ثقافة ومعرفة

ما الدور الحقيقي لدول الحياد في الحرب العالمية الثانية؟

في سبتمبر 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية، واستمرت الحرب ‑التي صُنفت الأبشع في التاريخ- في حصد الأرواح حتى عام 1945، لتساهم بشكل ما في إعادة تشكيل السياسة العالمية، وتعديل موازين القوى، التي كانت تميل بشدة لألمانيا النازية، قبل أن تتحوَّل بعد ذلك لصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي.

في خضم هذه الحرب الشعواء، رفضت بعض الدول ‑عُرفت لاحقا باسم دول الحياد في الحرب العالمية الثانية- علنًا الاشتراك في هذا الصراع الدموي، لأسباب متعددة، والسؤال؛ هل كانت هذه الدول على الحياد فعلا؟

دول الحياد في الحرب العالمية الثانية

دول الحياد في الحرب العالمية الثانية

قبل أن نجيب على السؤال أعلاه، ربما ينبغي أولا التعريف بدول الحياد في الحرب العالمية الثانية، والأسباب التي دفعتها لكي تُصبح محايدة خلال الصراع إن وُجدت.

  • أيرلندا: بتشجيع من «إيمون دي فاليرا»، رئيس الحكومة الأيرلندية وقتئذٍ، تبنّى مجلس النواب الأيرلندي سياسة الحياد طوال الحرب العالمية الثانية، وامتنع عن إصدار أي قرار بالانضمام لقوات الحلفاء أو المحور.
  • البرتغال: على الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربطها بالمملكة المتحدة، فضّلت البرتغال أن تكون ضمن قائمة دول الحياد في الحرب العالمية الثانية، حتى وإن حافظت على علاقاتها التجارية مع طرفي النزاع طوال الحرب.
  • إسبانيا: في اجتماع شهير، جمع ما بين الجنرال «فرانكو» و«أدولف هتلر» في أكتوبر 1940، أبدى الأول رغبته في عدم دخول الحرب، خاصةً في ظل معاناة البلاد من تداعيات الحرب الأهلية الإسبانية.
  • سويسرا : لحماية مصالحها المصرفية، أعلنت سويسرا بقاءها على الحياد مع اندلاع الحرب، ومع ذلك، حافظت على علاقاتها التجارية مع ألمانيا، إذ مثلّت وارداتها من الفحم الألماني نحو 41% من مصادر الطاقة السويسرية.
  • ليتوانيا
  • لاتفيا
  • إستونيا
  • أيسلندا
  • إمارة موناكو
  • سان مارينو
  • أفغانستان
  • إيران
  • نيبال
  • السعودية
  • تركيا

هل كانت على الحياد حقًا؟

بعد أن استعرضنا قائمة دول الحياد في الحرب العالمية الثانية، يتوجّب علينا البحث عن إجابة للسؤال الذي طُرح في بداية الموضوع؛ هل كانت دول الحياد على الحياد حقًا؟

وحتى تُدرك صعوبة مصطلح الحياد، أو بمعنىً أوضح تطبيقه، يمكننا أن نُخبرك أنّه طبقا لعدة مؤرخين ومختصين بالسياسة الدولية، فالبقاء على الحياد أثناء حرب عالمية أمر مُعقد، ربما أكثر تعقيدًا من الانضمام لأحد طرفي النزاع القائم.

والسبب في ذلك يرجع ببساطة لحقيقة أن بعض دول الحياد في الحرب العالمية الثانية كانت مطمعًا (جغرافيًا) سواءً لألمانيا النازية أو بريطانيا. بالتالي أصبح تدخلها في الحرب أمرًا واقعا، لا يمكن تفاديه، مثلما كان الحال مع النرويج والدنمارك.

يقول الدكتور ديفيد وولنر، الأستاذ الجامعي ومؤلف كتاب «آخر 100 يوم: روزفلت في الحرب والسلام»:

 «كان ساحل النرويج الذي يمتد على بحر الشمال منطقة ذات أهمية حاسمة لكل من بريطانيا العظمى وألمانيا، كانت هذه الحقيقة هي التي أدت إلى الغزو الألماني للدنمارك والنرويج في أبريل 1940، وإلى القرار البريطاني بالتدخل في الأراضي الأيسلندية بعد ذلك بوقت قصير».

تكرر الأمر أيضًا مع بلدان أخرى، بما في ذلك بلجيكا وهولندا، وكلاهما أعلنا حيادهما قبل الحرب، حيث لم يؤثر وضعهما المحايد على أدولف هتلر، الذي أمر قواته بغزو كلتا الدولتين كجزء من هجومه على فرنسا في مايو 1940. بينما غزا الاتحاد السوفيتي ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا في يونيو، وقد مكن ذلك الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين من توسيع سلطته، وإنشاء حاجز بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا.

إعادة تعريف الحياد

دول الحياد في الحرب العالمية الثانية

بغض النظر عن الدول التي أُقحمت في الحرب العالمية الثانية رغمًا عنها، وإيمانًا باستحالة تطبيق مبدأ الحياد خلال حرب عالمية كتلك، ربما يجب التطرُّق الآن لبعض من دول الحياد في الحرب الثانية، التي شاركت بالفعل في الحرب، لكن بشكل غير مباشر، والتي يمكن وصف حالتها بادعاء الحياد.

بشكلٍ مُعلن، بقيت 14 دولة فقط محايدة رسميًا طوال الحرب بأكملها، وشملت السويد، سويسرا، إسبانيا، البرتغال، أيرلندا، تركيا، اليمن، المملكة العربية السعودية وأفغانستان بالإضافة إلى دول صغيرة مثل أندورا وموناكو وليختنشتاين وسان مارينو ومدينة الفاتيكان.

لكن حتى تلك الدول التي تمكنت من البقاء بمعزل الحرب، بمعناها المفهوم، مثل السويد وسويسرا، وجدت أن قدرتها على الحفاظ على الحياد الصارم صعبة، حيث اضطرت هذه الدول للعب دور غامض مثير للجدل في الحرب.

بشكل متوقع، ساعد تقرير أساسي لوزارة الخارجية الأمريكية عام 1998 على تبديد الأسطورة القائلة بوجود أي شكل معياري من الحياد، مشيرًا إلى أن الدول المحايدة واصلت التجارة مع قوات الحلفاء والمحور، وأرسلت قوات لتقديم المساعدة العسكرية، بل وسمحت لطرف أو آخر بالوصول إلى أراضيها.

تفاصيل خرق الحياد في الحرب العالمية الثانية

دول الحياد في الحرب العالمية الثانية

حتى تدرك حجم تأثير دول الحياد في الحرب العالمية الثانية على الحرب نفسها، إليك بعض الحقائق التي كشفها ذات التقرير أعلاه:

التبادل التجاري

ربما كان أكبر اكتشاف في التقرير هو أن النازيين اشتروا مواد حربية مهمة من دول محايدة باستخدام الفرنكات السويسرية المكتسبة، مقابل الذهب الذي نهبه النازيون من البلدان المحتلة ومن الضحايا الأفراد لمعسكرات الاعتقال.

وشملت هذه المواد التنغستن من البرتغال وإسبانيا، وخام الحديد من السويد، وخام الكروميت من تركيا؛ وكلها كانت عوامل مهمة لرفع جودة المجهود الحربي الألماني.

وعلى الرغم من أن الدول المحايدة استشهدت في كثير من الأحيان بالخوف من الانتقام الألماني كدافع لها للحفاظ على التجارة مع ألمانيا، أوضح التقرير أن العديد منها استمر حتى عام 1944، بينما استمرت سويسرا في التجارة حتى نهاية الحرب في عام 1945، أي بعد انتهاء أي أمل لألمانيا في التفوّق.

المساعدات العسكرية

كما أشار التقرير أيضًا إلى المساعدة العسكرية التي تقدمها الدول المحايدة.

مثلًا؛ أرسلت إسبانيا، التي انتهت حربها الأهلية مع بداية الحرب العالمية الثانية، قوات إلى الجبهة الروسية لمساعدة القوات المسلحة الألمانية، في حين سهّلت البرتغال وصول البريطانيين إلى قواعدها في جزر الأزور، كما سمحت السويد للقوات الألمانية عبر أراضيها بالوصول إلى فنلندا من أجل محاربة قوات الاحتلال السوفييتي، وكذلك لتسهيل احتلال النرويج.

في النهاية، خلص التقرير إلى أن دول الحياد في الحرب العالمية الثانية واجهت جميعًا ضغوطًا مماثلة من كل من قوات الحلفاء والمحور، لكن ردودها اختلفت بشكل كبير، باختصار، لم يكن هناك ما يمكن وصفه بالحياد المطلق خلال الحرب العالمية الثانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى