آراء ومساهمات

غدير برهوم تكتب: ما لم تعلمكَ إياه المدرسة

يعد النظام التعليمي النظام الأهم من بين كل الأنظمة، لأنه النظام المستحوذ على جميع مجالات الحياة، وهو الذي يحدد الفكر أو العقلية الموجودة عند الأجيال القادمة، فهو النظام الذي يقدم للمجتمع الأطباء والمهندسين والعلماء والمخترعين وكل المقدّرات والمهن الضرورية لبناء المجتمع.

يكمن الخطأ الأساسي في النظام التعليمي التقليدي في طبيعة المواد التي يتم تدريسها في مختلف المراحل التعليمية، ومدى ارتباط هذه المواد مع حياة الشخص، وأهميتها وتأثيرها على تفاصيل حياته اليومية، حيث إنّ المواد الأساسية هي المواد نفسها تقريبًا في مختلف الأنظمة التعليمية في الكثير من البلدان، حيث إنها لا تمتلك جذورا قوية على أرض الواقع من وجهه نظر التلميذ على الأقل، الذي يدرس مادة الرياضيات على سبيل المثال ويدخل في تفاصيل دقيقة جدًا، وهو مستغرب من المنفعة التي يمكن أن يكسبها من هذه التفاصيل.

وإذا أردنا أن نحدد بواقعية ومنطقية المهارات الضرورية والمهمة في حياة الفرد، فهي المهارات التي تساعد الإنسان في تنظيم علاقته بالأفراد من حوله، والطرق السليمة لإدارة هذه العلاقة بما يتماشى مع تحقيق أهدافه وغاياته، إلى جانب عدم إلحاق الأذى بالمجتمع.

كذلك الموضوع المادي مهم جدًا للإنسان، ومن الضروري أن يتعلم كيف يدير أمواله، وما هي الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذه الأموال وكيفية استثمارها بالشكل الأمثل، بما ينعكس بشكل إيجابي على حياته، بالرغم من أهمية هذا المجال في الحياة، فإنه غير موجود في المناهج الدراسية التقليدية، حيث نجد الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون إدارة أموالهم بالطريقة الصحيحة، بل يخسرونها هنا وهناك، إما في تجارة خاسرة أو في مصروفات لا أهمية لها على المدى البعيد، مع أنهم قد يكونون من حملة الشهادات والدرجات العالية في المدارس والجامعات.

قد يكون أهم موضوع على الإطلاق في حياة الإنسان، هو علاقة الإنسان بنفسه وكيفية إدارة هذه العلاقة، لأنها تحدد بشكل أو بآخر علاقته مع البيئة المحيطة به، وكيف يمكن أن يفهم ما يعتريه من مشاعر أو عواطف، من حزن أو غضب أو يأس أو فرح أو أمل بطريقة صحيحة، تمكنه من التعامل مع هذه المشاعر بحيث يكون قادرًا على استيعابها وتقبلها واحتضانها، ومن ثم يتعلم كيف يفتح لها الباب لتخرج بسلام وتتركه يركز على ما بين يديه من عمل أو مهمة أو دراسة.

هذا الموضوع على أهميته غير موجود أبدًا في المناهج التعليمية التقليدية، وهذه كارثة حقيقية بكل ما تعنيه كلمة كارثة من معنى، حيث يؤكد خبراء علم النفس أنّ من لا يستطيع إدارة مشاعره وعواطفه والتعامل مع ذاته بالطريقة المناسبة، فإنه سيواجه وبكل تأكيد صعوبات في طريق تحقيق حلمه، وربما لا يصل إلى ما يريد لأنّه يُحارب ذاته ومشاعره وعواطفه، مهما امتلك من ذكاء أو فطنة أو مهارة.

هل يوجد مادة في المناهج الدراسية تُعلم الإنسان طريقة التعامل مع مصاعب الحياة التي تواجهه؟ وكيف يقف على قدميه بعد أن يقع أرضًا؟ للأسف الشديد لا وجود لهذه المادة أبدًا، لا بل أكثر المشاكل مشاهدةً عند الطلاب، هي حالات الإحباط التي يقعون فيها لفترات طويلة بشكل يمتنعون فيه عن الدراسة، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية والتأثير بشكل سلبي على تحصيلهم الدراسي والعلمي.

إخلاء مسؤولية: المحتوى في قسم الآراء والمساهمات لا يعبر عن وجهة نظر الموقع وإنما يمثل وجهة نظر صاحبه فقط، ولا يتحمل الموقع أي مسؤولية تجاه نشره.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى