوت صفوفه على ممثل لبلده أو لا، وهذا هو بيت القصيد.

السؤال الأخير.. خائن أم لا؟

مؤخرًا تعالت الأصوات المطالبة بضرورة تشجيع محمد صلاح ضد ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا 2022، بل إن البعض لم يجد حرجًا في وصف معارضي هذه الفكرة بالخونة.

وحتى لا ندفن رؤوسنا بالرمال، لا يُمكن فصل الرياضة عن القومية، وما يمثّله تتويج لاعب منتمٍ لبلد ما بلقب كهذا من تأثير على شعبه، ومع ذلك، وعلى الجانب الآخر، لدينا فئة لا تعترف بمثل هذه الشعارات، لكن تتبنى شعارات أخرى، لا تقل مطاطية، وهي الولاء لشعار النادي، فأيهما أصح؟

سؤال مربك جديد، يتطلّب منّا تشريح فئات مشجعي كرة القدم حتى نصل لإجابة، باختصار، حملت آخر 15 عاما تحولا واضحا في شكل تشجيع كرة القدم أو الرياضة عموما، حيث صعد صراع المشجع (الحقيقي/ البلاستيكي) على السطح.

سمات المشجع الحقيقي معروفة ومفهومة لحد كبير، حتى وإن بدت ساذجة في بعض الأحيان، لكن الأهم في حالة محمد صلاح هو مفهوم المشجع البلاستيكي، الذي يمكن تعريفه بشخص يتتبع لاعبا بعينه ويسانده، بغض النظر عن ارتباط المشجع نفسه بهذا النادي، وحتى لا تُسيء فهمنا، لا عيب في ذلك، لأن الفكرة نفسها قديمة قِدَم كرة القدم.

هنا، علينا أن نعتذر عن عدم الوصول لإجابة حقيقية، فإن قرر مشجع مصري أن يساند ليفربول دعما لمحمد صلاح فهو حق مشروع له، أما إذا قرر آخر أن يساند ريال مدريد ضد ابن جلدته فلا حرج في ذلك.. لماذا؟ لأن كل طرف يرى فيمن يسانده امتدادًا حقيقيا له، يفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، فكرة ساذجة؟ ربما، لكنها الحقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى