آراء ومساهمات

⁨سطور من المستور: ملكة السفن الغارقة

سطور من المستور.. مقالات يكتبها سامح مبروك، تكشف في سطور قليلة المستور من حوادث وحكايات غريبة وطريفة تأتيكم من أعماق التاريخ.

فيوليت جيسوب

لم يكن الخطر الداهم يحوم بأجنحته الكئيبة حول تلك الفتاة الأيرلندية الصغيرة منذ نعومة أظافرها، بل كان الموت هو من يحوم كالصقر من حولها، في انتظار الوقت المنشود لينقض على فريسته.

وظن الجميع أن الوقت قد حان مبكرًا، حينما أصيبت الفتاة الصغيرة فيوليت جيسوب ‑التي ولدت في العام 1887 بالأرجنتين- بداء السل القاتل، الذي أودى بحياة آلاف الأطفال في تلك الفترة في نهايات القرن التاسع عشر، ولكنها نجت.

الضحية الأولى

ولما أتمت فيوليت عامها الثالث والعشرين، قررت أن تلبس جلباب أمها، وتحذو حذوها في العمل بأعالي البحار كمضيفة سفن، وسريعًا ما حصلت على الوظيفة في واحدة من أكبر شركات النقل البحري والسفن في العالم في ذلك الوقت، الشركة البريطانية الشهيرة «وايت ستار لاين — White Star Line»، وخطت فيوليت خطواتها الأولى في هذا المجال في عام 1910 على متن «آر إم إس أولمبيك — RMS Olympic» وبدا أن الأمور تسير في نصابها، إلى أن اصطدمت سفينة أولمبيك بالسفينة الحربية البريطانية «إتش إم إس هوك» ويبدو أن سحر الآنسة فيوليت لم يكن قد نضج بالشكل الكافي، فلم تغرق أي من السفينتين، بل كان الاصطدام كفيلًا بأن يعجل من إحالة السفينتين للتقاعد.

الطامة الكبرى

لم تكن صدمة فيوليت الأولى كافية كي تعدل عن ذلك الطريق، لكنها في عام 1912 وجدت نفسها مضيفة على سفينة الأحلام، ذلك الصرح البريطاني العائم، السفينة التي لا تغرق، «آر إم إس تيتانيك — MRS Titan­ic»، وفي أولى رحلاتها كما هو معروف اصطدمت السفينة بجبل من الجليد في المحيط الأطلنطي قبل أن تغرق في واحدة من أسوأ كوارث النقل البحري في العالم.

كان الموت هناك، يتخطف رؤوس المئات من ركاب السفينة والعاملين عليها، ولكن ميعاد فيوليت لم يكن قد حان، فعلى متن قارب النجاة رقم 16، كانت فيوليت تحمل طفلًا رضيعًا ضل أمه، فجعلها في مقدمة الناجين من الغرق في تلك الكارثة، ونجت فيوليت مرة أخرى.

الثالثة

لم تكن تلك الحوادث كافية لإقناع فيوليت بترك هذا المجال المنحوس ‑بفضلها- ولم يكن هناك في شركة «وايت ستار لاين» من استطاع أن يربط بين الحادثتين وفيوليت، فاحتفظت بذات الوظيفة في ذات الشركة.

وفي الوقت الذي كان الموت فيه يتخطف ما تخطى العشرين مليون قتيلًا إبان الحرب العالمية الأولى، كانت فيوليت على خطوط النار الأولى بالبحر على متن السفينة «إتش إم إتش إس بريتانيك — HMHS Bri­tan­nic»، والتي حولتها الشركة لمستشفى عائم يُعالج به الجنود المصابون، ولكن السفينة تعرضت لانفجار غامض أو كما يسميه البعض «لعنة فيوليت جيسوب» بعد 55 دقيقة فقط من خدمتها الجديدة، كان كفيلًا بغرق السفينة ومقتل العشرات من ركابها، ولكن كالعادة عاشت فيوليت.

النهاية

لم تكن نهاية فيوليت في البحر كما تتوقع، بل استمرت في النجاة، وتقاعدت في سن 63 عاما، وأتى ميعادها بعد 84 عاما عامرة بالسفن الغارقة، وبالتحديد في سنة 1971، ولم يؤكد التاريخ أي حادثة أخرى كانت فيوليت طرفًا فيها، أو ربما تغافل التاريخ عن ذلك، ولكن الأكيد بل الضروري، أن تبتعد عن ركوب أي سفينة يحمل أيٌ من العاملين عليها اسم فيوليت جيسوب.

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى